الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الفِكر….مميزاته وأشكاله
محمد رجب رشيد


يتميّز الإنسان عن سائر المخلوقات الأخرى بالفِكر الخلّاق، ويتميّز الإنسان الفرد عن الآخرين بطريقة تفكيره وبما يحمله من أفكار خلّاقة، وتتميّز المجتمعات عن بعضها بحسب مكانة المفكّرين فيها بين الناس. إذاً ما هو التفكير؟ ومن هو المفكِّر؟. الفِكر


قبل التعريف لا بدّ من التمييز بين التفكير والتفكُّر، فالتفكُّر فعل وجداني، وهو خارج موضوع بحثنا هذا، أمّا التفكير فهو فعل عقلي ولايوجد تعريف موحّد ودقيق له، ولكن يمكننا القول بأنّه مُجمل الأفكار الّتي تأتي من النشاط الذهني الّذي يؤدّيه عقل الإنسان، بحيث يُمكِّنُه من الإدراك والذاكرة والاستنتاج والنقد واتِّخاذ القرارات وحل المشكلات وتكوين المفاهيم. والفِكرة ما هي إلّا إشارة تأتي من الدماغ على شكل صُورة أو صوت أو ذكرى.


أمّا المفكِّر فهو الشخص الذي يستخدم الذكاء والتفكير النقدي بطريقة مهنية، ويطرح أفكاراً عميقة، و يُبدي آراء جديدة في قضايا عامَّة، أي أنّ جوهر عمل المفكِّر هو قراءة الواقع بعمق، واستخلاص العِبَر، وصناعة مفاهيم جديدة . الفِكر


ومن الجدير بالمعرفة أنّ المفكِّر أعلى مرتبةً من المثقّف، وأقلُّ مرتبةً من الفيلسوف، بمعنى أنّ كلّ فيلسوف هو مفكِّر ومثقّف بنفس الوقت، ويتفوّق عليهما بتجريد عِلمه من الواقع والإبحار نحو المجهول، وكلُّ مفكِّرٍ هو مثقّف بنفس الوقت، ويتفوّق عليه بِكونه يأتي بمفاهيم جديدة من دراسة الواقع، ولكنّه ليس فيلسوفاً، أمّا المثقّف فهو الذي يحيط عِلماً بعدة مجالات ويتفوّق في إحداها ولكنه ليس مفكِّراً أو فيلسوفاً. والمفكِّر هنا هو لقبٌ يُطلق على الباحِث في إحدى العلوم، كأنْ نقول: المفكِّر السياسي أو المفكِّر الاجتماعي أو المفكِّر التربوي أو المفكِّر الديني و…


من المعلوم أنّ الإنسان يستطيع العيش بدون طعام لأكثر من شهرين، وبدون ماء لأيام معدودة، وبدون هواء لأقل من خمس دقائق، ولكنّه لايستطيع الامتناع عن التفكير لثانية واحدة، أي أنّه في تفكير تلقائي دائم طالماً هو في حالة اليقظة، وهذا ما عبّر عنه الفيلسوف الفرنسي، رينيه ديكارت، بقوله المشهور: (أنا أفكِّر إذاً أنا موجود). وبالفِطرة، الأحلام تولِّد الأفكار، ولكنّها تبقى مجرّد أفكار إذا لم تُترجم إلى أفعال، وبمعنى أدَّق إنّ الأحلام والأفكار والأفعال تشكِّل معاً سلسلة مترابطة، تقود الإنسان إلى صنع المعجزات إذا تمّ تطعيمها بالإرادة القويّة. وما الإنجازات العظيمة في تاريخ البشريّة كالطيران والغَوص في أعماق البحار واختراق الفضاء بالوصول إلى القمر والمريخ إلّا ثِمار الأفكار التي سبقتها الأحلام. الفِكر


من هنا تأتي أهميّة الفِكر في حياة الإنسان الفرد، إنّه السبيل الوحيد الذي يجعل الإنسان أكثر وعياً بما يحيط به، وأعمق إدراكاً لأبعاد وجوده وعلاقته بالطبيعة والكون والخالق. فالإنسان من خلال فِكره يسبح في عوالم جديدة، فتصبُغ رؤيته بالشموليّة الّتي تجعله أكثر وعياً بالحقائق، وأكثر قُدرة على معرفة ما كان يجهله سابقاً وما يجهله الآخرون حالياً.


ومن الأهمية بمكان توضيح الفارق بين الأفكار من جهة، والقيَّم والمبادئ من جهة أخرى، فالقيَّم والمبادئ ثابتة لا تتغيّر ولا تُلغى مع الزمن، ولا يَحِلُّ للفِكر أنْ يكون بديلاً عنهما مهما بلغ من الاستقامة والنقاء، فضلاً عن كون الأفكار تلائم الظروف المحيطة بها والزمن الذي تُطرح فيه فقط، وعليه تكون مهمّة الفِكر رسم مسار الحركة نحو تحويلها إلى فِعل، وإجراء تغيير ما يلزم في تلك الظروف لملائمة المسار المحدّد، مِمّا يعني أنّ بعض الأفكار تنتهي صلاحيتها ليس في حالة إخفاقها فقط، وإنّما في حال نجاحها أيضاً، فحينَ تطرح فِكرة لإجبار النّاس على التقيُّد بقواعد وأنظمة المرور بغية الحفاظ على السلامة العامة، فإنّ تلك الفِكرة تنتهي صلاحيتها بعد أنْ تتحوّل إلى ثمرة، والثمرة هنا هي تقيُّد الناس بقواعد المرور طوعاً، تماماً كالبذرة المزروعة التي لا يبقى لها أثر بعد أن تتحول إلى نبات، وبالتالي تكون الدعوة إلى نفس الفِكرة مرةً أخرى غير ذي معنى. على عكس القيّم والمبادئ فالحاجة إليهما دائمة لكونهما من الحقائق الثّابتة الّتي لا تتغيّر ولا تقلُّ أهميّتها مع الزمن.


يتضّح مِمّا سبق، أنّ نوعيّة الحياة الّتي يعيشها الإنسان الفرد لا تكون بِحسب ما يملك من ثروة أو مال، وإنّما بحسب ما يحمل من أفكار، بالفِكر وحده يرتقي الإنسان من الجهل إلى المعرفة، والأفكار البنّاءة هي التي تقود الإنسان إلى النجاح في تحقيق أهدافه.


فالفِكرة مهما كانت تترُك أثراً معيناً على الواقع، سلباً أو ايجاباً، قد تشكِّك في مسلّمة من المُسلّمات، وقد تعزِّز ظنّاً من الظنون، وقد تُنقِذ أمُّةً أو شعباً من كارثة مُحققة، وهذا بالضبط ما أدركه الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بعد فشله في تحرير شبه جزيرة سيناء المصرية من الاحتلال الإسرائيلي، عندما جرّب الحرب في العام ١٩٧٣م، ثمّ سأل نفسه لماذا لا نجرِّب وسيلة أخرى غير الحرب؟ وهكذا جاءته فِكرة المفاوضات مع إسرائيل لاستعادة شبه جزيرة سيناء وإحلال السلام الدائم معها، وكان له ما أراد، ودفع حياته ثمناً لذلك فيما بعد.


لنفكِّر جميعاً ونتبادل الأفكار والآراء حول مختلف القضايا حتى نصل إلى الحقيقة، وأظنُّها غاية جميع الشرفاء .


ليفانت – محمد رجب رشيد  







 



النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!