-
انتهاء الهجوم الميداني لعناصر داعش في الحسكة
مضى الهجوم الميداني لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" على سجن غويران في الحسكة، ليحلّ محله هجوم إعلامي وسياسي حول المستفيد والمخطط الخفي للعملية، في ظل الإنكار المستمرّ لوجود التنظيم واقعياً وخروجه عن دائرة التصنيع المخابراتي، رغم اختراق الأخير للتنظيم.
من حركة التوحيد والجهاد إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام، خطى التنظيم المتحوّر خطوات سريعة ومتّئدة في صعوده وتربعه على عرش الجهاد العالمي، مستفيداً من الغزو الأمريكي للعراق بدايةً لوضع الخطوات الأولى في بلاد الرافدين، ومن الخطى التكتيكية لدول الجوار العراقي الراغبة في رفع أثمان الغزو لتحصين نفسها من المصير ذاته، ولاحقاً من ممارسات الساسة العراقيين في الحكم.
عزّزت الطبقة السياسية العراقية تأكيد الهوية التي تبنّاها التنظيم (الهوية السنية) من خلال ممارساتها الطائفية، ما منح التنظيم خزان الإمداد البشري والمالي/ اللوجستي، والتي لم يحلم التنظيم بالوصول لهما لولا ممارسات الساسة العراقيين، إذ وصل عديده قرابة 22000 عنصر عام 2006-2007، تضاءل لقرابة الألفي عنصر عام 2010 بعد محاربته من قبل ما سمي بـ"الصحوات". ومع انطلاق الثورة السورية وخروج مناطق عدة عن سيطرة النظام الأسدي، انتعش التنظيم وعادت له فرصة الحياة مجدداً، فدخل الساحة السورية تحت مظلة النصرة لأهل الشام، ورفد العفو الذي أصدره رأس النظام السوري خريف 2011 وربيع 2012، التنظيم وأشباهه من التنظيمات "الجهادية" بالعديد من القادة التي شكلوا فيما بعد فصائل محسوبة على الثورة، إلا أنها تدور في فلك "الجهاد العالمي والمحلي" على الأرض السورية، وجاء العفو الأسدي ضمن مساعي النظام الأسدي بإلصاق التطرف والطائفية بالثورة السورية لقطف ثمارها، وتم له ذلك عام 2015، مع تشكيل التحالف الدولي لمحاربة داعش وتحول الاهتمام الدولي من دعم الثورة إلى محاربة التطرّف، لا سيما مع امتناع العديد من الفصائل المحسوبة على الثورة في التأطر كقوات رديفة على الأرض للتحالف المذكور، فيما انخرطت قوات حماية الشعب الكردية ضمنه ونالها ما نالها من عطائه، إضافة لتصنيفها كحليف موثوق لدى واشنطن.
سقطت "الخلافة المزعومة" في الباغوز، إلا أنّ التنظيم لم ولن يسقط، في ظلّ الإنكار المستمر لحقيقة ولادته بيننا ومصاهرات جمعتنا بأشخاصه دون أن نعلم عنهم سوى ألقابهم، بالإضافة للجذر الأساسي لظهور التنظيم القائم على تيار ديني يسعى للي عنق النصوص وراء مكاسب سياسية أو دنيوية/سلطوية في منطقة شلّتها المظلومية الطائفية من حكم أقلوي أو حكم طائفي في دول لم تبلغ فيها الهوية الوطنية حد التصلب. ومنذ سقوط "الخلافة المزعومة" عام 2019، حتى الآن، ما يزال التنظيم ينحى المنحى التصاعدي لعملياتيه في البادية السورية، دون النظر لها كمؤشر لعودة التنظيم بعد انتكاسته، فيما أشارت تصريحات غربية، ومنها وزيرة الدفاع الفرنسي، إلى عودة مرجحة للتنظيم، وهي تصريحات قد يستخدمها أنصار المؤامرة لتعزيز رؤيتهم بدل قراءتها في سياقها الطبيعي لقراءة المعطيات والنتائج.
