الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • المتطرّفون ينشطون باسم الجالية المُسلمة في أوروبا.. ويصعّدون التحريض

المتطرّفون ينشطون باسم الجالية المُسلمة في أوروبا.. ويصعّدون التحريض
الجالية المُسلمة

مع مرور الوقت، تتيقن الدول الأوروبية من مخاطر تشكيلات الإسلام السياسي على حاضر ومستقبل مجتمعاتها، خاصة عقب توافد مئات آلاف اللاجئين إلى دولهم، والذين ينحدر غالبيتهم من أصول مسلمة، وفرّوا بالأساس من دول تعيش صراعات إما دينية-طائفية، وإما إثنية-عرقية، وهو ما يثقل كاهل الغرب بالمزيد من الصعوبات، بالذات إذا ما علمنا أنّ التنظيمات المتطرّفة، كتنظيم الإخوان المسلمين، قد تجد في القادمين الجدد، كالفاتحين لها، إسوة بتصوير الرئيس التركي تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، على أنّه انتصار عظيم وحدث جلل، ينبغي للأمة التي تنقاد وراءه بسبب ذلك. 


تحذيرات متواترة في الغرب


وفي السياق، تتصدّر الأنباء، بين الفينة والأخرى، تقارير ودراسات استخبارية، تحذّر من مخاطر تلك التشكيلات المستترة بالدين، والساعية في حقيقة الأمر إلى السلطة والمال، ولو على أنقاض بقايا الدول والأمم والشعوب، حيث نبّه تقرير برلماني فرنسي، في العاشر من يوليو الجاري، من أنّ الفترة الأخيرة، قد شهدت تصاعد الحركات السلفية والإخوانية في البلد الأوروبي، مطالباً الدولة بالتحرك لأجل مواجهة التطرّف.


تنبيهٌ لا بد من مواجهة عواقبه، حيث عمد التقرير الصادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي، إلى التوصية بتطبيق نحو 40 إجراء لأجل “مواجهة التشدد”، لأنّ الأمر قد يضحى أكثر تهديداً، مقترحاً سلوك جملة من الإجراءات؛ ومن ضمنها منع التحريض والخطابات الانفصالية، بجانب مُراقبة المدارس والجمعيات، فيما أشارت تلك التوصيات إلى أنّه يتوجّب على كل جمعية تريد الاستفادة من دعم الدولة، أن تمضي على ميثاق تتعهد فيه باحترام “قيم الجمهورية الفرنسية”، موصياً بوضع قاعدة بيانات للتلاميذ الذين يتابعون الدراسة من بيوتهم، وفق ما نقلت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.


 


وحذّرت الوثيقة إلى خطورة الحركات المتشددة التي تزعم أنّها غير عنيفة؛ لاسيما السلفية وجماعة الإخوان، إذ تبغي السيطرة على الإسلام في فرنسا، من أجل إنشاء “خلافة مزعومة”، وفق التقرير، وهي النظرية التي تدعمها دول تمول التنظيم وترفده بالملجأ الآمن والسلاح والذخيرة وموطئ القدم، كما هو الحال مع تركيا وقطر. 


وجاء في التقرير أنّ تلك الحركات المتشددة، في إشارة إلى جماعة الإخوان والسلفيين، يتسللون إلى مختلف مظاهر الحياة ويسعون لفرض معايير اجتماعية جديدة، حيث أشارت جاكلين أوستاش برينيو، وهي عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، وكاتبة التقرير، أنّ الأمر يرتبط بقضية مجتمع، مبينةً أنّ الهدف هو التحذير من مشكلة، لأنّ كافة مناطق فرنسا معنية بالأمر، وأردفت خلال مقابلة صحفية، أنّ مجموع هؤلاء الأشخاص المتشددين والمنتمين إلى ما يعرف بـ”الإسلام السياسي” ليس كبيراً جداً، بيد أنّ هؤلاء المتشددين لهم تأثير واسع، وفي حال لم تتم مواجهتهم سيكثر عددهم.


وشهدت فرنسا عدداً من الهجمات الإرهابية عقب العام 2015، وسافر كثيرون من البلد الأوروبي إلى بؤر متوترة في الشرق الأوسط، بغية الالتحاق بتنظيم داعش المتطرف وتنظيمات أخرى، وتم القيام بعدد من الهجمات الإرهابية في فرنسا، من قبل أشخاص سبق أن تم وضعهم تحت المراقبة، أو أنهم معروفون بمواقف متشددة، إلا أنّهم لم يتعرّضوا للاعتقال، نتيجة غياب الأدلة الكافية أو لأجل مراعاة منظومة حقوق الإنسان، فيما يشتد النقاش في فرنسا حول ما إذا كانت الدولة متراخية مع رموز الخطاب المتطرف، الذين ينشطون باسم خدمة الجالية المسلمة، لكنهم يتحولون إلى “أصوات للتحريض”. 


