الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
انتخاب أردوغان في دمشق
عبد السلام حاج بكري

يدرك حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أن نظام بشار الأسد لا يملك من أمر سوريا شيئاً، وأنه إذا ما أراد أمراً من هذا البلد فيمكنه التحدّث إلى روسيا، وهي ستتولى فرض ما يتمّ الاتفاق عليه، لكنه يحتاج دفعاً إعلامياً وسياسياً يدعم حظوظه بالاستمرار في حكم تركيا والفوز في الانتخابات الرئاسية الوشيكة، وهذا يتأتّى عبر فتح طريق دمشق والحوار مع النظام ومناقشة موضوع إعادة اللاجئين إلى سوريا. 

ودأبت المعارضة التركية على استثمار ورقة اللاجئين في استمالة الناخب التركي، وأثمرت تقدّماً واضحاً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، برزت تجلياته بالفوز برئاسة أهم بلديتين في تركيا، إسطنبول وأنقرة، ويحاول الحزب الحاكم سحب هذه الورقة من يد المعارضة لاستعادة زخم تأييده وزيادة وناخبيه، لا سيما أن الأتراك عموماً باتوا يضيقون ذرعاً من ارتفاع أعداد اللاجئين السوريين.

سلكت أنقرة طريق موسكو لفتح دمشق لعبور الانتخابات الرئاسية، وهو الطريق المتوقع نظراً لانحسار دور النظام السوري في سوريا لصالح روسيا أولاً وإيران ثانياً، ولا شك أن النظام سيرضخ لما تمليه عليه روسيا وفق ما تتفق عليه مع تركيا، وهكذا جاء لقاء وزراء دفاع الدول الثلاثة في موسكو ومخرجاته التي بصم عليها النظام السوري، وهو سعيد بها مهما كانت مجحفة، لأنها تفتح له طاقة في الجدران المغلقة التي تغلّفه، على أمل أن تلحق بها طاقات أخرى.

اتفاق تركيا وروسيا على الخطوات والإجراءات في سوريا ليست استيراتيجياً بل تكتيكياً، تحتاجه الدولتان لعبور أزمات مرحلية تعيشانها، ووجدتا في سوريا المكان المناسب، ولن يكون غريباً أنه اشتمل على بنود تتصل بمناطق أخرى مثل أوكرانيا وليبيا، وقد يليه اتفاقات في الفترة القريبة القادمة يرعاها مسؤولون دبلوماسيون، وربما رؤساء هذه الدول. 

وبما أن لا إعلان واضح عمّا اتفقت عليه روسيا مع تركيا وأملته على نظام الأسد، إلا أن ما خرج يوحي بأن تركيا حققت مكسباً اقتصادياً مع الحديث عن إعادة فتح الطريق الدولي البرّي من تركيا إلى الأردن ومنه إلى الخليج، الذي خسرته منذ عام 2012، وهو منفذ في غاية الأهمية لها باعتباره أسهل وأسرع طرق الترانزيت البرّي التي تصلها بالخليج.

لا يخفى على روسيا مدى حاجة أردوغان لاستعادة العلاقة مع بشار خدمة لانتخاباته الرئاسية القادمة، ولا شك أنها سعت لتحقيق الاستفادة القصوى من وساطتها ظاهرياً مع الأسد ليقبل محاورة تركيا، وسيكون لها على الأرض السورية مطالب عدة من تركيا، وليس أقلّها إلغاء العملية العسكرية شمال سوريا.

تدرك القيادات الكردية في سوريا ذلك، ولم تعد تخشى اجتياحاً تركيا لمناطقها، لكنها باتت تتوجّس تنسيقاً بعيد المدى بين تركيا ونظام الأسد يزيد ضغط فكّي الكماشة عليها، لا سيما أن روسيا لديها من الأزمات ما يجعلها تنشغل عن ضبط الأسد ومتابعة تنفيذ اتفاقاتها مع أنقرة، في الوقت الذي لا يطمئن فيه الكرد لاستمرار الدعم الأمريكي، وفي ظل عدم رغية أمريكا إغضاب تركيا من أجل كرد سوريا.

لقد باتت إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم حاجة تركية حقيقية لكل الأحزاب التركية المتنافسة، وصارت مطلباً شعبياً للأتراك عموماً، وسيتزايد عدد العائدين "طواعية" إلى سوريا بشكل كبير في الشهور القادمة، لكن إعادة معظمهم ما تزال بعيدة لأن ذلك يتطلب ضمانات كبيرة لأمنهم وحياتهم لا يمكن للأسد أن يوفرها، وهي تتطلب انسحابه من مناطق واسعة من أرياف حماة وإدلب واللاذقية، وهذا ما يستبعد موافقة روسيا عليه قبل التوصل إلى حل للقضية السورية.

خلال الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في تركيا، سيعمل حزب العدالة والتنمية على رفع سوية الترويج الإعلامي للخطوات التي سيمشيها باتجاه نظام الأسد، غير آبه بردود الأفعال، لا سيما تلك التي تشير إلى انهيار المنظومة الكلامية لحزب العدالة والتنمية التي كانت تروّج لفتح دمشق، وتوّجها أردوغان بوعده إقامة الصلاة في المسجد الأموي.

 

ليفانت - عبد السلام حاج بكري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!