في عملية يمكن وصفها بالنوعية، قام التنظيم بالهجوم على سجن الصناعة في حي غويران بمدينة الحسكة، من خلال مجموعة من عناصره، وبعد عملية تخطيط صاحبها اختراق أمني لقوات "قسد"، والتي يقع السجن والمنطقة تحت سلطتها، واستمرّت المعركة عدة أيام، استطاعت قوات "قسد" بالتعاون مع قوات التحالف الدولي من كسبها وإعادة السيطرة على السجن، دون معلومات دقيقة عمن فرّ من الآلاف الخمسة لعناصر داعش المتواجدين فيه، فيما تشير بعض الأخبار عن تهريب 800 عنصر خلال العملية، إلا أن المثير في الأمر قبل صمت الرصاص، أزيز الآراء والأقلام بتحميل هذا الطرف أو ذاك مسؤولية الحدث، في حياكة لفسيفساء المؤامرة في منطقة متخمة بأحاديث المؤامرة تبرّؤاً لذاتها أو تسطيحاً لمشاكلها.
لا يغيب عن نظر الناظر ما مثّلته أحداث غويران من فشل أمني لدى قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، غير أن الفشل والاختراق والقصور موجودة لدى الدول، فحتى الولايات المتحدة الأمريكية كان بأدراج أحد المسؤولين الأمنيين فيها ما يشير لقيام القاعدة باستهدافهم، في أيلول/ سبتمبر عام 2001، كما ورد بكتاب البروج المشيدة، دون القيام بأي فعل لمنعه، ضمن مسار الصراعات الموجودة في مجتمع الاستخبارات الأمريكية، وما يفرضه من عدم تنازل البعض للبعض في الصلاحيات أو التزويد وإتمام بالمعلومات. وهو ما تعانيه "قسد" في ظل الانقسام البيني لجناحي قنديل وسوريا في صفوفها. إن الفشل الأكبر الذي مُنيت به قوات "قسد" لا يتأتى من الاختراق الأمني بقدر ما يتأتى من عجزها عن استيعاب المكونات القومية والإثنية للمجتمع المحلي، وهو ما يجعلها قوة غير مستقرة، وخاضعة للعديد من الهزّات والاختراقات بحكم صراعاتها البينية وعدم استيعابها لمحيطها الديمغرافي.
تتقاذف أطراف حكومية وغير حكومية الاتهامات المتبادلة فيما بينها بالوقوف خلف العملية، يضمها البعض للامتياز الإيراني، ويحيلها الآخر إلى جهود النظام وروسيا لغايات لا تخفى على أحد، وتلقي "قسد" بها على عدوها التاريخي، فيما ترجح أنقرة إفادة "قسد" من العملية، ولو وقفنا وراء التهم المتبادلة لكان لها جميعها من الحجج ما يؤيدها، ولكن لا تسعنا ظروف الحال والمقال لتفنيدها ونقضها، ولكن ما يجب ذكره هو ما تناساه الجميع أو أنكروه من استقلالية "داعش" ومهارته في التلاعب على تناقض المصالح الفئوية والدولية في منطقة ترقد على براميل من بارود الشحن الطائفي والمصالح الضيقة والمتصادمة مع الآخرين جميعاً، ما كرّس لديها نظرية التحالف مع الشيطان كأحد الأدوات السياسية لدول الإقليم والدول القادمة إليه. وهو متنفس "داعش" وهامش الحرية والنشاط لعملياتها وصعودها، بما أتقنه في هذا المضمار منذ النشأة الأولى وفرض آراء الزرقاوي على بن لادن نتيجة إدراك الأول لحسابات المصالح وأثرها.
يمكن أن تستفيد عدة جهات من عملية اقتحام سجن غويران، إلا أنّ ذلك لا يعني أنها وراءه، فلا حاجة لقوات قسد بتمثيلية تُظهر نفسها فيها كطرف مخترق حتى تستجر الدعم المتوفر أصلاً، ولا عودة عن حكومة عراقية خارجة ولو قليلاً عن العباءة الإيرانية مهما افتعلت طهران، إضافة لأن الفائدة الأمريكية تضاهي الإفادة الإيرانية، من خلال العودة لمهامها العسكرية في العراق قلب مهمة قواتها مرغمة للصفة الاستشارية، وهو ما شهدته أحداث 2014 من فصائل رفعت شعار إخراج أمريكا من العراق سارعت بطلب مساعدتها لقتال "داعش"، لذا فبدلاً من السياسة النعامية بالتعامي عن المشاكل وتسطيحها، يجب علينا الغوص في آلية مكافحة التنظيم الذي لن يستثني أحداً في حال عودته، مع التوجه لمعالجة أسباب ظهوره وبقائه، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي، من خلال حل القضية السياسية في العراق وسوريا.
ليفانت - عمار جلو
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!