الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • بشير ملا نواف لليفانت نيوز: المسرح رواية مترجمة إلى "الحركة"

بشير ملا نواف لليفانت نيوز: المسرح رواية مترجمة إلى
بشير ملا نواف
الحالة العامة في سوريا لا تملك قابلية التطوير

شرمولى تعني الفراق والتشيّع إلى عالم الأموات

الشعر الذي يتكوّن من لقاح نغمة موسيقية لا يموت

لا أجد فرقاً كبيراً بين الشعر والمسرح من حيث الجوهر

الشعر نتاج حالة إنسانية تتكوّن عبر تراكمات في اللاشعور

يبقى المحرك الأساس في الإبداع الشعري هو عامل الحب

نغني في السر.. نعرض المسرح في السر.. كل شيء في السر

بشير ملا نواف شاعر وكاتب مسرحي يكتب باللغة الكردية، صدر له كتاب، وهي مجموعة من نصوص مسرحية بعنوان (من يقتل ممو)2007، من مواليد مدينة عامودا التي تقع شمال شرقي سوريا، يدرس الأدب الكردي في جامعة روج آفا.
التقت صحيفة ليفانت من خلال مكتبها في القامشلي مع الكاتب المسرحي بشير ملا نواف، وحيث طرحت عليه عدة أسئلة جوهرية تتعلق بتاريخ المسرح الكردي ونشأته مقارنة مع مذاهب أخرى من الأدب والفن.

نـــــــــــــص الحـــــوار كاملاً:

*بداية من هو بشير ملا نواف؟

آثرت أن يكون السؤال أين عشت طفولتك؟ حيث تبقى البيئة في تنشئة الشخصية من أهم عوامل تكوين بناء الإنسان وتعكس بصورة أو أخرى طابع هويته. مدينة مبنية من الطين يقسمها الشارع إلى قسمين. بدأت أول الصفوف الابتدائية في القسم الجنوبي حيث المدرسة الخاصة للطائفة الكاثوليكية، وهناك أدركت الفارق الشاسع بين القسمين. مدينة تحمل مواصفات ما تحمله رأس البسيط، عشت في بيت مكتظّ بالتناقضات بدءاً بالطريقة النقشبندية وحتى جميع الأحزاب في تلك المرحلة. كما عشت نقاشات انقسام الأحزاب السياسية إلى جانب آهات وحنين أمٍّ إلى الشمال، وكسرات بين حين وآخر على بكرها الذي التهمته نيران مجهولة (سينما عامودا)، وبين قصائد جكرخوين بصوت قصائدي يلحنه الوالد حينما كان يشعر بالفراغ واللوعة. انتهيت من دراستي الثانوية في عامودا إلا أنّ شبح تجريد الهوية صار عائقاً في سعيي إلى تكميل دراستي.

*هل يكفي للشاعر أن يعرف مفاتيح اللغة ليكون شاعراً حداثوياً؟

قوة الشاعر وإبداعه إضافة لشاعريته تكمن في معرفته اللغوية وتمكنه في إدراك اقتصاد اللغة وسيكولوجيتها. الشعر الذي يتكوّن من لقاح نغمة موسيقية لا يموت.. الشعر محيط واسع كل ما كان استقباله للأنهر أكثر كل ما كان لأعماقه ومعانيه جوهر أكبر.. الشعر نتاج حالة إنسانية تتكون خلال تراكمات في اللاشعور ثم ينفجر كالينبوع في الزمن الذي يفرض الحالة، ويبقى المحرك الأساس في الإبداع الشعري هو عامل الحب الذي بدونه لا يمكن أن يكون هناك شعر، كما يرى ملي جزيري بأنه العنصر الخامس في تكوين المخلوقات.

