الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
انتهاكات
انتهاكات نبع السلام تُلعثم المُتحدث باسم أردوغان

أحرج المذيع البريطاني تيم سيباستيان، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، خلال لقاء تلفزيوني في 27 نوفمبر الجاري، حيث تناول العملية العسكرية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، عند سؤاله عن الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل موالية لتركيا.


https://youtu.be/QO_z9Wamh6s


وأشار المذيع الشهير خلال المقابلة إن عدداً محدوداً من الدول دعمت العملية التركية في سوريا، وأن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري أكد أن تركيا شنت عمليتها العسكرية رغم اعتراض واشنطن، وشردت المدنيين ودمرت البنية التحتية، لكن كالن رد بالنفي والتأكيد على أن الولايات المتحدة كانت على علم بالعملية، وأن الكثير من الاجتماعات كانت بينه وبين جيفري الذي وصفه كالن بالصديق، وهو ما دفع سيباستيان، حينها للاستمرار قائلاً إن "جيفري أكد أن هناك حالات تعذيب وانتهاكات"، فرد كالن بالقول: أعطني أمثلة.


وهو جوابٌ استفز المذيع الذي رد قائلاً: السفير جيفري هو من سيعطيك أمثلة، مضيفاً "أن المعارضة السورية المدعومة من أنقرة ارتكبت جرائم حرب، وقد طلبنا توضيحاً من تركيا"، وتابع مخاطباً كالن "زعمت أن تحقيقات جارية في انتهاكات حقوق الإنسان، لذا أنت تسألني عن شيء تعرفه؟" ليباغته بالسؤال: "كم عدد التحقيقات التي أجريت وبواسطة من؟".


أسئلة أربكت المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية وابتسم، وقال "تم إطلاق عدد من التحقيقات"، إلا أن المذيع تابع حديثه وسأله مجدداً: "كم عددهم؟ كم عددهم سيد كالن؟"، ليأتي الرد التركي عاماً، فقال كالن "بعضها ما زالت قيد التحقيق"، فيما أصر سيباستيان على الضيف التركي سائلاً "أخبرني عن التحقيقات"، بيد أن المتحدث باسم الرئاسة التركية رد بابتسامة وملامح ارتباك واضحة قائلاً: "الصحافي الجيد يمكنه أن يبحث ويجد الإجابة"، ليرد عليه سيباستيان "أنت لا تعرف.. لا تعرف الإجابة!".


المذيع البريطاني تيم سيباستيان، يحرج إبراهيم كالن مستشار اردوغان


 


قتل السياسيين..


منذ بدء الهجوم التركي على شمال سوريا في التاسع من أكتوبر الماضي، كشفت وسائل الإعلام أدلة حول تورط مليشيات تابعة لتركيا تعمل تحت مسمى "الجيش الوطني السوري" في قتل القيادية الكردية السورية هفرين خلف والتمثيل بجثمانها، كما عرضت صورة تداولها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي لشخص يدعى حاتم أبو شقرا مع الحارسين الشخصيين لـ هفرين قبل أن يتم قتلهما أيضاً، علماً أن أبو شقرا هو قائد مليشيا "أحرار الشرقية"، ويتمتع بعلاقات قوية مع جهات تركية رسمية، إذ ألتقى في أبريل 2018، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحسب تقارير إعلامية.


أسلحة مُحرمة..


وعقب قتل السياسية بأيام، وتحديداً في السابع عشر من أكتوبر الماضي، جاء الاتهام الثاني والذي أعتبر جريمة حرب، حول استخدام القوات التركية أسلحةً محرّمة دولياً في هجماتها على مدينة "سريه كانيه\رأس العين"، حيث دعت قسد المنظمات المعنية إلى التأكد من ذلك مخبرياً، وهو ما ذهبت إليه مجلة "فورين بولسى" الأمريكية، التي تحدثت في تقرير لها عن استخدام القوات التى تدعمها أنقرة، الفسفور الأبيض فى سوريا، وهي المادة التى تسبب حروقاً مروعة، ذاكرةً أن تلك المليشيات تستخدم على ما يبدو الذخائر المحملة بالفسفور الأبيض، وهى مادة كيميائية يمكن أن تشوه وتقتل عندما تتلامس مع اللحم البشري، موضحةً أنها إطلعت على صور قدمها لها مصدر من شمال سوريا، وأكدها مسؤول رفيع المستوى بالإدارة الأمريكية، يظهر فيها الأطفال فى بلدة راس العين الحدودية يعانون من حروق كيماوية فى صدورهم ووجوههم تتسق مع الفسفور الأبيض.


