-
اللجوء السوري يوزّع ضحاياه
إفراغ البلد من مناهضي الأسد، هذه كانت المرحلة الأولى. أما المرحلة الثانية بدأت بعد أن ضمن الأمريكي أنّ الأسد باقٍ في قصره بدمشق، حيث تطال هذه المرحلة الموالين الذين باتوا على الطوابير من أجل رغيف خبز. في ملف تحقيقي خاص بعنوان "سويسرا تستقبل فوجاً خاصاً من اللاجئين السوريين" عن وصول دفعة لاجئين سوريين من عائلة واحدة إلى سويسرا، عبر مطار جنيف. نشره موقع إنفوسويس التابع للخارجية السويسرية، بتاريخ 19 سبتمبر 2012.، جاء فيه: "وفي تصريحات لوكالة الأنباء السويسرية، أوضحت غابي شولوسي، المتحدثة باسم المكتب الفدرالي السويسري للهجرة، أن أفراد الأسرة الـ 36 يُعتبرون مُهددين للخطر بشكل خاص، وفقاً لمعايير المفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين. ولهذا السبب، فإنّ المنظمة وجّهت - في إطار برنامجها لإعادة توطين اللاجئين- طلباً لسويسرا من أجل استقبالهم".
هذه بواكير المشاركة الأممية في إعادة توطين السوريين الذي جرى ويجري اقتلاعهم. بقيت سويسرا طبعاً ملتزمة بحصتها في عملية التوطين، حتى الآن، رغم أنّ سويسرا ربما من أقل الدول استقبالاً للاجئين. ما يهمني في هذا التحقيق أنّ الأمم المتحدة لم تكن معنية أمريكياً بإيجاد حل سياسي في سوريا، بل معنية بتأسيس فرع لإعادة توطين السوريين المقتلعين من أرضهم ومدنهم وقراهم التي دمرها الأسد وحلفاؤه برعاية أوباما. منذ ذلك التاريخ الأوبامي ورحلة السوري إلى بلاد الله مستمرة. محنة الحدود التركية اليونانية وضحاياها. الآن محنة الحدود البولونية مع روسيا البيضاء. الجدير بالذكر في هذا المجال أن تنسيقاً أو قيادة ربما من قبل البنك الدولي مع الأمم المتحدة في ملف إعادة التوطين هذا كانت وما تزال قائمة. سلاح الطيران من قبل النظام البراميلي. حيث سجل باسمه براءة اختراع تحويل البراميل إلى قنابل متفجرة تقذف المدن السورية والقرى من الطائرات بوصفها براميل عمياء لا تميز بين مدني أو مسلح. كانت الغاية إحداث أكبر وأسرع عملية اقتلاع شهدها بلد واحد دون حرب عالمية.
كان بإمكان أوباما منع سلاح الطيران لو لم يكن يريد هذا التهجير والاقتلاع الدموي. شاركت كل الدولة العظمى في هذه المجزرة. لهذا كانت الأمم المتحدة بإعادة توطينها المبكر هذا، إنما تقول للعالم أنتم اقتلعوا السوريين ونحن نعيد توطينهم بالشراكة مع البنك الدولي. عملية إعادة التوطين المستمرة منذ تسع سنوات سوف تستمر بالقطارة لعقود قادمة. السوري لن يعود إلى قريته أو مدينته. لا أريد في هذه العجالة فتح ملف النزوح السوري داخل سوريا ومآسيه وويلاته، أيضاً يندرج في سياسة الاقتلاع هذه وتحويل السوري إلى لاجئ بلا حقوق في بلده. أيضاً من خلال محنتي الحدود التركية اليونانية والبولونية مع روسيا البيضاء، نجد أنّ هذا الملف كان منذ اللحظة الأولى عرضة لابتزاز الدول والسياسات والمصالح. كي تزيد من ضحايا السوريين ووجعهم وتشردهم في هذه الأصقاع. في طقس متجمد في أحيان كثيرة. أطفال مبعثرون خلف الأسلاك الشائكة على هذه الحدود أو تلك يرتجفون برداً.
محنة اللجوء السوري هذه لا يمكن لنا التعرّض لها فقط على شكل أدبيات تظهر مأساتها، بل يجب أن يفهم السوري قبل العالم أنّ هذه المحنة إنما هي قرار دولي وإقليمي بزعامة باراك أوباما. إفراغ البلد كي يبقى الأسد هذا كان الشعار الذي عملت عليه كافة الإدارات الأمريكية منذ لحظة انطلاق الثورة، دون فهم هذه اللوحة سنبقى نلطم. حل ملف اللجوء والاقتلاع يجب أن يكون سياسياً بالدرجة الأولى، أما إنسانياً فنحن أمام كارثة مستمرة، آخرها ما يجري الآن للسوريين على الحدود البولونية.
منذ أكثر من شهر تقريباً، كان لي أبناء عمومة وأقرباء على تلك الحدود، دخلوا في الغابات وتاهوا هناك. أحدهم تخلّص مما يحمله لأنهم تاهوا في الغابة الموحلة لركبهم. لم يعودوا قادرين على المسير. وآخر ما تخلص منه هو بيجاما شتوية. انقطع تواصلهم مع العالم خارج هذا التيه في الغابة. بعد أن رمى تلك البيجاما بخمس ساعات وهم يسيرون تائهين لمح لباساً فخاطب من معه: "أرأيتم؟ معناها قربنا نوصل إلى مكان مأهول". لكن ابنه قال له: "يابا هذه بيجامتك"!
السوري لابد أن يشكر الشعوب التي استقبلته، لكن الحل هو في السياسة. كيف في الحقيقة الأمريكية: لا أعرف.
ليفانت - غسان المفلح
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!