الوضع المظلم
الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • اللواء الدكتور محمد بن صالح الحربي لـ"ليفانت": السعودية منفتحة في علاقاتها الدولية وترفض توظيف النفط في أي توترات جيوسياسية

  • الأكاديمي السعودي والخبير العسكري، أن إيران منذ اللحظة الأولى، في العام 1979، وهي تتحرك نحو زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة
اللواء الدكتور محمد بن صالح الحربي لـ
محمد بن صالح الحربي

قال الخبير الاستراتيجي والعسكري السعودي اللواء الدكتور محمد بن صالح الحربي، إن الأزمة اليمنية ترتبط بشكل استراتيجي بإيران، وتوظفها الأخيرة خدمة لمصالحها السياسية والإقليمية، وكذا مفاوضاتها مع الغرب، ومنها محادثات فيينا النووية، وبالتالي، فإنّ طهران تدرك جيداً أدواتها ووكلائها في المنطقة، وعلى رأسها الميلشيات الحوثية في اليمن، والتي تستخدمها للضغط على الغرب كي تحصد أكبر المكاسب على طاولة المفاوضات.

وفي حواره مع "ليفانت"، أوضح الأكاديمي السعودي والخبير العسكري، أن إيران منذ اللحظة الأولى، في العام 1979، وهي تتحرك نحو زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بيد أنّ السنوات الأخيرة، ومع أحداث العام 2011، تحركت إيران صوب عدد من بؤر التوتر الساخنة، في العراق وسوريا واليمن ولبنان، عبر وكلائها وأذرعها العسكرية لتعميق فكرة تهديد السلم والأمن في تلك الدول. ويردف: "أي نظرة موضوعية لحصاد الأحداث عبر السنوات الفائتة لن نجد سوى حالة الدمار والتهديد في كافة المناطق التي شهدت تدخلات سافرة من قبل النظام الإيراني".

ولذلك، فالأمر يحتاج رؤية شاملة من خلال الدول العربية لضبط الأمن الإقليمي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط، لا سيما أننا إزاء جملة من التحولات الحادة في السياسة الدولية، وفق الحربي، فضلاً عن كوننا نشهد إرهاصات تشكل كتلاً وتحالفات ستقضي بالضرورة لبروز قوى دولية في المدى المنظور. وتتحرّك المملكة العربية السعودية بكل ما تحمله من تاريخ ورؤية لسياساتها الخارجية وأهدافها المرحلية وتصوراتها المستقبلية بغية تحقيق أهدافها السياسية والتنموية بما يضمن الأمن والاستقرار الإقليمي.

نص الحوار

*أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن دخول الهدنة في اليمن حيز التنفيذ، مساء السبت الماضي، الثاني من شهر نيسان/ أبريل، وقد رحبت كل من السعودية وإيران بالهدنة التي أتت نتيجة وساطة الأمم المتحدة، في اليمن. وستستمر الهدنة لمدة شهرين قابلة للتمديد. في تقديركم ما هي أهم السيناريوهات المرجحة على هامش تلك الهدنة؟

هي مبادرة متقدمة استكمالاً للمبادرات السابقة الخليجية 2011، جنيف 2015، الكويت 2016، الرياض 2019، عمان 2020. والكل يتطلع أن تمضي قدماً في هذه المرحلة بمفهوم استراتيجي وليس تكتيكي وقتي مرحلي، المبادرة السعودية، لإنهاء الأزمة اليمنية والوصول إلى حل سياسي شامل، والمعلنة في شهر مارس العام الماضي. وهذه الهدنة هي بمثابة نقطة انطلاق وخارطة طريق أبعد من وقف الحرب والعمليات العسكرية التي تتم في معظم الأراضي اليمنية، بل هي صيغة جديدة للحياة في اليمن الذي يشهد صراعاً لا يتوقف، والذي يدفع فاتورة الحروب هو الشعب والاقتصاد والتنمية اليمنية.

أما بالنسبة للسيناريوهات المتوقعة، فنستطيع القول إن جميع السيناريوهات مفتوحة بحسب تطور الأحداث دولياً، وانعكاساتها على المستوى الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بتوسع أفق الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وتداعيات ذلك تكتيكياً في توجهات إيران واختياراتها لمستويات الحركة مع موسكو وواشنطن، وكذلك ما يرتبط بمصير الاتفاق النووي مع الغرب.

