الوضع المظلم
الثلاثاء ٣٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • انشقاقات تركيا المفبركة.. أردوغان باباجان وأوغلو «هون حفرنا وهون طمرنا»

انشقاقات تركيا المفبركة.. أردوغان باباجان وأوغلو «هون حفرنا وهون طمرنا»
علي نمر  

المقاربات مع حزب «العدالة والتنمية» التركي، تكون خاسرة في كل المقاييس والنواحي، ففي الوقت الذي تعدّ الأحزاب السياسية في النظم الديمقراطية، أحد أهم مظاهر الحياة السياسية في تركيا الأردوغانية، تطبق قاعدة «من ليس معي فهو ضدي». 


ومع الأحزاب الكردية أو الثورية التركية، هذه القاعدة ثابتة مع إضافة التهم الجاهزة التي تطلقها معظم الأنظمة الديكتاتورية، من قبيل إنها «إرهابية»، أو تسعى لقطع أراض من الدولة، أيّ أنّ السلطة هناك لن تقبل بأيّ دورٍ هام تقوم بها حتى لو كان سلمياً، سواء على مبدأ المشاركة السياسية، أو تمثيل إرادة شعب يقارب تعداده أكثر من 20 مليوناً، وإن كانت إحدى طرق تحديد الخيارات والبدائل عبر الانتخابات، فحتى هذه لم تسر كما هو مفترض ديمقراطياً، مع زجّ معظم قيادات حزب «الشعوب الديمقراطي» بالسجون، وعزل ممثليها من رئاسة البلديات التي حصلت على الأغلبية العظمى من الأصوات في الانتخابات، لذلك إن حاولنا قياس مستوى التحوّل الديمقراطي في تركيا، من خلال ما قامت به في السنوات الأخيرة، فإنّها فعلت كل ما هو خارج إطار حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، خوفاً من أن يؤدي دور تلك القوى السياسية إلى تعزيز الانتقاص من شرعية النظام السياسي أكثر، وهنا نصل للسؤال الأهم: ما الذي يجعل هذا النظام السياسي برئاسة رجب طيب أردوغان، يسمح بحدوث كل هذه الانشقاقات داخل حزبه الحاكم، وبالتالي تشكيل أحزاب سياسية جديدة دون أيّ اعتراض أو رادع؟


يحاول أردوغان جاهداً تطبيق ما كان يقوم به مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، تجاه الأحزاب، وذلك بالسماح لتأسيس أحزاب جديدة تحت تسمية «معارضة»، بحجة إقامة ديمقراطية متعددة الأقطاب، وحسب الرواية التاريخية، فقد ألغى أتاتورك الخلافة الإسلامية وأعلن علمانية الدولة، بينما أردوغان يحاول تشكيل الأحزاب من صلب الحزب الحاكم في سبيل تشتيت القوى السياسية الحقيقية، لإعادة الخلافة الإسلامية، واستمرار زعامته كخليفة للمسلمين، أما دعوته للعلمانية ليست إلا واجهة لدخول الاتحاد الأوروبي وكسب رضاه، أي تطبيق التوجه العام بأهداف مختلفة، والتي تكمن في «إخوانية» الدولة.


من هنا؛ ليس للنظام التركي أيّة مشكلة مع الأحزاب السياسية حتى التي تسمى بـ«معارضة»، فحزب الشعب الجمهوري (الذي يعتبر الأقدم من بينها)، وفق نتائج الانتخابات الأخيرة وفوزه ببلدية إسطنبول وأنقرة، يفترض أن يكون أكبر الأحزاب التي يحاربها أردوغان، لكن ما هو ظاهر على الأرض مختلف تماماً، إذ لم يسحب منها أيّة رئاسة للبلديات، وبالتالي أكاد أجزم ليس للحزب أي سجين أو معتقل في سجون النظام التركي، في الوقت الذي فيه المئات لا بل الآلاف من حزب الشعوب الديمقراطي وباقي القوى السياسية الكردية معتقلون في السجون، كما أنّ أكثر التجمعات والتحركات الجماهيرية التي تم استهدافها بعمليات إرهابية كانت تابعة للقوى الكردية والتركية الثورية، أو التي تتبنّى الماركسية اللينينية، كالتي حصلت في إسطنبول أو أنقرة أو سروج، وراح ضحيتها العشرات بين قتيلٍ وجريح. حتى على مستوى قيادات الصف الأول، ما الذي يفرّق كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، عن صلاح الدين ديمرتاش، الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي، المعتقل منذ سنوات، رغم تمتعه بالحصانة البرلمانية؟ ثم كم مرة قادة باقي الأحزاب المعارضة تعرضوا لمحاولات الاغتيال أو تلقي تهديدات بالقتل، مقارنة مع عدد المرات التي تعرّض فيها قادة حزب الشعوب للاغتيال والتهديد؟


