الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
المجلس العسكري: حكمة الممكن وضرورة الواقع
إياد إبراهيم

يروي حمود الشوفي، الذي كان يوماً الأمين العام لحزب البعث، وسفير سوريا لدى الأمم المتحدة، ما ذكره له حافظ الأسد، في جلسة خاصة عام 1970، إذ قال له حينها: إنّ الناس لهم مطالب اقتصادية في الدرجة الأولى، يتطلعون إلى الحصول عليها، مثل: قطعة من الأرض، أو بيت، أو سيارة، أو ما شابه، وأنّه يستطيع تلبية تلك المطالب، بشكل أو بآخر، وأضاف: هناك -فقط - مئة شخص أو مئتان على الأكثر ممن يعملون جدياً بالسياسة، أو يتخذون منها مهنة لهم، وهؤلاء سيكونون ضده مهما فعل. وخلُص إلى أنّ سجن المزة -أصلاً- مبني من أجل هؤلاء. من هنا، لا يجانب الصواب من يقول إنّه لا يوجد ساسة في سوريا خارج إطار السلطة الحاكمة. المجلس العسكري


الآن، وبعد مرور ما يقارب العشر سنوات على انطلاق الثورة السورية، يواجه صانعو السياسة والمسؤولون عن حماية مصالح الشعب السوري وتعزيزها بيئة استراتيجية دولية وإقليمية أشد خطورة، وأكثر غموضاً وتعقيداً وإثارة للهواجس مما كان متوقعاً عندما أطلق السوريون ثورتهم. في مثل هذه الحالة تحتاج الشعوب إلى إجراء نقاش جاد للتوصل إلى سياسة واستراتيجية ناجحتين، والنقاش لكي ينجح بدوره، يحتاج أن يكون أولئك الذين تبوؤوا مواقع المسؤولية ومن يدعمهم، ووسائل الإعلام التي تراقب، والرأي العام الواعي، جميعهم مستعدّون للمشاركة، ولعلّ الأهم في مثل هذا الاستعداد هو تعلّم كيف نفكر وكيف نصوغ سياسة فعالة استراتيجية ناجحة، والتعلم عملية معقدة لأنّه لا توجد نظرية بهذا الخصوص تقدّم مفاهيم ومفردات مشتركة للنقاشات الفكرية البناءة والمشروعة.


رغم طول التجربة ومرارتها، ما زال التصحر السياسي الذي فرضه حكم البعث يفعل فعله، وما زالت النخب السورية في غالبيتها غير مؤهلة للتفكير العقلاني والانخراط في جدل بناء مبني على المعرفة لتحديد أفضل السبل لتحقيق الممكن. وتجلّى ذلك بكل وضوح من خلال التعاطي مع فكرة "المجلس العسكري" التي طرحت كصيغة بديلة لجسم الحكم الانتقالي الواردة في وثيقة "جنيف"، التي لم ترَ النور بعد سنوات، ولا يوجد مؤشر على أنّها ستراه، ومن دونها لا يمكن أن تكون هناك مرحلة انتقالية، وبالتالي لا يمكن تنفيذ القرار "2254"، الذي يضمن تطبيقه صيغة حل سياسي ينهي الصراع ويضع سوريا على سكة التعافي.


يقول المثل الإنكليزي: "كل إنسان قبطان في البحر الساكن". ولكن هل يعقل أنّ بعض السوريين ما يزالون يرون حتى اليوم أنّ سفينتنا تطفو على سطح بحر ساكن؟ وهل يعقل أن يرتفع سقف المطالب لدى البعض لدرجة تشعر معها أنّ الثوار يحاصرون القصر الجمهوري؟ وهل يعقل أن يتم تناول هذه الفكرة وكأنّها نوع من المناكفات والكيدية؟. المجلس العسكري


لم يخطئ من قال: "السياسة فن الممكن، ولكن الذين يستطيعون تمييز الممكن قليلون". وأغلب الظن أنّ صاحب فكرة المجلس العسكري برئاسة العميد مناف طلاس أحد القلة الذين يستطيعون تمييز الممكن، فالحالة التي وصلت إليها البلاد تحتاج إلى مرحلة انتقالية يقودها العسكر، ولا يستطيع إنكار ذلك سوى حالم أو مزاود. أما طرح اسم العميد مناف طلاس كرئيس للمجلس العسكري لا يخلو هو الآخر من الحكمة والدراية، فالعميد مناف طلاس قد يكون الشخصية الوحيدة التي تمتلك مزيداً من الحظ لأن تكون مقبولة من جميع الأطراف كشخصية توافقية، بالإضافة إلى كونه الشخص الأكثر خبرة وتأهيلاً لممارسة هكذا مهمة.


أغلب الظن أنّ فكرة المجلس العسكري هي أفضل ما تم طرحه حتى الآن لتحريك المياه الراكدة، ورفض الفكرة حق طبيعي شرط أن يكون مبنياً على أسس منطقية، مع ضرورة تقديم أكثر عقلانية وأكثر تماسكاً، والأهم أن تكون ممكنة. المجلس العسكري



إياد إبراهيم


ليفانت - إياد إبراهيم ليفانت 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!