*إذاً، هل ثمة ارتباط بين سياق الهدنة على مسرح العمليات في اليمن ونتائج الاتفاق النووي بين إيران والغرب؟

لا شك عندي أن الأزمة اليمنية ترتبط بشكل استراتيجي بإيران وتوظفها طهران خدمة لمصالحها ومفاوضاتها مع الغرب ومحادثات فيينا، وبالتالي إيران تدرك جيداً أدواتها ووكلاءها في المنطقة، وعلى رأس ذلك الميلشيات الحوثية في اليمن، والتي تستخدمها للضغط على الغرب كي تحصد أكبر المكاسب على طاولة المفاوضات.

وعلى خلفية ذلك، ووسط التضارب في الأنباء وتعقد كافة الملفات المرتبطة وتناقضها في آن واحد، يصعب البتّ إزاء تصور واضح ومحدد يشير إلى ما هو من الممكن أن تفضي إليه الأمور. بيد أن الأمر المؤكد كون الارتباط عميقاً بين الأمرين يتمثل في الحالة الوظيفية التي تقوم عليها العلاقة بين إيران وميلشيات مسلحة تابعة لها، مثلما هو الحال مع الميلشيات الحوثية في اليمن، بما يهدد بشكل كبير حالة الأمن الإقليمي، وهو الأمر الذي لن تسمح به المملكة العربية السعودية بأي حال من الأحوال.

*جماعة الحوثي تتحرّك كوكيل لطهران في حيّز جيوسياسي دقيق.. هل ترجح خرق الهدنة من قبل الحوثي؟ وما هي مآلات ذلك؟

ما أستطيع قوله في هذا الصدد، إنه لا يمكن التعويل على الميلشيات الحوثية في الالتزام بأي اتفاق، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، وذلك يعود في تقديري لكونهم ميلشيا تابعة لإيران، وتتحرك بحسب توجهات طهران وأهدافها إقليمياً ودولياً، ولذلك؛ كافة السيناريوهات مفتوحة، سواء بالتزام يحترم البعد الإنساني والأخلاقي، خاصة في هذه المرحلة، أو يقع اختراق جديد للهدنة يلقي بحياة المواطن اليمني وإنسانيته بين وحشية طهران وعمالة الميلشيا الحوثية.

في إطار ذلك، ينبغي أيضاً الإشارة إلى كون أي اختراق محتمل في الهدنة سيكون مرتبطاً بتطور ميداني على مسرح الأحداث، وسياسي في إطار مفاوضات فيينا، والضغط الإيراني على الجانب الأمريكي، بغية ابتزاز واشنطن وإدارة الرئيس بايدن.

على أية حال، ينبغي التأكيد أن المملكة العربية السعودية تحترم القانون الدولي وحق الشعب اليمني في السلام والاستقرار مع احتفاظ المملكة العربية السعودية بحقها في الحفاظ على سيادتها وأمن مواطنيها.

*تدفع الحرب الروسية الأوكرانية الجميع للحديث عن مؤشرات لتموضعات قوى جديدة تنازع الولايات المتحدة الأمريكية عبر مساحات الفراغ التي تركتها.. إلى أي حدّ ترى ذلك واقعاً على الساحة الدولية؟

الجميع يعلم ويدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية في إطار رؤيتها الاستراتيجية تتحرك بعيداً عن الشرق الأوسط نحو مناطق جنوب بحر الصين، في إطار التنافس الاستراتيجي ومؤشرات التهديد التي تمثلها روسيا والصين للولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي نتج عنه فراغ سياسي في عدد من النقاط الساخنة، استغلتها بشكل أو بآخر روسيا من أجل مزاحمة أمريكا استراتيجياً والتحرش بها سياسياً.

على وقع ذلك، تستطيع أن تلحظ جيداً تحركات إدارة الرئيس الأمريكي بايدن ضد روسيا في الحرب الأوكرانية، وكيف ترقب وتضغط من أجل ضبط إيقاع الصين نحو تلك التحركات، مما يضمن لواشنطن توازن أهدافها الاستراتيجية في إطار تحالفاتها المناهضة للتهديدات الروسية والصينية.