*برأيك ما الفرق بين لغة الشعر ولغة المسرح؟ وهل للمسرح لغة؟

إذا كانت اللغة من أعظم منجزات العقل البشري على مدى التاريخ، فإن الشعر من دون نزاع هو مكملة هذا الإنجاز في التعبير عن المشاعر والعواطف اللامتناهية. لا أجد فرقاً كبيراً بين الشعر والمسرح من حيث الجوهر، إلا أن الشعر لا يعرف للآفاق والتخيلات حدوداً، وبهذا فإن تغيرات اللغة غير محدودة أيضاً للتعبير عن هذا المتغير المتحرك. أما المسرح فهو ابتكار فني متداخل مع الأدب يملك أوسع المساحات الاجتماعية في تجسيد الرقص والشعر والموسيقا، وإلى ما هنالك من نشاطات وصراعات نفسية وطبقية وسياسية... يمكّن من خلال المسرح من لدغ الوعي الاجتماعي وتخمير بذور الحب والجمال والحرية من خلال عرضه المتكامل في اللاشعور للجماهير.

*بالرغم من حضورك الشعري الجميل إلا أنّه في الجهة الثانية ثمة انحدار باتجاه عالم المسرح.. فماذا تقول في هذه المسألة؟

إنها ليست مسألة اختيار، ربما هناك دوافع أخرى قد يكون لها عامل في التراكمات اللاشعورية يدفع المرء إلى ما ينسجم مع مشاعره وأحاسيسه، وهذا الموضوع جدير بالبحث.

*في اعتقادي أنّ بشير برز في المشهد الكردي كقاصٍّ مستقلّ عن التنظيمات السياسية. إذاً كيف انجرف بشير إلى الحالة السياسية، وتحديداً إلى السياسة، هل تؤيد ما أعتقده أم تعارضني في هذا الرأي؟

أجل للشعر منابره يمكن من خلالها أن يكون الشاعر على تماس مباشر مع الجمهور في المناسبات القومية والثقافية، بينما هناك في العمل الثقافي والفني أبطال مجهولون، كالمخرج والمؤلف.

*المسرح رواية مترجمة إلى "الحركة". تعدّ المسرحية فنّاً من أقدم الفنون الأدبية وأعرقها، فعمرها يعود إلى 25 قرناً من الزمن، خاصة عند الإغريق.. بمفهوم آخر أين هو المسرح الكردي من كل هذا التاريخ الذي يبدو طويلاً؟

القصة نتاج عملية زمنية، فالحياة كلها تخلّف قصصاً، لكل قصة أبطالها ونمط تفكيرها، وما المسرح إلا تمثيلاً وتصويراً لحالة ما، يقوم الممثلون بإعادتها على خشبة المسرح، إلا أنّ المسرح ينفرد به الإغريق دون غيرهم. ليس الأكراد، بل جميع شعوب الشرق، وحتى الفراعنة، ليس لهم أثر في تراثهم لهذا الفن إلا القليل من الملامح المشابهة للمسرح.

*مؤخراً أصدرت كتاباً باللغة الكردية بعنوان (من يقتل ممو)، وهو عبارة عن مجموعة نصوص مسرحية وقد ترجم إلى العربية من قبل الأستاذ هيثم حسين. كيف كان رد فعل القارئ حول ما جاء في مضمونه؟

كتاب "من يقتل ممو" عبارة عن مجموعة من مسرحيات ذات مشهد واحد. مع كل الأسف وبشدة، إن قرّاء الكتاب الكردي معدودون، إلا في وسط ضيق، من هذا المنطلق ترجمت المجموعة إلى اللغة العربية للقراء العرب والكرد. "من يقتل ممو" ليس الهدف منه إعادة الملحمة بشكلها الدراماتيكي والتراثي، إنما لا مست النص من زاوية أخرى، بأنّ (ممو) موجود دائماً وإلى الأبد ما دام هناك حب، ومن جهة أخرى حركت موضوع الصداقة وقدسيتها في البحث عن الحقيقة.

*كيف يفهم بشير ملا نواف النقد المسرحي؟ وهل هناك نقاد كرد أصلاً للمسرح؟

النقد علم بحدّ ذاته له مناهجه ومدارسه. إني أرى أنه توءم كل الإبداعات والتطور. نحن بحاجة إليه أكثر مما نحتاج إلى الخبز.

