الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الماغوط.. بساطة اللغة و
محمد الماغوط

بالرغم من بساطة اللغة، لن تبقى على شاطئها، وإن كنت غير محترف سباحة، ستغرق بالتأكيد خلال الغوص أكثر في بعض عوالم محمد الماغوط الشعري وأفكاره، وليس كلها، ستتلاطمك الأمواج، موجة ثائرة هنا، وأخرى ساخرة، تالية ساخطة  هناك على واقع مرير متهدم تفوح منه رائحة الخراب والموت.

يخاطب الماغوط عقل الإنسان العادي وهمومه في عصره، فقد كتب لأبناء جيله، ولا داعي لقواميس اللغة لتفكك أشعاره، فقط اقرأ بسلالة وبتؤدة لتفتح "العين الثالثة".

"ﯾﻌﺘﺒﺮ الشاعر السوري محمد اﻟﻤﺎﻏﻮط ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﺜﻮار اﻟﺬﯾﻦ ﺣﺮروا اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﯾﺔ اﻟﺸﻜﻞ، دﺧﻞ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌﺮاك ﺣﺎﻣﻼ ً ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻠﺘﮫ ودﻓﺎﺗﺮه اﻷﻧﯿﻘﺔ ﺑﻮادر ﻗﺼﯿﺪة ﻛﺸﻜﻞ ﻣﺒﺘﻜﺮ وﺟﺪﯾﺪ وﺣﺮﻛﺔ راﻓﺪة ﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﯾﺎح ﺗﮭﺐ ﺣﺎرة ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺼﺮاع، واﻟﺼﺤﻒ ﻏﺎرﻗﺔ ﺑﺪﻣﻮع اﻟﺒﺎﻛﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﯿﺮ اﻟﺸﻌﺮ ﺣﯿﻦ ﻧﺸﺮ ﻗﻠﻮﻋﮫ اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﺨﻔﺎﻗﺔ ﻓﻮق أﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮاري . وﻗﺪ ﻟﻌﺒﺖ ﺑﺪاﺋﯿﺘﮫ دورا ً ھﺎﻣﺎ ً ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ھﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ"، تقول عنه زوجته الشاعرة سنية صالح في تقديمها لمسرحيته العصفور الأحدب.

تجاوز الماغوط التقسيم الذي كان يقيمه الأدب القديم بين الشعر والنثر، وخط لنفسه نمطاً جديداً في التعبير سمي بـ"الشعر-النثري".

أتذكر جيداً كيف كنا ننتظر بفارغ الصبر أيام الأعياد لنتابع مسرحية كاسك يا وطن وشقائق النعمان حين كنا صغاراً، كانت تعرض حينها على التلفزيون السوري في وقتها.

رغم تكرارها، كنا نعاود حضورها ونضحك على النكتة ذاتها، ونبكي للمأساة ذاتها، بدا الأمر كأنه "أفيون".

أعماله

يقول عنه الشاعر والروائي السوري خليل صويلح، أن انتعاش أعمال الماغوط مع دريد لحام حين عاد إلى الشام، أفضت  إلى أنه لم يعد شاعر الأرصفة مرة أخرى وهذا الأمر لعب دوراً في قتل التجربة، فانتقل إلى ما يسمى الهجاء السياسي أو مسرح التنفيس الاجتماعي مع دريد لحّام". وأضاف صويلح أن تجربة الماغوط المسرحية الأصيلة ليست في "غربة" أو "كاسك يا وطن" أو "ضيعة تشرين"، بل في "العصفور الأحدب" و"المهرج". فالماغوط صنع للماغوط وطناً لغوياً أكثر مما أنه وطن حقيقي، لكن اللغة ذاتها قد خانته في تجاربه الأخيرة، فقد انهار عملياً.

اقرأ أيضاً: الشاعر الثوري العراقي "مظفر النواب" وداعاً

حتى الماغوط نفسه لم يكن راضياً عن مسرحياته تلك التي عرضت على خشبة المسرح، وقال إنها تعرّضت للتحريف.

كتب الماغوط، قصيدة النثر والرواية والمسرحية، ومن أشهر مؤلفاتِهِ: مجموعة شعرية بعنوان "حزن في ضوء القمر"، "البدوي الأحمر" و"غرفة بملايين الجدران"، إضافة لمجموعة "شرق الله غرب عدن". ومن أهم مسرحياته "العصفور الأحدب" لكنها لم تمثل على أي مسرح، وهي الأجمل بين كتاباته، كانت حمّالة أوجه في المعنى، والصورة التي نسجها الماغوط مبتكرة وصادمة في عصره. أما المسرحيات الباقية فمعروفة للجمهور، كمسرحية ضيعة تشرين، شقائق النعمان وغربة، رواية الأرجوحة، سأخون وطني وهي مجموعة مقالات.

اتسمت مجموعته  الشعرية "الفرح ليس مهنتي"، بلغة جميلة، تتصف بالسوداوية وخيبة الأمل والقلق الوجودي والعبثية والاغتراب.

