الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الكارثة السورية وحدّ الجنون
الكارثة السورية وحدّ الجنون


ما يقارب عشر سنوات والكارثة التي يعيشها السوريون ما زالت مستمرة، لتختصر واقعهم تحت وقع استهلاك متوحش لحرب تتجاوز حدّ الجنون في خروجها عن إمكانية الإحاطات الواعية، فكل ما يحدث بخصوصها وما يواكبها من معطيات يشكّل سلوكاً شاذاً عن كافة الضوابط الإنسانية وينتهك كل المعايير البشرية. الكارثة السورية


حدّ الجنون التكتيكي للكارثة


تتبُّع مجريات الحروب يوضّح الجوانب الإستراتيجية لها؛ فمهما اختلفت الحروب والظروف الخاصة بها، وأنماطها وتحيّزاتها، يبقى هناك هدف ما، حسب ما تذكره قصص الحروب التي بدأت قبل التاريخ واستمرّت بين الأمم إلى يومنا. ولكن هذا لا ينطبق على الحالة السورية، فما حصل منذ بدء الحرب لم يفسح المجال أمام السوريين للتوازن والسيطرة على الوضع القائم، وما يرافقه من مجموعة سلوكيات خارجة عن التصوّر العقلي وأقرب للجنون، بل بقي متعلقاً بالجوانب التكتيكية وتبدلاتها في إدراة الحرب، وما زال مستمراً فعلياً على أرض الواقع، ويمكن متابعته فيما قُدِّم من مسارات حلول لم تتحقق، فخطط السلام التي حملها المبعوثون الدوليون منذ 2012، وأولها النقاط الست لـ”كوفي أنان” اندثرت بنفس العام، ثم انتقلت في 2013 مقترحات الحلول إلى “الأخضر الإبراهيمي” لتقتصر على استكمال نقاط “أنان”، والتركيز على تشكيل لجنة تحقيق حول الأسلحة الكيماوية للنظام، استقال إثر فشلها في 2014 مُسلِّماً مهمة بحث حلول السلام إلى المبعوث الثالث “استافان دي ميستورا” ليُفصّل رباعيّة الحلول الخاصة بمرحلته التي كوّنت الفقرة الرابعة من قرار مجلس الأمن ( 2254)، تاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015، ولا حلّ في سوريا خارج هذا القرار، حسب ما يقوله المجتمع الدولي ومجلس الأمن الذي وثّق (13) قراراً حول سوريا. الكارثة السورية


ناهيك عن البيانات الرئاسية، وحالة القلق التي عاشها المجتمع الدولي لاستمرار الصراع والعنف وتدهور الحالة الإنسانية وزعزعة استقرار المنطقة وسيل اللاجئين، وغيرها الكثير مما يصبّ في مسار القلق والتوتر للمجتمع الدولي المعوّل على حلوله للإنقاذ. وفي حال قلبنا الأمور فإنّ على السوريين إنقاذه من قلقه فأقصى الجنون أن يستمر الشعب العاجز بإنهاك ما يسمى المجتمع الدولي.


ليكون الحدّ الثاني من الجنون متعلقاً بمسار آخر فصّله الفاعلون المتدخلون في الحرب مباشرة، “الضامنون الثلاث” في مسار أستانا، وإطلاقهم في الجولة الأستانية الرابعة، 4 أيار/2017، رباعية خفض التصعيد، التي شكلت الفعل العسكري والتدمير الممنهج على الأرض، وما زال مستمراً، دون أن يخلو الأمر من إشارات حول ضرورة تحويل المسار العسكري، إلى مسار سياسي، وعقد مؤتمر سوتشي لمناقشة القضايا العالقة، وأيضاً حمل -كما موكب مؤتمرات جنيف- التوصيات حول السلام، وأن لا حل عسكرياً، وأكد وحدة الأراضي السورية، ولم يتجاهل المسارات المفتوحة لتشكيل لجنة دستورية، والتي أُنشئت في أيلول/ سبتمبر 2019، ويتولى متابعتها “غير بيدرسون”، وتتابع البروفات الرتيبة والمملّة في تكرارها لمؤتمرات حفظها السوريون، مثلما حفظوا ضجيج التمهيد لها وتقسيم الأدوار، بين امتناع النظام وتعطيله الحلّ، وبين امتناع المعارضة وتعطيلها الحلّ، لكن حفظ الأدوار لم ينهِ لعبة المؤتمرات لإدارة الأزمة، والجولات لصياغة الدستور تراوح مكانها على أمل التوصل يوماً ما لإنقاذ آخر السوريين.


