-
"بدنا نعيش" بين الاستمرارية والمخاطر المحيطة
تعيش سوريا أوضاعاً مأساوية على كافة المستويات في ظل استمرار الحرب والحصار, لكن بعض المحافظات والمناطق تعيش أوضاعاً خاصة في هذه المأساوية بسبب عدم عناية النظام ومؤسساته بهذه المحافظات والمناطق, وفي مقدمة هذه المدن السويداء وريفها حيث تنتشر فيها الفوضى, وتدهور الحالة المعاشية والاقتصادية الاجتماعية بسبب تراجع وتدني مصادر دخل المواطنين وارتفاع معدلات التضخم واتساع السوق السوداء, وانتشار اقتصاد الظل, وارتفاع معدلات الجريمة, وزيادة البطالة نتيجة ندرة فرص العمل ومحدودية حركة الشباب المتخلفين عن الالتحاق بالجيش أو المبعدين والمفصولين من العمل لسبب نفسه أو لأسباب سياسية, ويضاف إلى ذلك تراجع غير مسبوق في مستوى التعليم والصحة, أمام العجز الذي يعيشه النظام في تأمين بدائل اجتماعية وحلول اقتصادية تخفف من المعاناة التي تعيشها في هذه الظروف القاسية.
كان من المفترض أن يقوم النظام وحكومته بأعداد برنامج مواجهة تداعيات الحرب الاقتصادية والتخفيف عن المواطن, بأن يكون الشتاء مريحاً كهربائياً, ومدعوم بالمازوت والغاز والبنزين, وكل شتاء تزداد الجعجعة بأنه لن يكون هناك أزمات على المستوى الاقتصادي والمعيشي والخدمي, وتزامن ذلك مع أزمة سعر الصرف, التي نتج عنها زيادة في معدلات الفقر, ومستويات التقشف في الأنفاق الأسري, ويزيد الوضع سوءاً نسخ برنامج التقنين للمواسم الشتوية السابقة, وتناسخ أزمات الغاز والمشتقات النفطية, وعدد من المواد الاستهلاكية الأساسية مثل" السكر الذي أصبح يباع بمعدل 3كيلو غرام للأسرة على دفتر العائلة", وهذا تطور جديد يستخدم للمرة الأولى 2011, كل هذا يجري بدون تقديم حلول مؤقته أو دائمة رغم أن الحكومة والنظام ذاته قد طرح شعارات ولم يعمل على تنفيذها مثل التوجه إلى الشرق ودول بريكس في التصدير, إذ هناك نحو (500 ألف طن سنوياً) من الحمضيات فائض إنتاج يمكن تصديرها إلى السوق الروسية, وهذا لم يحصل.
وأنه مع دول الجوار ومنها لبنان يمكن الاتفاق على الاستعاضة عن التعامل بالدولار في عمليات التبادل التجاري من خلال اعتماد مبدأ المقايضة. هذه الأسباب العامة في سوريا كلها, لكن لأوضاع السويداء أسباب أضافية منها دور التجار المطلقة يدهم في التسعير حسب رؤيتهم الخاصة لسعر صرف الدولار, ويتم ذلك بالتنسيق مع الأجهزة المختصة في وزارة التموين وغيرها من الدوائر المسؤولة, والتحكم بالسوق عبر شبكات الفساد المرتبطة أمنيناً, ويؤكد الكثيرون أن الأسعار أعلى من أسعار مدينة دمشق بسبب إضافة التجار أجور النقل من دمشق إلى السويداء على أسعار المواد. وحالة الفوضى الموجودة في السويداء وريفها التي تتمظهر في حالات الخطف التي بلغت في العام2017, (31) حالة شهرياً, والفديات المدفوعة من 2011 حتى العام 2017, تجاوزت (1,3) مليار ليرة سورية.
ويترافق ذلك مع حصار اقتصادي فرضه النظام نتيجة عدم التحاق شباب المدينة وريفها في الجيش العربي السوري لخدمة العلم, بسبب الحرب التي يشنّها النظام على الشعب السوري, وعدم رغبة شباب الجبل المشاركة في هذه الحرب إذ حجز على (20) مليار ليرة سورية من ميزانية التنمية في المحافظة, هذه الحالات مستمرة بسبب ضعف وجود النظام في المحافظة, وعدم قدرته على إجبار الشباب الالتحاق في الجيش.
ويفاقم في ارتفاع الأسعار بيع الكثير من المواد إلى التجار اللبنانيين بالتسعيرة السورية (التي يجدها ذات ثمن متدني بالقياس إلى أسعارها في السوق اللبنانية), مما يفقد السوق عدد من المواد الأساسية.
بعد الموجة الأولى من احتجاجات "بدنا نعيش" في السويداء وشهبا تجاوبت سلطات المحافظة إذ ذكرت صفحة "بدنا نعيش" أنه "في اليوم السابع للحراك تم تحسين الوضع الخدمي بالسويداء لا يلبي جميع مطالبنا, حيث تم زيادة إنتاج اسطوانات الغاز بناء على قرار المحافظ, والبدء بتوزيع دور المازوت الثاني والثالث وفق المناطق الموزع فيها سابقاً, وزيادة عدد نقلات البنزين بعدد من شعب البنزين في السويداء, واحترام منا للتعاون البارد من المؤسسات المعنية تم إيقاف الحراك عدة أيام منذ الثلاثاء بتاريخ 21/1/2020, الآن ندعوكم لاستئناف ما بدئنا به, ندعوكم لتحصيل باقي حقنا الطبيعي كبشر".