في ألمانيا.. واقع مشابه


ولا يقتصر الأمر على فرنسا، من حيث مخاطر منتسبي جماعات الإسلام السياسي، رغم أنّها قد تكون الأولى على قائمة الاستهداف، نظراً للعلاقة المتوتر مع أنقرة، بالأخصّ عقب المواجهة الصريحة بين المسؤولين الأتراك والفرنسيين، مع مواصلة تركيا إرسال السلاح والمرتزقة إلى ليبيا، فخلال العامين الماضيين نجحت الشرطة الألمانية في إحباط العديد من الهجمات الإرهابية، لكن ذلك لم ينهِ تهديد التنظيمات المتطرفة في ألمانيا، بل بات مرتفعاً خاصة خطر جماعة الإخوان، إذ حذّر توماس هالدنوانغ، رئيس مكتب حماية الدستور، “الاستخبارات الداخلية”، في الحادي عشر من يوليو، من الاستهانة بالخطر الذي يشكله المتطرفون، لافتاً إلى أنّ خطر الإرهاب ما يزال مرتفعاً في البلاد.


ونقلت القناة الأولى بالتلفزيون الألماني، “أيه إر دي”، عن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (قيادة الشرطة الألمانية)، قوله إنّ “أعداد عناصر الإخوان المسلمين تزايدت بشكل كبير في ألمانيا”، وتابع بالإشارة إلى أنّه وبشكل عام، تزايد عدد المنتمين لكل جماعات الإسلام المتطرف في ألمانيا بنسبة 5.5٪”، أما فيما يتعلق بالإخوان فقط، فقد ارتفع عدد منتسبيهم في ألمانيا من 1040، خلال عامي 2017 و2018 إلى 1350، في الوقت الحالي.


 


ووفق المكتب، فإنّ الدعم الخارجي للتنظيمات المتطرّفة تراجع في 2019، لكنها نجحت في الحفاظ على هياكلها وأنشطتها، ولم تتأثر، وذكر تقرير هيئة حماية الدستور، الذي صدر قبل أيام، أنّ التنظيمات الإرهابية تستخدم الإنترنت بشكل متزايد في الفترة الراهنة، لنشر الدعاية وتجنيد الأتباع والمقاتلين، والأخطر في هذا الإطار، هو انخراط النساء في هذه الأنشطة، فعلى سبيل المثال، تكوّن السيدات شبكات خاصة لجمع الأموال، في ألمانيا، لصالح تنظيم “داعش”، وفق التقرير ذاته.


وقال الباحث في شؤون التنظيمات المتطرفة، راينهارد شولز، أنّ صورة المرأة وأدوارها في التنظيمات الإرهابية تغيرت، ولم تعد مسؤولة عن أمور المنزل فقط، بل تنخرط في الدعم اللوجستي والتجنيد، ونتيجة لنشاط نساء التنظيمات الإرهابية، وخاصة “داعش”، في التجنيد والدعاية على الإنترنت، طالبت السياسية في حزب الخضر، إيرين مياليتش، السلطات بفحص الشبكات الإرهابية على الشبكة العنكبوتية.


ووفق تقرير هيئة حماية الدستور، ساهم الهجوم التركي على شمال سوريا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في إطلاق سراح العديد من مقاتلي داعش، الذين كانوا محتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية، وأدى التدخل التركي إلى عودة عدد من المقاتلين والمقاتلات الألمان في صفوف داعش إلى ألمانيا، فيما رحلت أنقرة نفسها 9 نساء ألمان من عناصر التنظيم إلى برلين، ويمثل هؤلاء المتطرفون والمتطرفات العائدين إلى ألمانيا، خطراً أمنياً كبيراً على البلاد، وفق القناة الأولى بالتلفزيون الألماني.


 


وذكر هالدنوانغ، أنّ هيئة حماية الدستور تسعى لتوظيف المزيد من الأشخاص، للعمل في مجال رصد أنشطة التنظيمات الإرهابية على الإنترنت، ولفت إلى أنّ المشهد المتطرّف أصبح أكثر نشاطاً في برلين، فيما قالت القناة الأولى بالتلفزيون الألماني، أنّ تهديد التنظيمات الإرهابية يتطلب يقظة وعملاً كبيرين من السلطات الأمنية.


ولكن، حتى لو تمكنت دول أوروبية، كفرنسا وألمانيا، من تنبه مخاطر التنظيمات المتطرفة، كالإخوان وداعش وغيرها، يبقى أن تلك المجاميع المستترة بالدين، قادرة على الحركة بحرية في بلاد أخرى، وهو ما يعني أنّ مخاطر التطرّف والتشدّد ستظلّ قائمة، إلى أن يتم تصنيف تلك الجماعات على أنّها إرهابية بشكل دولي، وبشكل خاص، من قوى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، حيث لا تقتصر محاربة هؤلاء على الواقع الافتراضي، ما داموا قادرين على استغلال ظروف الواقع المعاش، وتوريط المزيد من البسطاء ضمن شباك أجنداتهم العابرة للحدود والقيم والقوانين.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!