تقريرٌ أيدته "منظمة العفو الدولية" التي قالت في الثامن عشر من أكتوبر، في بيان لها: "القوات المسلحة التركية والمجموعات المسلحة التي تدعمها تركيا تجاوزت حدودها لدرجة يخجل منها المرء"، وقالت المنظمة: "المعلومات الواردة في تقرير لها حول الهجمات، تبين أنها لا تميز بين الأماكن السكنية، وتعطي أدلة دامغة". فيما أثارت صور الطفل الكردي محمد حميد (13 عاماً) والذي عانى من حروق شديدة جراء تعرضه لأسلحة تركية حفيظة العالم، واعتبرت دليلاً إضافياً على استخدام تركيا لأسلحة محرمة ضد الأكراد ومكونات قوات سوريا الديمقرطية.


فيما قالت صحيفة التايمز في إحدى افتتاحياتها بالرابع من نوفمبر، بعنوان "لماذا يرفض الغرب التحقيق في اتهامات لتركيا باستخدام الفسفور الأبيض؟"، إنه إذا كان للقانون الدولي أي معنى، فإنه يجب التحقيق في الجرائم الدولية المشتبه فيها دون خوف أو تحيز ودون الأخذ في الاعتبار مَن يُعتقد أنه مسؤول عنها، واستدركت الصحيفة قائلة إنه إذا لم يرد الغرب على استخدام تركيا لمواد محظورة، مثلما ردت على استخدام النظام السوري الأسلحة الكيمياوية على الشعب السوري عام 2013، فإن ذلك سيتسبب في المزيد من الانتهاكات للقانون الدولي، مما قد يؤدي إلى استخدام هذه الأسلحة في نزاعات قادمة دون الخوف من العواقب.


تمثيل بالقتلى..


وفي الثالث والعشرين من أكتوبر، كشفت "وحدات حماية المراة" التابعة لقوات سوريا الديمقراطية عن سجل مقاتلة مثّل مسلحو مليشيات "الجيش الوطني السوري" بجثمانها، في قرية "جلبية" بريف كوباني، في الـ 21 من الشهر ذاته، في فعل ذكر بذات الممارسات في عفرين، عندما تم التمثيل بجثمان مقاتلة كُردية كانت تُدعى "بارين كوباني".


الإساءة للأسرى..


ولم يتوقف رصيد التجاوزات المرتكبة لمسلحي "نبع السلام" عند ذلك الحد، فنشر المرصد السوري لحقوق الإنسان في الرابع والعشرين من أكتوبر، مقطعاً مصوراً أظهر مسلحين موالين لتركيا، يحتجزون مقاتلة من وحدات حماية المرأة وهم يشتمونها ويتوعدونها بالذبح.


إعدام ميداني..


وعقب فقدان الاتصال مع فريق طبي تابع للهلال الأحمر الكُردي، تبين أن مسلحي "الجيش الوطني" قد نفذوا إعداماً ميدانياً لطاقم طبي في منطقة سلوك بريف تل ابيض، مُؤلف من 3 أشخاص، وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان في الخامس والعشرين من أكتوبر، توثيقه لإعدام 3 افراد يشكلون الطاقم الطبي بينهم ممرضتان، وذلك بعد تصفيتهم بإعدام ميداني، حيث أكدت  المصادر الإعلامية أنه جرى رمي جثامينهم في أقنية الصرف الصحي.


تجنيد المتطرفين..


تلك الوقائع وغيرها، يبدو أنها اقنعت جيريمي أندريه الصحفي في جريدة "لوبوان" الفرنسية، لإعداد تقرير أظهر فيه كيف تجنّد تركيا المجموعات المتطرفة لخدمة أجنداتها في الشمال السوري. وتطرق بداية إلى مقتل هفرين خلف التي كانت رمزاً حياً للمرأة الكردية وصاحبة ابتسامة هادئة ونظرة لامعة. ويشير أندريه إلى أنّ من تابعوا عملية "غصن الزيتون" التي اجتاح فيها الأتراك منطقة عفرين سنة 2018، لا تثير الأحداث الأخيرة أي مفاجأة. فليست عملية "نبع السلام" سوى المصراع الثاني للمعركة الأولى وبمشاركة نفس اللاعبين. حيث تستخدم تركيا كي تشن غزواتها في شمال سوريا، ما يصفه الباحث في مركز الأمن الأمريكي الجديد نيكولاس هيراس بأنه "قوة وهمية". إذ يقدم الأتراك مسلحيهم تحت عنوان طنان وهو "الجيش الوطني السوري" المقسم لفصائل، فإنّ هؤلاء بعيدون من أن يكونوا موحدين بل هم تكتل من المجموعات المحلية المتفاوتة التطرف وهي أحياناً على تناقض.