هذه الدعوة لاستئناف الحراك تحققت في 26/1/202, أمام كلية التربية في مدينة السويداء للمطالبة بحقوق الطلاب والتنديد بالفساد المتفشي في المؤسسات التعليمية, وتحرك الحشد إلى أمام مبنى المحافظة لعدم تنفيذ إدارة الكلية تهديدها بفضل الطلاب الراغبين في المشاركة.
وحظيت حملة "بدنا نعيش" بتضامن عالي يوحي في إمكانية استمرارية الحملة في السويداء وشهبا وبعض مدن المحافظة, ومحاولات التضامن مع الحملة في أكثر من محافظة ومنطقة في الوطن السوري يحتاج إلى التركيز على مجموعة من الحقائق والمعطيات الخاصة بالحراك المطلبي, فلا بد أولاً الابتعاد عن المطالب السياسية المباشرة والبعيدة المدى على الأقل في المراحل الأولى والمتوسطة من الحراك حتى يستطيع هذا الحراك المتجذر في الحالة السورية بشكل عام, وفي الحالة الخاصة في مدينة السويداء وريفها, ويمكن التأكيد على رفع الشعارات المطالب الاقتصادية الخاصة بالمحافظة وريفها, ما يمنع المواجهات الأمنية المباشرة العارية أمام الناس, لكن يصعد الاتهامات من قبل عدد لا بأس به من أدوات النظام, والمطالب بقمع الحركات (علي خلوف، وبركات.. وغيرهم مثل صفحات الشبيحة "طرطوس الآن").
أن الحرص على عدم تفجير الحراك من الداخل عبر الاتجاه في مطالب غير مدروسة, والتحول إلى أدوات سياسية أو أدوات محلية ذات لبوس (مناطقي- جهوي), فالمهام المطلبية الاقتصادية تحتاج إلى الصبر والثبات في الفعل التراكمي للوصول إلى حالة ثابتة في التنسيق داخل المجموعة المختارة من عموم الحراك التي تعطي القرارات الهامة.
وإذا لم تتدخل الأحزاب والقوى السياسية في المحافظة في الأسبوع الأول بسبب الشعارات, فمع استمرار الحراك سوف يفتح شهية القوى السياسية في المحافظة على التدخل ولعب دور ما نحو تحويله إلى حراك سياسي واضح, وهذا ما يعرضه للقمع المباشر والتدخل الأمني كما جرى في العام 2011, لذلك المطلوب من القوى السياسية وتجمعاتها في السويداء الدعم البشري بالتواجد, وعدم التدخل على مستوى الشعارات والتحركات, ويعد هذا من أفضل السبل لحماية واستمرار الحراك في السويداء وشهبا ويصبح نموذجاً قابل للتعميم في العديد من المحافظات والمناطق السورية.
ومن أفضل السبل لصيانة الحراك واستمراره وجود الواجهات الاجتماعية التقليدية في إرساء مظلة اجتماعية ذات حضور مثلما فعل السيد لؤي الأطرش في بيان خاص من عره داعم للحراك والمطالب الاقتصادية, ولعب بعض الجهات دور الوسيط للحضور الاجتماعي التقليدي لعدد من شخصيات المحافظة, ويمكن لرجال الكرامة لعب دور إيجابي عبر الحضور المباشر كأفراد دون الخوض في الحماية كفصيل مسلح, وهذا يساعد على الاستمرارية والحضور الواسع للحراك, وتجذير المحلية في الحراك وعدم تدخل الطيور المهاجرة من المحافظة في القارة العجوز وغيرها من بلدان الاغتراب السوري, ويضاف إلى ذلك عدم تدخل الحالة الأخوية الموجودة لدى الطائفة في فلسطيني 1948, ولبنان الشقيق على كافة المستويات, ومن دواعي الحرص الشديد عدم الاقتراب بالمطلق ممن يسبحون في فضاء المخدرات, فهذا من الكبائر التي تسم الحراك بما هو ليس فيه.
ويجدر لفت الانتباه إلى عدة مخاطر مباشرة منها أن تدخل داعش وتهاجم الحراك لأشغال الرأي العام عما يجري في المدينة والمساهمة المباشرة في تحطيمه, وتدخل البدو المباشر في مهاجمة الحراك أيضاً.
أخيراً من كل ما تقدم أن استمرارية الحراك، يفتح بوابة أمل في الوضيعة السورية المركبة والمعقدة منذ تسع سنوات حتى الآن, ويعيد جزء من الحراك المطلبي الاقتصادي إلى مكانه الصحيح السوري بعيداً عما جرى في مسارات الحالة السورية، فعندما يكون الحراك في الداخل السوري, يمكن أن يكون مثال يحتذى في بقية المناطق والمدن والمحافظات السورية الواقعة تحت هيمنة النظام السوري, إذ مازالت القضايا المطلبية الاقتصادية من" غاز, مازوت, بنزين, كهرباء, سكر, رز, وخبز" تشكل عصب الهموم التي يعيشها الإنسان السوري في الداخل, ومفتاح من مفاتيح تحريكه في الفعل الحياتي.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!