الوضع المظلم
السبت ٢٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • العلويون في عكار.. سعي متواصل للاستقلال الديني للطائفة 

العلويون في عكار.. سعي متواصل للاستقلال الديني للطائفة 
مدرعات للجيش اللبناني معطلة في شارع سوريا بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة في طرابلس ، لبنان ، 23 أغسطس ، 2012 (VOA / Jeff Neumann)

ليفانت نيوز _ تقارير
آمنة يونس

علي عواضة، شاب لبناني من منبت علوي من سكان منطقة عكار في لبنان، ويطمح للهجرة ومغادرة البلاد، ليس فقط بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية التي تدفع كثيرين غيره للتفكير بالهجرة، بل كذلك لمنعه من ممارسة الطقوس الدينية التي يؤمن بها بحرية.

يضرب عواضة مثلا بفعالية نُظمت العام الماضي، "حفل صغير لإحياء ذكرى ولادة الإمام علي بن أبي طالب بالتنسيق مع بعض الأقرباء. أضأنا الشموع ووزعنا الحلوى واستمعنا لبعض الأنشودات الخاصة بالمناسبة، ولكن للأسف لم يمضِ إلا بعض الوقت حتى بدأت التهديدات تنهال علينا من قبل بعض أهالي المنطقة".

يؤكد عواضة أن عائلات علوية عدة لا تشعر بالأمان في عكار، ويلوم الدولة اللبنانية على ما يرى أنه إهمال يتعرض له أبناء وبنات الطائفة.

يضيف أن بعضهم تعرضوا في السنوات القليلة الماضية لأشكال متعددة من الاستهداف بما يشمل نهب منازلهم وممتلكاتهم، موضحاً أن "متطرفين إسلاميين هاجموا وأحرقوا العديد من المحال التجارية المملوكة لسكان من خلفية دينية علوية في منطقتي عكار وجبل محسن، كما اعتدى متشددون بالضرب المبرح على عدد كبير من العلويين وأرغموا أصحاب المحال على دفع إتاوات مقابل الحماية".


العلويون في لبنان

العلويون طائفة إسلامية من ضمن الطوائف المعترف بها في لبنان وفق نظام الطوائف الدينية الذي تم إقراره عام 1936. وهم مسلمون ينتمون بولائهم لعلي بن أبي طالب، ابن عم الرسول محمد، ورابع خليفة في الإسلام.

يتمركز العلويون تحديداً في محلة بعل محسن (أو جبل محسن) في مدينة طرابلس بنسبة 60%، إضافة إلى تجمعات متناثرة في بلدات المسعودية والسماقية وحكر الظاهري والحوشة وتل حميرة في سهل عكار بنسبة 38%. أما عددهم في كل لبنان فيربو على 65 ألف نسمة تقريباً حسب سجلات النفوس.

في العام 1992 مُنحت الطائفة العلوية حق 2% من نسبة التمثيل البرلماني. وقد أخذوا هذا الحق بفضل اتفاق الطائف، وبعد عام 1990 أصبح في الجيش اللبناني ضباط من الطائفة.

علويو عكار يشكون من الظلم والحرمان

"عندما وصل حافظ الأسد للسلطة في سوريا عام 1970 حصل العلويون في سوريا ولبنان على حقوقهم الطبيعية"، هكذا يبدأ أحمد علي، وهو لبناني من منبت علوي يبلغ من العمر 57 عاما، حديثه حول أوضاع العلويين في لبنان والعلاقات القوية التي تربطها بالنظام السوري.

ويضيف: "لقد اعتدنا أن نشتري الأدوية والوقود وحتى الخضروات من سوريا فالأسعار هناك رخيصة مقارنة بلبنان، ومن جهتي لا أتمنى أن يرحل بشار الأسد لأنه إذا حدث ذلك فسيقضى على العلويين والمسيحيين في هذا المكان".

ويتابع علي قائلا: "بالرغم من تأكيد غالبية العلويين أنهم لبنانيون حتى العظم، فهم لا يستطيعون إخفاء ولائهم المطلق للنظام السوري منذ تسلم حزب البعث مقاليد السلطة في البلاد، دون أن يمنع ذلك بروز شخصيات فردية بين أوساطهم تناصب نظام الأسد العداء". 