"سأبحث عن مسبحة وكرسي عتيق...

لأعود كما كنت،

حاجباً قديماً على باب الحزن

ما دامت كل الكتب والدساتير والأديان

تؤكد إنني لن أموت

إلا جائعاً أو سجيناً"

"فأنا نبي لا ينقصني إلا اللحية والعكاز والصحراء

وما من قوة في العالم

ترغمني على محبة ما لا أحب

وكراهية ما لا أكره

ما دام هناك

تبغ وثقاب وشوارع"

كانت روح التمرّد تسكن الماغوط، وهو شاعر الأرصفة والتسكع، فمن رحم الفقر والشقاء خرج هذا الشاعر ليعلن ثورته على كل شيء، بأسلوب ساخر، لا يخلو من الندب.

"لو كانت الحرية ثلجاً لنمت في العراء"

حادت أحلام جيلنا حتى غدت بعيدة عن أحلامه، فهو شاعر الحرية، واليوم أكثر ما تجود به خيالتنا خبز وماء وسقف وجدران، وأبعدها على أقل تقدير حزم أمتعتنا كسوريين والفرار بعيداً عن هذا "الثقب الأسود" الذي يدعى سوريا.

وذلك، على عكس الماغوط الذي أخبر زوجته مرةً بأنّه لا يستطيع أن يخرج من الوطن "قلت لزوجتي حين سألتني لماذا عدت سريعاً من تونس: بصراحة، بلد لا يوجد فيه مشاكل لا أستطيع العيش فيه".

المشاكل طافت أيها الماغوط وضاقت مشاعر حب البلد عن احتمالها، أكثر الأحلام التي تراود أبناء جلدتك هو الخروج من هذا "المستنقع".

حياته

ولد الشاعر السوري محمد الماغوط عام 1934، وهو ابن مدينة سلمية، التي تتربع على الشرق من مدينة حماة. وكحال معظم سكّان القرى كان الفقر ينهش عائلته، كان الأب يعمل في مهنة الزراعة.

درسَ في بداية حياتِهِ في الكتّاب، وانتقل إلى الثانوية الزراعية في الغوطة، ولكنَّ فقره الشديد أجبره على ترك المدرسة والعودة إلى سلمية.

اقرأ أيضاً: فوّاز الساجر المخرج السوري صاحب المسرح الذي يُغيّر ولا يتغيّر

عقب عودته، انتسب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي دون أن يقرأ مبادئه، لكن ذلك لم يدم طويلاً واضطر إلى الانسحاب منه، بعد اغتيال عدنان المالكي في 22 أبريل 1955. التي شكّلت نقطة تحول في حياة الماغوط، إذ اتُُّهِمَ الحزب القومي السوري باغتياله في ذلك الوقت، ولوحق أعضاء الحزب، وتم اعتقال الكثيرين منهم، وكان الماغوط ضمنهم، و حُبس الماغوط في سجن المزة.

وخلف القضبان بدأت حياة الماغوط الأدبية الحقيقية، تعرف أثناء سجنه على الشاعر علي أحمد سعيد إسبر الملقب بـ أدونيس الذي كان في الزنزانة المجاورة.

للمرة الثانية، كان الماغوط ملاحقاً في دمشق خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر، ففر هارباً إلى بيروت في أواخر الخمسينات، ودخلها بطريقة غير شرعية، هناك انضمّ الماغوط إلى جماعة مجلة "شعر" حيث تعرف على الشاعر يوسف الخال الذي احتضنه في مجلة "شعر" بعد أن قدمه أدونيس للمجموعة.

وفي بيروت نشأت بين الماغوط والشاعر بدر شاكر السياب صداقة حميمة فكان السياب صديق التسكّع على أرصفة بيروت، وفي بيروت أيضاً تعرّف الماغوط في بيت أدونيس على الشاعرة سنية صالح (التي غدت في ما بعد زوجته)، وهي شقيقة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وكان التعارف سببه تنافس على جائزة جريدة "النهار" لأحسن قصيدة نثر.

عاد الماغوط إلى دمشق بعد أن غدا اسماً كبيراً، حيث صدرت مجموعته الأولى "حزن في ضوء القمر" (عن دار مجلة شعر، 1959)، التي ألحقها عن الدار نفسها بعد عام واحد بمجموعته الثانية "غرفة بملايين الجدران" (1960).

دخل السجن للمرة الثانية في العام 1961 و أمضى الماغوط في السجن ثلاثة أشهر.

في ظهيرة يوم الاثنين 3 نيسان 2006 رحل محمد الماغوط عن عمر يناهز 72 عاماً وذلك بعد صراع طويل مع الأدوية و الأمراض عندما توقف قلبه عن الخفقان وهو يجري مكالمة هاتفية.

ليفانت نيوز_ خاص

إعداد وتحرير: عبير صارم

 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!