ويضيف التقرير أنه نظرياً، تستقبل هذه المليشيات "ثواراً" سوريين فقط، ويجب عليها ألا تكون منتمية إلى تكتلات الجهاد الدولي كالقاعدة وداعش. لكن عملياً، تم رصد جهادين وغرباء في صفوفها. فيما بقيت جماعة أحرار الشرقية بعيدة من الضوء لفترة طويلة وهي تشكل واحداً من أكثر وكلاء تركيا تطرفاً. بعدما تأسست على يد زعيم ديني داعشي من الموصل، وأعادت ضم إرهابيي النصرة وداعش القدماء. ويتابع التقرير أنه بالتأكيد ليس من الصدفة أنّ تقوم هذه الجماعة تحديداً، وفقاً لصحيفة ذا تيليغراف البريطانية، باستعادة نساء داعشيات كنّ محتجزات في مخيم عين عيسى.


تعطيش الجزيرة..


وفي نهاية أكتوبر، أعلنت "الإدارة الذاتية" أن تركيا تسعى لمنع استكمال أعمال الصيانة في محطة "علوك" لمياه الشرب الواقعة شرق مدينة رأس العين ، في محاولة واضحة لحرمان أكثر من 500 ألف نسمة من سكان مدينة الحسكة وضواحيها من مياه الشرب. واعتبرت في بيان أن هذه الخطوة ستزيد الوضع الإنساني سوءاً في مدينة الحسكة التي تستقبل عدداً كبيراً من النازحين. فيما أبلغت الأمم المتحدة مكتب الشؤون الإنسانية في "الإدارة الذاتية" بأن تركيا تضغط باستمرار من أجل سحب فريق الصيانة من موقع المحطة بحجة أن المنطقة عسكرية.


تكميم الداخل التركي..


ولا يبدو أن الداخل التركي كان أكثر هدوءاً من جبهات القتال، إذ أدانت منظمة العفو الدولية، بداية نوفمبر، مواصلة تركيا انتهاكاتها بحق المعارضين لهجومها على شمال سوريا، واعتبرت في تقرير لها أن السلطات التركية تستخدم العمليات العسكرية في شمال سوريا كذريعة لمواصلة سحق المعارضة وإثارة الخوف، معربة عن قلقها لهذا القمع الممارس، كما أشارت إلى أن السلطات التركية تعمد إلى تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب بشكل تعسفي لإسكات كل نقاش نقدي حول الهجوم العسكري، وقمع الأصوات المعارضة الناشطة في مجال قضايا حقوق الانسان والسياسة المتبعة تجاه الأكراد.، ورأت أن هذا الجو يزيد من مناخ الخوف الموجود بالفعل في جميع أنحاء البلاد.


الأخطر على المدى البعيد..


وعلى الرغم من شدتها، قد لا تعتبر تلك التجاوزات المرتكبة من قبل المسلحين التابعيين لتركيا الأخطر على الإطلاق، كون منطقة شرق الفرات قد  تكون مُقبلة على ما هو أسوأ، وقد يتلخص ذلك السوء في محاولة تركيا تغيير الديموغرافية هناك، ويبدو واضحاً أن المكون الكُردي تحديداً هو الهدف الأساس من كل تلك العملية، كون باقي المكونات والاقليات لا تشكل خطورة استراتيجة للجانب التركي.


ويمكن الاستنتاج أن الجهود التركية لن تتوقف قبل إنهاك العنصر الكردي، وتفكيك الإدارة الذاتية وحل قوات سوريا الديمقراطية، وهي أهداف يتشاركها الأتراك مع النظام السوري، الذي نعت صراحة قوات سوريا الديمقراطية بمليشيات قسد "المُنحلة"، في إشارة ضمنية لمساعيها ونطرته المستقبلية لإسلوب التعامل معها.


لكن على الأغلب، لو نجحت تركيا بتحقيق أهدافها في شرق الفرات، سينسى المتابعون تلعثم المتحدث باسم أردوغان، فيما سيبقى سكان شرق الفرات يتذكرون أرضاً كانوا يملكونها، كما يتذكر سكان عفرين زيتوناً كانوا يملكونه يوماً، ولم يعد!  


ليفانت-خاص


إعداد ومتابعة: أحمد قطمة

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!