الوضع المظلم
الأربعاء ٢٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
اليد التركية تتسلل إلى النمسا.. وفيينا تسعى إلى قطعها
تركيا


من الواضح والجلي أنّ العقد الأخير كان بالنسبة إلى تركيا مختلفاً بشكل كبير عما سبقه، فهو بالنسبة إلى من يتحكم بالقرار فيها يعتبر “ذهبياً”، لكونها تمكّنت وفقاً لمنظورها من التوسّع والتمدّد وزرع الأدوات الخادمة لمشروعها العثماني الجديد، في بلاد عديدة مجاورة كـ”سوريا والعراق”، واليوم تضاف إليهم أرمينيا، حيث تتخذ من الهجوم الأذربيجاني منطلقاً للتمدّد هناك، ولربما ما كان ليتم الهجوم الأذري لولا التحريض التركي وتشجيع باكو على ذلك، من خلال آلاف المرتزقة السوريين المنتسبين لمليشيات “الجيش الوطني السوري”. النمسا


لكن على المنقلب الآخر، تبدو الصورة معاكسة تماماً، فالتمدّد التركي الذي تراه أنقرة عودة “مُحقة” لأرض كان يستعمرها أجدادهم، هي في منظور غالبية شعوب المنطقة، لا تحمل من مسمى آخر سوى “الاحتلال”، خاصة وأنّ هذا الوصف جاء وهو يستند إلى معطيات واقعية، فالاحتلال عملياً يستوجب وجود قوة عسكرية تغتصب الأرض على جماجم وجثث أهالي المنطقة الأصليين، ولعل المثال الأهم الذي يمكن الإشارة إليه هنا، منطقة “عفرين” ذات الغالبية الكردية في شمال غرب سوريا، والتي تم سلبها من أهلها في العام 2018، وتهجيرهم منها بحجة حماية “الأمن القومي التركي”، كما أضيفت إليها فيما بعد مدن “رأس العين” و”تل أبيض”، شمال شرق سوريا.


في النمسا.. عملاء للمخابرات التركية


ولعل المؤرق، أنّ مساعي تركيا التوسعية والاستخبارية، لا تقف عند حدود منطقة معينة، فهي تتنقل من مكان لآخر، وتصل لقلب القارة الأوروبية، حيث أقرّ عميل للمخابرات التركي، يدعى “فياز أو”، في الرابع والعشرين من سبتمبر الجاري، بتلقّيه تعليمات من المخابرات التركية باغتيال سياسية نمساوية من أصول كردية، تدعى “بيريفان أصلان”، منوّهاً إلى أنّه راقب السياسية المنتمية لحزب الخضر، في غضون شهر آب الماضي، لقتلها، كما أفصح العميل التركي، الذي يحمل الجنسية الإيطالية، أنّه قام بحجز فندقي في ذات الفندق، كان من المزمع أن تقيم فيه السياسية النمساوية، حيث خطط لاغتيالها هناك، منوّهاً إلى أنّه لا يعلم السبب وراء تنفيذ عملية الاغتيال تلك، ولكنه أُمر بخلق حالة فوضى.


 


كما كشفت السلطات النمساوية أنّ العميل سلّم نفسه للمخابرات النمساوية وطلب منها توفير الحماية له، على اعتبار أنّ حياته ستكون مهددة نتيجة اعترافاته، مردفاً: “قالوا لي قم باغتيال بيريفان أصلان”، فيما عرض موقع إخباري نمساوي قائمة من الأسماء السياسية النمساوية، التي تستهدفها المخابرات التركية، من ضمنها السياسية “أصلان” وعضو البرلمان الأوروبي “أندرياس شيدر”، ولفتت مصادر نمساوية إلى أنّ اعتقال العميل التركي فضح وجود شبكة من المخابرات التركية، تسعى لإثارة نزعات قومية بين الأتراك والأكراد المقيمين على الأراضي النمساوية.


أنقرة تدعم عنف جاليتها في فيينا


فيما كان العامل الأبرز الذي ساهم في كشف قضية وجود الاستخبارات التركية في النمسا، اندلاع مواجهات بين محتجين أكراد وشبان من الجالية التركية المحلية في فيينا، في نهاية يونيو الماضي، عندما تحوّلت مساعي الشرطة للفصل بين الجانبين، إلى وقوع مُواجهات بين قوات الأمن والشبان الأتراك، ما أثار شجباً واضحاً من قبل حكومة النمسا، حيث قال رئيس الوزراء، سيباستيان كورتز، “لن نسمح بنقل النزاعات من تركيا إلى النمسا وإشعالها في شوارعنا”.