ولذلك نستطيع القول إن التوترات الجيوسياسية متعددة ومركبة عبر أكثر من ملف مما تفضي نحو أوضاع معقدة للغاية تدفع الجميع ليرقب العالم وهو يقف على أطراف قدميه.

*كيف تنظر المملكة العربية السعودية نحو هذه التطورات، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع واشنطن وروسيا والصين؟

من الأهمية بمكان أن نتحدّث عن كون المملكة العربية السعودية تنظر بشكل استراتيجي لكافة المتغيرات التي تحدث على أرجاء المعمورة والتحولات الحادة في العلاقات الدولية والإقليمية، وكذا صيغ التحالفات الناشئة كنتيجة منطقية وانعكاس واضح لتلك الانعطافات في العلاقات الدولية.

لذلك المملكة العربية السعودية لديها أفق واسع ومنفتح في علاقاتها وتحالفاتها الدولية، سواء كان ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا أو الصين. وتأسيساً على ذلك، تنتهج الرياض مبدأ رئيس ينتصب على عدم توظيف النفط، السلعة الاستراتيجية الأولى بالعالم، في أي توترات جيوسياسية باعتباره قيمة راسخة وأصيلة في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية.

على خلفية ذلك، تنتهج السياسة الخارجية السعودية، بحسب توجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، التحرك نحو العمل على تخفيض منسوب التوترات من خلال التواصل مع كافة الأطراف المعنية.

*إقليمياً، تتحرك إيران لبسط نفوذ استراتيجي يهدد استقرار المنطقة بشكل لافت عبر وكلائها في العراق وسوريا واليمن ولبنان.. من الناحية الاستراتيجية كيف يواجه العرب ذلك؟

يقيناً، إيران منذ اللحظة الأولى في العام 1979، تتحرك سياستها نحو زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. بيد أن السنوات الأخيرة ومع أحداث العام 2011، تحركت إيران صوب عدد من بؤر التوتر الساخنة في العراق وسوريا واليمن ولبنان، عبر وكلائها وأذرعها العسكرية لتعميق فكرة تهديد السلم والأمن في تلك الدول.

وأي نظرة موضوعية لحصاد الأحداث عبر السنوات الفائتة، لن نجد سوى حالة الدمار والتهديد في كافة المناطق التي شهدت تدخلات سافرة من قبل النظام الإيراني.

لذلك الأمر يحتاج رؤية شاملة، من خلال الدول العربية لضبط الأمن الإقليمي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط، لا سيما أننا إزاء جملة من التحولات الحادة في السياسة الدولية، فضلاً عن كوننا نشهد إرهاصات تشكل كتلاً وتحالفات ستقضي بالضرورة لبروز قوى دولية في المدى المنظور.

وتأسيساً على ذلك، تتحرك المملكة العربية السعودية بكل ما تحمله من تاريخ ورؤية لسياساتها الخارجية وأهدافها المرحلية وتصوراتها المستقبلية لتحقيق أهدافها السياسية والتنموية ويضمن الأمن والاستقرار الإقليمي.

*إدارة الرئيس بايدن تمضي نحو إتمام الاتفاق النووي مع طهران وثمة مؤشرات لرفع الحرس الثوري من لائحة الإرهاب.. هل ترجّح ذلك؟

في تقديري الخاص، إن الولايات المتحدة الأمريكية تريد إقفال ملفات الشرق الأوسط، بما فيها إيران وأزمة إتمام الاتفاق النووي، لا سيما أن الإدارة الديمقراطية لديها تاريخ في تلك المفاوضات مع الملالي.

في هذه النقطة، ينبغي أن نشير لكون التنازلات التي يتحدث عنها البعض من قبل الرئيس الأمريكي بايدن تجاه إيران، وتحديداً فيما يختص برفع الحرس الثوري الإيراني من لائحة الإرهاب، ليست بالأمر باليسير، إذ إن الوضع السياسي للإدارة الديمقراطية وحضور الكونغرس في هذا الصدد لن يمرر الأمر بسهولة وستضحى تكلفته السياسية على بايدن باهظة لدرجة كبيرة مرة في الداخل الأمريكي، وأخرى عبر حلفائه في الخليج العربي، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

 

ليفانت – رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!