ما ذكر آنفاً، يوصلنا للاستنتاج الذي استمدّ منه عنوان هذا المقال، وهي أنّ «انشقاقات تركيا المفبركة.. أردوغان باباجان وأوغلو هون حفرنا وهون طمرنا»، إذ بالنظر إلى الانتقادات التي وجهها كلاً من المنشقين (داود أوغلو، علي باباجان، وعبدالله كول) لأردوغان وسياساته، يفترض أن يكون الثلاثة الآن في السجن، والجميع من مؤسسي حزبه، لكن بالعودة ثانية إلى تاريخ تركيا منذ التأسيس، فإنّ هذه السياسة هي المعتمدة في مختلف مراحلها، سواء في عهد الانتخابات أو الانقلابات العسكرية، حتى اختيار أسماء الأحزاب الجديدة تدرس بآلية ذكية، بحيث تضيع الشعب الذي أرضيته من مستويات متفاوتة باختيار مرشحيّ الأحزاب بشكل صحيح، فالحزبين الجديدين هما (الديمقراطية والتقدّم، والمستقبل) بالإضافة إلى حزب «الشعب الجمهوري»، أي جميع التسميات متقاربة متداخلة مع اسم حزب «الشعوب الديمقراطي» الخصم والمنافس الحقيقي الذي يملك برنامجاً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً، في وجه الحزب الحاكم.


بهذه الطريقة يكون أردوغان نجح استخباراتياً بتشتيت الأصوات في الانتخابات، كي يبقى هو الأعلى حصولاً على الأصوات، رغم الهوبرة الإعلامية للتصريحات التي يطلقها المنشقون المفترضون الجدد، والشعارات النارية من أجل خداع الشعب بالخطة المحكمة سياسياً التي رسمها منظّر تاريخ تركيا الحديث، دواد أغلو، ذاته، فالأحزاب تلك ومعها حزب «الحركة القومية» المتطرّف، وعند المنعطف الرئيس، لن تكون إلا بوقاً لأردوغان والحزب الحاكم في وجه أي تحوّل ديمقراطي حقيقي، يكون منطلقه الحقوق القومية للشعب الكردي، لا تدمير آلاف القرى، واعتقال الآلاف من أجل طمس الهوية الكردية، ومن هذا المنطلق بالذات رفض أردوغان الانفتاح على القضية الكردية، والعودة لإجراء اتفاقيات السلام مع الحركة، وعلى وجه الخصوص «حزب العمال الكردستاني» سواءً في عهد حزب «السلام الديمقراطي» أو بعدما تحوّل لحزب يمثل الحركة الثورية التركية المعارضة، بكردها وتركها معاً، وتغير اسمه إلى حزب الشعوب الديمقراطي، كفرع لمؤتمر الشعوب الديمقراطي، الوحيد الذي يحاربه النظام التركي بكل أشكال العنف والاعتقال والاغتيال والاختفاء القسري.


إن كانت الأحزاب الفاعلة تاريخياً في أيّة دولة، مؤشر من مؤشرات تقدم الشعوب والدول، وبالتالي يمكن الاعتماد عليه في قياس مستوى التحول الديموقراطي للدولة، فإنّ في تركيا التجربة أثبتت عكس ذلك، إذ كيف لحزب خرج من رحم «طلع البدر علينا…» أن يكون ديمقراطياً بمعناه الحقيقي، قولاً وعملاً؟ علماً أنّه لو تبنى الجزء المنير من التاريخ الإسلامي كان يمكن تفادي هذا السؤال، لكن ما هو ثابت أنٍه ومنذ تأسيسه اختار مسار «الإخوان المسلمين»، أي طريق التطرّف الديني الذي يبدأ منه التوجه نحو أكثر الحركات الإسلامية تطرفاً، منذ نهايات القرن العشرين وحتى اللحظة، وعلى رأسها تنظيم القاعدة وفروعه في الشرق الأوسط، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، اللذان منذ مقتل أسامة بن لادن، اختارا تركيا نقطة الانطلاق لعملياته وعمله وتوسعه… فأبدعت في الاختيار، لتكون عصا أردوغان وجسر المرور له نحو الدول العربية والتدخل بشؤونها ليس ابتداءً بسوريا ولا مروراً بكردستان العراق، ولا انتهاءً في ليبيا واليمن.


– علي نمر  

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!