*إلى جانب مساهماتك الوفيرة في المجلات ومواقع الإنترنيت.. هل أخذت أعمالك المسرحية الحيّز التنفيذي؟ أعني تماماً هل ترجمت هذه الأعمال تمثيلاً على المسارح؟

أتذكر مرة قام الأستاذ محمد رسول مع فرقة (تول هلدان) بتمثيل بعض العروض، وكان لي نصّ بين عروضه أقامها في قرية عبر زريبة للحيوانات، وذلك هروباً من مضايقات ومساءلات الأمن، ونحن في زمن العولمة والمعلوماتية. ليس لنا سوى يوم (نوروز) تقدم فيه الفرق فلاشات بشكل مسرحي.. نغني في السر.. نعرض المسرح في السر.. كل شيء في السر.

*تتشتت كوامنك الكتابية بين عدة أجناس أدبية، مثلاً الشعر الغنائي، الشعر السياسي، الدراسات الأدبية، سيناريو مسرحيات، ألا يأتي كل هذا على حساب القيمة الإبداعية عند بشير ملا نواف؟

أريد أن أجيب عن سؤالك هذا بموقف للشاعر الفلسطيني محمود درويش (إذا كان الشاعر فلسطينياً يتوجب عليه أن يكون سياسياً، خطيباً، محرضاً...)، فما بالك أن يكون الشاعر كردياً؟

*كيف يرى الكاتب بشير ملا نواف الإعلام الكردي هنا في سوريا مقارنة مع إعلام الدول المجاورة؟ بمفهوم آخر، هل تعتبر تلك النشرات الحزبية والمقالات الإلكترونية إعلاماً حقيقياً لدى الأكراد في سوريا أم أنّ الإعلام الحقيقي لم يتحقق لهم بعد؟

تبقى المحصلة تفسيراً للحالة الكردية، بغض النظر عن تشتت الموقف الكردي وعدم حضوره، ومع غياب الخطاب السياسي والفكر الموحد، إلا أنّ الحالة العامة في سوريا لا تملك قابلية التطوير والمدخل إلى الإعلام اللائق، ففي الأجواء السلبية مع عدم وجود صحافة حرة وحرية التفكير وقانون الأحزاب.. أين يمكن للإعلام أن ينتش ببذرته في مثل هذه الأتربة؟ ماذا يتوقع في مثل هذه الأجواء للصحافة وغيرها سوى الفرملة ومكانك راوح؟

*كيف ترى ككاتب وكشاعر حال المرأة الشرقية؟

إنّ قضية المرأة واضطهادها مشكلة كونية، وإن ما تعانيه الإنسانية من سلبيات تعود بقسط كبير إلى عبودية المرأة واضطهادها من النظام الرجولي، الذي يعود تاريخياً إلى سلطة الكهنة السومريين. إن خطاب المرأة عن مكنوناتها لا يكتبه إلا المرأة، وإن تحرير المرأة مرتبط عن قرب بالوعي الاجتماعي مجملاً، والمرأة خاصة. لا تتحقق إنسانية الرجل إلا بتحقيق العدالة الاجتماعية للمرأة وتحقيق ذاتها. إن إقصاء المرأة من قبل الرجل خنجر مسموم يغرسوه في ظهره. وتبقى المرأة من أجمل المخلوقات، ومن أبرز الموضوعات الحيوية ومحور كل القصائد والقصص، إنّها الحياة بعينها مثلما يقال المثل الكردي (المرأة هي الحياة.. لا تقتل الحياة).

ما هي وظيفة المسرح برأيك؟

وظيفة المسرح تهذيب النفس وتطهيره، إضافة إلى تعليم الإنسان كيفية بناء إنسانيته عبر ذاكرته اللاشعورية، ومن جهة أخرى وظيفته الأكثر وضوحاً هي الإثارة. إن المسرح شكل من أشكال الوعي الاجتماعي، يمثل علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالطبيعة. إن المسرح المتكامل بإمكانه أن يكشف عن مكنونات مغمورة داخل الوجدان وإيقاظها وبث الأمل فيها. الأعمال المتكاملة، كالحديقة، توحي بالحياة عندما تتوفر العوامل الأساسية.

