-
بدنا نعيش.. قلبي وقلبك
ظهرت في الأيام القليلة الماضية مجموعتان سوريتان على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك", مجموعة تم إنشاؤها من داخل سوريا بعنوان "بدنا نعيش", والمجموعة الثانية التي تم اطلاقها من سوريين خارج البلاد حملت اسم "قلبي قلبك".
حملت "بدنا نعيش" صوراً لاحتجاجات من مدينة السويداء جنوبي سوريا, تفاعلت تباعاً احتجاجاً على الأوضاع المعيشية التي يعيشها السوريون داخل البلاد من غلاء وفاقة وصلت حد الجوع, بينما كان مقتل الشاب "حسام الحسون" في ألمانيا بجلطة قلبية السبب الذي أنشأت من أجله الناشطة دينا أبو الحسن المجموعة من أجله لتدق ناقوس الخطر بضرورة بوح الشباب عما يقتل قلوبهم ببطء وصمت في هذه الغربة القسرية.
المعاناة على الطرف المقابل, طرف أهلنا في "بدنا نعيش" تدفع الناس للاحتجاج رغم خطورته المرتفعة, لأن هنالك خطراً أكبر وهو الجوع, وبالطبع فإن سقفه منخفض وهذا مفهوم جداً, بينما السقف مرتفع على جانب "قلبي قلبك" لأن هنالك ضرورة لكسر جدار الصمت ممن كسروه مرات ومرات وانتهى بهم المطاف بين أحضان غربة قاسية تضغط على أضلاعهم حد الموت.
لا أدري لماذا كان المشهد بالنسبة لي دوماً هكذا, صرخة مكتومة على طرفي الحدود, صرخة سوريين تعبوا وما عاد يشفيهم سوى التغيير المرجو, رغم اصرار البعض على ايجاد الفروقات الألف بين الصرختين, صرخة متقدمة, وصرخة متأخرة, صرخة شجاعة, وصرخة خائفة, صرخة كرامة, وصرخة جوع....الخ
أعتقد أن من الجيد جداً وعي أن معظم من بقي في سوريا بقي مجبراً لعدم توفر خيارات أفضل أو لعدم قدرته أصلاً على المغادرة, يجبر كثير من السوريين على العيش هناك واعالة أسرهم, بينما أجبر أفراد من عائلاتهم ذاتها على الرحيل والعمل خارج البلاد ليتمكنوا من ارسال مبلغ وإن زهيد, يقي أسرهم ذل الجوع.
أما عن الذل, فماذا يسمى اضطرارنا لنسمى لاجئين؟ أليس ذلاً أيضاً؟ أليس ذلاً حرمان السوريين من أولادهم وعائلاتهم؟ أليس ذلاً اضطرارهم لرؤية أحبائهم يقتلون وبيوتهم تهدم؟
من المعيب فعلاً أن نقول عن احتجاجات السوريين هناك بأنها " ثورة جياع", فالسوريون يمتلكون بلداً من أغنى البلدان بالثروات وإن كان ثمة سوري جائع فتلك جريمة علينا البحث عن مرتكبها, مضافاً إلى ذلك أن الضحية هو, ونحن!
من المعيب أيضاً سخرية من بقوا من أهلنا هناك من حزننا, واشتياقنا, وقلوبنا التي تنطفىء تعباً أو تكاد, لقد تحملت هذه القلوب اعتقال النظام وتعذيبه وقصفه, أدماها الظلم قبل أن يدميها المرض والفقد, وتلك جريمة لا تقل فظاعة عن تجويع السوريين!
وإذا كان سلاح السخرية واجب الاستخدام للمضي قدماً, وشحذ الهمم وتوحيد الصفوف, فإنه يصبح سلاحاً قاتلاً حين يستخدم في غير مكانه, فيراد له تقسيم من بقي من السوريين على قيد الحياة, وزرع الفتن مرة أخرى بينهم.
دعوني, جادة, أقترح عليكم مجموعة عمل باسم "بدنا نعيش .. قلبي وقلبك", لهؤلاء السوريين الرافضين للأوضاع الاقتصادية المدمّرة التي تسبب بها النظام, والسوريون المتعبون من هذا الواقع الذي فرض عليهم الغربة والفقدان, لهؤلاء جميعاً المصلحة في التغيير المطلوب, وعليهم تقع مسؤولية ايجاد القواسم المشتركة بين السوريين أينما وطأت أقدامهم الأرض, فهم أصحاب قضية واحدة وحلم واحد.
ربما حانت الساعة التي يبحث السوريون المخلصون جدياً عن منصة مشتركة لكل السوريين, فيخترعونها, أو لنقل يحفرونها بأظافرهم إن عدموا الأدوات, منصة ترفع صوتهم في وجه العالم, الذي بات يحكم السيطرة على أرض هي حلمنا وحلم أولادنا, مطيحاً بمشروعنا الوطني الذي علينا وحدنا تقع مسؤولية إحيائه.
ربما تبدأ الأمور بمبادرات فردية أو جماعية, لكني موقنة بنضوج وعي سوري جديد يقرأ التجربة ويستفيد منها, ويرغب فعلياً في العمل بايجابية لإزاحة هذا النظام المتهالك, وابعاد كل المتسلقين عنه.
حان الوقت لرفض الموت, ولأن تعيش كل القلوب السورية في مشروع دولة تتسع للجميع, ولكن تحاسب المجرمين أيضاً, فوحدها دولة كهذه تتسع لكل السوريين!
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!