من حدّ الجنون إلى أقصاه


إذا كانت متابعة التفاصيل الدولية للحلول يرافقه هذا العجز الذي يقود للجنون، فإنّ الخروج عن حدّ الجنون المألوف يمكن متابعته في مجريات تعطيل القرارات الدولية من كلا الطرفين (النظام والمعارضة)، واستمرار التعطيل إلى يومنا هذا، رغم أنّ العملية السياسية سارت نحو أبعد السبل في صياغة الحلول لواقع يزداد تأزّماً، في إقرار دستور، فإنّها لم تأتِ إلا بعد أن اعتبر النظام السوري نفسه منتصراً، وأنّه قادر على إملاء الشروط والتعامل بعنجهية المنتصر، وهو ما جاء في كلمة “بشار الأسد” أمام أعضاء مجلس الشعب في “القصر الجمهوري”، بتاريخ 12/8/ 2020، قبل أيام من اجتماع اللجنة الدستورية، وأنّ تلك المبادرات السياسية التي تجري بهدف التوصّل إلى حلّ للملف السوري “خزعبلات سياسية”، بفضل الولايات المتحدة ووكيلتها تركيا وممثليهما في الحوار، متجاهلاً أنّّه والدول الحامية له (روسيا، وإيران) طرف في الخزعبلات، وتدويرها، وأنّ القتلى ومنهم ما يزيد عن (8 آلاف سوري) لن يشاركوا “الأسد” في “شكر” روسيا على قنابلها الحارقة التي قتلتهم، فهم نتيجة خزعبلات الحرب. الكارثة السورية


أما من أنهكتهم (الحرب والسياسية) من السوريين، فيمكن اعتبارهم ثمناً لخزعبلات الجميع الذي بلغ أقصى الجنون، ضمن متابعة هوامش الوضع الداخلي، فالمؤشرات الدولية تقدّم إحصائيّاتها النسبية عن الأمية، البطالة، العجز، تدهور الوضع الصحي، و(حدّ الموت فقراً)، أو كما يسمى (حدّ الفقر) الذي بات يحتلّ المرتبة الأولى في الرصد، وكل منها على حدة يشكّل معضلة بآلية الحلول، ويزيد من الارتباك بأن لا حلّ متوفر أو ممكن حتى الآن في دولة فاشلة، لكنها ليست كل شيء بالنسبة للسوريين، فما يحدث لا يقتصر على ما ترصده التقارير في مؤشراتها، بل يمتدّ لما هو أكثر في ابتداع طرق إذلال يومية تطال كافة مستلزمات العيش حتى في حدوده الدنيا، وفي القرارات الحكومية التي تتصيد السوريين في الداخل وعلى الحدود، بدءاً من تغطية النهب والفساد الدولة من الأعلى إلى الأسفل، وصولاً إلى أتاوة الـ(100 دولار) التي فرضت على السوريين للدخول لحضن الوطن.


في تحولات الوضع السوري والانتقال من حراك شعبي ضد الظلم إلى حرب مفتوحة، لا يمكن للعقل متابعة المجزرة فقط، بالتبحّر في الحديث عن الدمار وعن الناس التي خسرت أرواحها وممتلكاتها وحُملوا على النزوج أو اللجوء، أو عن البنى التحتية التي هُدمت والتدخلات الخارجية، فهذا الجزء العمومي لآثار الحروب، قد يكون كافياً لإعطاء معنى الحرب من حيث وجودوها، كفعل منافٍ للتوازن القائم، ولكنه بالتأكيد ليس كافياً لاعتبارها تفصيلاً لتوازن آخر يعاد معه تنظيم الجغرافية السياسية للحصول على نتائج مرجوّة، فهذا قد حُرم منه السوريون تحت ظل كارثة منفلتة من عقالها، متجاوزة حدّ الجنون بإمكانية السوريين استعادة السيطرة على كافة المخاطر القائمة والمحتملة حتى ما بعد الحرب. فكل ما يحدث رغماً عنهم وعن إرداتهم، ولا يضع تصورات لنهاية الحرب والخروج من دائرة الخطر، فلا نتائج مرجوة حتى الآن، ولا أجوبة إستراتيجية وعملية لما بعد الكارثة. الكارثة السورية


ليفانت – هوازن خداج  








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!