الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
القاتل البريء
ماجد حبو
رفع بافي شيخموس يديه عالياً وأسند ظهره إلى البوابة الخشبية وصرخ: ليس بيت المقسي موسى. رفع الآغا حسن سبابته اليمنى وضغط على الزناد، فانفجر صدر بافي شيخموس بالدم. هكذا كانت الصفقة بين الآغا حسن والوالي العثماني في ديار بكر: البيوت لكم بعد أن تقتلوا أصحابها. ثم أضاف: لا تراجع عن الاتفاق، المتخاذل يقتل.

حينها دخل إبراهيم وأمسك المقسي موسى من ياقته وجرّه إلى ساحة البيت، وعملاً بوصية والده "بافي شيخموس" أفلته إلى ماء البئر وأفرغ شوالين من الكلس فوقه.
"لن يبقى من جسدك ما يحتويه التراب، كحمامة بيضاء ستطير، ولن يكون لك قبر". هكذا أخبرته العرافة المغربية مقابل كنيسة القيامة عندما ذهب المقسي موسى وزوجته للحج قبل عدة سنوات.
غامت غيمة بيضاء فوق البئر، بينما الرجال يمضون إلى البيت التالي. ضمت حنة أبناءها الأربعة إلى صدرها، أكبرهم في السادسة، وفي الخامسة وتوءمان، ربطت معصم الأكبر مع شقيقه، بينما ألقت بالتوءمين إلى ظهرها ومضت في العتمة والسواد.
لي صديق بدوي عند جبل عبد العزيز، أنام لديه عند الحاجة. هكذا تذكرت المقسية حنة حديث زوجها، وغذت بالمسير.
بستارة سميكة قسم رمضان العيسى خيمته، ثم خرج وصاح في قومه: هؤلاء أبناء وزوجة أخي -بإذن الله- موسى، لهم ما لي، وعليهم ما علي، وقضي الأمر كذلك. أولاد حنة.. هكذا سرت تسميتنا.
في الثمانينات من القرن الماضي، عندما حاصرت البلدة قوات الجندرما التركية، وقف أحد الشبان وسند ظهره إلى ذات البوابة الخشبية وصرخ: هذه أرضنا.. لن نكون أتراك الجبال، نحن كرد.
كانت طلقة البندقية ترميه بذات المكان الذي كان فيه جده قبل سبعين عاماً، بينما زوجته وأولاده ساروا ذات الطريق نحو عامودا هذه المرة.
أولاد فاطمة.. هكذا ستكون تسميتهم.
عندما تناقلت الأخبار رائحة القتل والموت في لبنان 1975 ضمتني وأخوتي أمي وصاحت بنواح مفجع: لن نقتل هذه المرة أيضاً.
وعندما جاءت أنباء الموت في شوارع حلب وحماة في الثمانينات، ضمتنا من جديد، لكن هذه المرة صاحت مهددة وحازمة: سنهاجر من هنا، لا أريد أن أبكي أولادي.
في السويد بعد عدة سنوات عندما التقت عيوننا لأول مرة، أحسست بأننا نعرف بعضنا.
قال: أنا من أولاد فاطمة.
قلت: أنا من أولاد حنة.
وهناك في بيت مهجور، ما زالت غيمة بيضاء فوق البئر.

ماجد حبو

ماجد حبو

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!