الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
القرضاوي والنيجاتيف
ثروت الخرباوي 

لا يمكن لخديعة أن تدوم، لذلك لم تدم خديعة الشيخ يوسف القرضاوي، حيث ظهر لنا في السنوات الأخيرة بصورته الحقيقية كأكبر مفتي للشر، كنا نظن عبر سنوات مضت أن هذا الشيخ هو رائد التنوير والاعتدال، فإذا به إمام التطرف والإرهاب، حيث قدم مصالح جماعته على مصلحة الدين، وعلى مصلحة أمته، فأصبحت الجماعة عنده فوق الدين وفوق الوطن، وأصبحت الدولارات هي السيد الذي يرتجي رضاه، فبئس ذلك الشيخ الذي أضاع دينه ويسعى إلى إضاعة وطنه، ورحم الله رجالا من الأمة لم يخلطوا دينهم بدنياهم، ولم يفرطوا في آخرتهم بعرض زائل، ظل العالم منهم عالما حقا يدور مع الحق أينما كان ولا يدور مع دنياه أينما كانت، مات هؤلاء وتركوا آخرين باعوا دينهم بدنيا غيرهم.


مؤخرا وضع الشيخ يوسف القرضاوي المفتى الأعلى لجماعة الإخوان بل وكل جماعات الإسلام السياسي فتوى مفادها أن"جهاد الأمة في فلسطين غير جائز، لأن ما حدث ويحدث في فلسطين هو اختبار لأهلها، أما فرض العين الذي على الأمة فهو في سوريا ضد بشار الأسد، ويجب في هذا الجهاد أن تجتمع الأمة لإسقاط بشار"! وكان القرضاوي قد أفتى من قبل بأن الجهاد الواجب على الأمة هو الجهاد في فلسطين، وفي ايام غزو أمريكا للعراق كان الجهاد الأكبر عنده هو لإسقاط صدام، ثم كانت فتواه الشهيرة بضرورة أن تجتمع الأمة لإسقاط معمر القذافي في ليبيا، وبعد أن انتهى الإخوان من الخريطة السياسية في مصر أصبح الجهاد الذي يستلزمه القرضاوي في فتاويه هو لإسقاط الجيش المصري! وكان دعاؤه الذي يرفعه من على المنبر يتضمن إسقاط الجيش المصري! وفي أيام فائتة من تاريخ الأمة أطلق بعضهم على القرضاوي لقب مفتي الناتو إذ كان قد أجاز للمسلم المنضم للجيش الأمريكي أن يقاتل في صفوف هذا الجيش ضد الجيش العراقي! وهو الذي كان قد حرَّم قبلها أن يقاتل المسلم المسلم .


 


وللتاريخ فإن القرضاوي سبق وأن ذهب لزيارة معمر القذافي، ثم بشار الأسد، وتحدث عنهم وهم في قمة السلطة حديثا طيبا، وأذكر أنني حضرت اجتماعا للشيخ القرضاوي منذ خمسة أعوام وعدة أشهر في جمعية مصر للثقافة والحوار، وكان في هذا الاجتماع بعض أعضاء الجمعية ومنهم رئيسها سليم العوا وبعض قادة حزب الوسط، وفي هذا الاجتماع تحدث القرضاوي عن زيارته للقذافي فقال :"وجدته رجلا عاقلا بعد أن كانوا صوروه لي في هيئة "الرجل المجنون" ووجدته صاحب فكر جيد وإن لم تعجبني حارساته من السيدات، ولكنني أيقنت أن آفة هذا الرجل تتمثل فقط في حب الظهور"! ثم قال إنه زار بشار الأسد واستطاع بزيارته هذه أن ينفع الإخوان إذ توسط لدى بشار فقبل بشار وساطته وسمح بعودة بعض الإخوان المنفيين خارج سوريا! ثم قال "يكفي بشار أنه يأوي حماس في بلاده في الوقت الذي تحاربهم فيه كل العرب خدمة لإسرائيل"!


 


وبهذه الفتاوى المختلفة والمتناقضة والآراء المتباينة التي لا يمكن أن تصدر من رجل واحد يكون القرضاوي قد جمع بين الشيء ونقيضه، والحرام والحلال، والجائز وغير الجائز، ووضع الجميع في إناء واحد، ويبدو أن هذه طريقة جديدة في الفقه سيكتبها التاريخ بإسم يوسف القرضاوي، فهو صاحبها ومخترعها، وبذلك أيضا يكون الأخ القرضاوي قد وضع لنا قاعدة جديدة في كيفية خدمة السلاطين ، هذه القاعدة الشاذة تعتمد على صفة قالها لنا الله في القرآن الكريم عن "الذي يتخبطه الشيطان من المس" وهي كما يقول المفسرون (الخبط هو المشي على غير استواء، يقال خبط البعير إذا اختل جهة مشيه) أو كما يقول البعض الآخر من المفسرين (الرجل الذي مسّه الشيطان فصُرع وتغيّر حاله ودارت عينه وزال توازن جسده وزبد فمه إذا أراد أن يقوم لبقية ما فيه من الشعور يقوم بعض القيام بكل انحراف وتأرجح ثم يسقط على الأرض) فهذه الفتاوى كهذا الرجل الذي صرعه المس فزال توازن جسدة ومشي مختلا .


 


أو قل هو كذلك الرجل الذي أراد أن يقول فلم يقل، أو قال كلاما لا تفهم منه أهو مع أو ضد، مع الجهاد في فلسطين أو ضده، مع القذافي حين زاره أم ضده حينما حرَّض عليه ، مع بشار حين امتدحه أم ضده وهو يفتي بأن الجهاد الحقيقي هو ضد بشار! وهو في ذلك فعل مثل ذلك الشاعر الذي طلب من خياط أعور أن يخيط له ثوبا ، فقال الخياط ، والله لأخيطن لك ثوبا لا تعرف أرداء هو أم إزار ، فقال الشاعر: فإن فعلت فسأكتب فيك شعرا لا تعرف أمدحا هو أم هجاء ، فخيط الخياط ثوبا محيرا ، فكتب الشاعر : " خاط لي عمرو قباء .. ليت عينيه سواء" وأحسن تعبير تستطيع أن تصف به هذا الرجل هو أنه مثل الصورة والنيجاتيف الخاص بها ، الشيئ وعكسه .


ثروت الخرباوي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!