وعليه، عمدت وزارة الخارجية النمساوية، في السابع والعشرين من يونيو الماضي، إلى استدعاء السفير التركي لدى فيينا، أوزان جيخون، وذكرت الخارجية النمساوية أنّها “دعت” السفير التركي إلى الوزارة، بغية الحديث حول الاضطرابات التي شهدتها فيينا، والتي وقعت يوم 24 يونيو، بين مشاركين في مظاهرة كردية لحماية حقوق النساء، وشبان أتراك كانوا يصرخون بشعارات قومية، وحاولوا إحباط المسيرة.


 


استدعاء دفع وزارة الخارجية التركية لاستهجان ما أسمته بـ”طريقة تعامل النمسا مع احتجاجات جماعات كردية” في فيينا، حيث زعمت الوزارة أنّها مرتبطة بمقاتلي “حزب العمال الكردستاني”، وهو الاتهام الدائم الذي تطلقه على كل حراك كُردي يُطالب بحقوق الكُرد في تركيا، وأتى في بيان الوزارة التركية: “سيُستدعى سفير النمسا في أنقرة لوزارتنا ويتم إبلاغه بقلقنا إزاء احتجاجات استمرت أربعة أيام، واستخدام قوات الأمن النمساوية القوة ضد الشباب الأتراك”، وهو ما يعتبر تأييداً علنياً من الجانب التركي للعنف الممارس من جانب الجالية التركية، وبل تشجيعاً لهم على المزيد من الغوص في الدماء، وإن على بعد آلاف الكيلو مترات من المنطقة التي يتنازعون عليها.


الكشف الأولي عن شبكات التجسّس التركية


لتفتح من بعدها الأجهزة النمساوية المعنية “عيونها” أكثر على تحركات الجالية التركية في البلاد، وهو ما تمخض عنه الكشف عن تجسس بعضهم فعلاً لصالح أنقرة، حيث صرّح وزير الداخلية النمساوي، كارل نيهامر، في الأول من سبتمبر الجاري، بالقول إنّ بلاده ستوجه اتهامات لشخص أقرّ بالتجسس لصالح المخابرات التركية، وإنّ السلطات تبحث في المزيد من أنشطة التجسس المشتبه فيها.


وأردف نيهامر خلال مؤتمر صحفي: “الأمر يتعلق بممارسة نفوذ قوة أجنبية داخل النمسا، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق”، منبّهاً أنقرة من أنّه لا يمكن التغاضي عن ذلك، ومشيراً أنّ أحد الأشخاص قدم إقراراً شاملاً بأنّ “المخابرات التركية جنّدته للتجسس على مواطنين أتراك آخرين أو نمساويين من أصول تركية وإبلاغ السلطات الأمنية التركية عنهم”، ولفت أنّ السلطات القضائية ستوجه له اتهامات بناء على شبهة تورّطه بالتجسّس.


وأكمل الوزير، أنّ النمسا رأت أنّ أكثر من 30 نمساوياً اعتقلوا في تركيا بين 2018 و2020 عقب دخولهم البلاد، وهناك أدلة على أنّ المخابرات التركية سعت لتجنيدهم، ونوّه إلى أنّ “التجسس التركي لا مكان له في النمسا، لا مكان للنفوذ التركي على الحريات والحقوق الأساسية في النمسا، سنحارب بضراوة من أجل ذلك”.


 


وإن كانت حجّة “الأمن القومي” التي استخدمتها أنقرة لتبرير حملاتها العسكرية أو تدخلاتها في شمال سوريا، قد انطلت على البعض، فإنّ الواقع يقول بأنّ تلك الذريعة قد فقدت “رونقها”، لا بل أضحت “سمجة للغاية”، خاصة عندما وصل البل التركي إلى الذقن الليبي، ولم يكفّ عند ذلك الحدّ، ليتوسع لتهديد مصر، والإساءة للإمارات، ومحاولة ابتزاز السعودية، والسعي للاستيلاء على السودان والصومال، وإيجاد موطئ قدم في اليمن، وسلب مياه قبرص وجزر اليونان وشتم فرنسا.


ومع محاولات أنقرة نقل صراعها العنصري ضد باقي شعوب الشرق إلى قلب البلاد الأوروبية، التي تجد الاختلاف طبيعياً، وسمة من سمات الحياة وأساسياتها، نجحت تركيا في تحويل نفسها إلى محور لحديث معظم شعوب المنطقة، لكن بالسؤال عن “متى نتخلّص من (الأرق التركي).. وكيف”؟


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة 








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!