*عامودا بأبعادها: المكان والتاريخ والسياسة والتفاعل الثقافي، هل لها تأثير في أعمالك؟ وما سرّ تناول شعراء وكتاب عامودا (كري الشرمولى) حين يذكرونها في كتاباتهم وقصائدهم؟

إنّ علاقة الإنسان بالطبيعة وعلاقة الأنا بالكل تؤدي في نهاية المطاف إلى تشكيل الوعي الذاتي وتبرز بشكل أو آخر في السلوك والوجدان، من ثقافة أو أدب، وكذلك للفكر علاقة حيوية مع البيئة والتراث المادي والمعنوي، فالشرمولى تلة تحيط بالمدينة من الناحية الجنوبية، وتتكون منها المقبرة الرئيسية، تشكلت عبر التاريخ، يضاف إليها مكابدات أبناء الشمس والتراب وهم على يقين أنّه ليس لهم سوى هذا المكان لإيوائهم الأبدي.
إن الخوف من الموت المحفور في الذاكرة مستيقظ دائماً، عندما يكون القطب الثاني مجهولاً، أو بالأحرى ليس له معنى. شرمولى تعني الفراق والتشيّع إلى عالم الأموات، فذكر هذه المقبرة لها مدلول معنوي أكثر من المدلول الجغرافي.

*كونك كاتب وشاعر، ولا شك أنت معني أكثر من سواك بالعمل الثقافي والأدبي، ما رأيك بالمهرجانات الشعرية التي تقام في العام مرة؟

إذا لم تتكاتف الجهود بشكل جماعي أو مؤسساتي لدعم مثل هذه المناسبات القومية والثقافية، فستبقى مبتورة، ثمة حلقة مفقودة على الجميع البحث عنها قبل البدء بأي نشاط أو عمل. عند الرجوع إلى الخط البياني للمهرجانات نجدها تنحدر نحو الأسفل، مع كل الاحترام للجهود المبذولة، إلا أنّ المهرجان على مستوى سوريا لا يضاهي حفلة (شيرانية). أليست هذه مسألة جديرة بالتساؤل؟

*لمَ ارتبط الإبهام بالشعر الحديث أو الحر؟

إذا كان الغموض يوحي باختراق حواجز الواقع والغوص فيما وراء الموجودات، فإن النقص في هذه الحالة هو في قوة مفاهيمنا وإدراكنا للحداثة. أما الحداثة التقليدية أو (الفوتوكوبي)، كما حدث في تجربة كتاب العرب، فلا محال نتيجتها الفشل، حيث اتُّخذ الشكل وأهمل الجوهر. إن التستر وراء اللغة والمفردات المستخدمة ذات الصلة بالغموض ليس إلا هروباً أو خوفاً من المواقف. إذا لم تكن الحداثة ضرورة أو حاجة للتطورات الاجتماعية والفكرية فلماذا الحداثة إذاً؟ إن دمقرطة الحداثة أصعب من الحداثة والمدخل إليها يستوجب قوة في الإبداع والوعي الأدبي والفكري.

*سؤال أخير نتركه لك لتتحدّث عبر صحيفة ليفانت عمّا يجول في خاطرك؟

أدعو ذاتي قبل الجميع إلى العودة والتمعن في الشعر والتراث الكردي، كالجزيري وغيره، دائماً لتربية الذاكرة الشعرية وتهذيب اللاشعور في الإدراك بأنماط الخصوصية الشعرية والثقافة القومية لنتمكن من توسيع دائرة الخيال الفكري لتخمير الشعر والأعمال الأدبية بطابع خاص ذي ثقافة قومية، بعيداً عن ذلك لا يمكن أن نبني مستقبلاً وعالماً ذا هوية يليق بهذه الأمة العريقة.

بشير ملا نواف

ليفانت – مكتب سوريا - القامشلي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!