ويضيف علي قائلا أن العلويين ناصروا "نظام الرئيس حافظ الأسد عام 1976 عندما حصل انفصال بين الفلسطينيين والسوريين إثر الصراع بين الطرفين، ودعم السوريون آنذاك علويي جبل محسن، وفي المقابل دعم الفلسطينيون من خلال وجودهم أهالي التبانة من السنّة". 

ولطالما اندلعت اشتباكات في فترات زمنية مختلفة بين العلويين والسنة في منطقتي جبل محسن وباب التبانة في طرابلس خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين عام 1975 و1990 بسبب خلافات طائفية وسياسية، ثم في موجات أخرى من الاشتباكات بعد عام 2011.

وخلال الحرب الأهلية، تحالف الحزب العربي الديمقراطي المحسوب على الطائفة العلوية مع سوريا، وانخرط إلى جانب الجيش السوري في قتاله ضد حركة التوحيد الإسلامي السنية التي كانت تتمركز في باب التبانة.

من جانبه، يروي رفعت محفوض (57 عاما)، وهو مصفف شعر في منطقة عكار، كيف أقدم عمه على تغيير مذهبه على الهوية إلى شيعي خلال الحرب الأهلية اللبنانية خوفا من تعرضه للقتل. وحرمه ذلك بطبيعة الحال من الحصول على وظيفة في الدولة باعتبار أنه ليس محسوبا على أي حزب شيعي ذي نفوذ، ولاحقته في ما بعد لعنة الانتماء، إذ أصيب برصاصة خلال إحدى جولات العنف بين باب التبانة وجبل محسن.

ويشير محفوض إلى أن "عددا كبيرا من أهل عكار السنة هم علويون في الأصل، أجبروا على تغيير مذهبهم منذ زمن لأن الطائفة العلوية كانت مستهدفة ومحرومة من إحياء المناسبات الدينية في الوقت الذي تتمتع فيه جميع الطوائف اللبنانية بحقوقها الدينية كافة دون التعرض للمضايقة".

ويشتكي محفوض من أن التقسيم الطائفي يؤثر على علويي المنطقة سلبا بطريقة مغايرة عن الطوائف الأخرى، ويشرح: "نحن نحمل جنسيات لبنانية منذ العام 1932 عندما أجري المسح السكاني، لسنا طائفة جديدة ولسنا غرباء عن النسيج اللبناني"، مضيفاً أنه مع ذلك "لم يكن لدينا الحق بالتوظيف، نقوم بواجباتنا ولا تمنحنا الدولة حقوقنا بسبب التوزيع الطائفي ووفق المحاصصة الطائفية في لبنان".

ويطالب الرجل الخمسيني الدولة اللبنانية بما يصفها بحصة العلويين في القضاء، سواء في القضاء الشرعي أو القضاء المدني. ويقول: "نحن في عام 2022 وما يزال العلويون يتزوجون ويطلقون في المحكمة الجعفرية الشيعية، وهكذا  أصبحت الطائفة  الشيعية هي المرجعية للعلويين قانونا باعتبار أن المجلس الإسلامي العلوي  منذ نشوئه في 2006 أصبح ينتمي  إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي أسسه الإمام موسى الصدر عام 1967".

ويتابع محفوض حديثه بمرارة، إذ "سابقا كانت تتم عقود القران في المحكمة السنية، أما حاليا فهي تتم في المحكمة الجعفرية، والسبب كما يقول البعض هو رغبة سورية مبنية على خلفية العلاقات الجيدة التي تجمع النظام السوري بالقوى الشيعية اللبنانية"، مؤكداً أن "هذا الطرح يزعج معظم الشباب العلويين".

بدورها، تعمل الناشطة الاجتماعية سحر عيد (27 عاما)، التي تنحدر من الطائفة العلوية، على محاولة إيصال شكاوي الطائفة إلى الجهات الرسمية سواء في منطقة عكار أو السلطات المركزية في بيروت، ولكن "دون جدوى"، على حد تعبيرها.

وتؤكد عيد أن عملها "مستمر ولن أكل أو أمل حتى أحقق هدفي وهو تحقيق المساواة بين الطائفتين العلوية والسنية لأن الدستور اللبناني يعترف بطائفتنا"، مردفة أن العلويين لن يتنازلوا عن "حقوقهم الدينية وممارسة طقوسهم الدينية كطائفة مستقلة".

صورة تعبيرية. أرشيف عربات عسكرية للجيش اللبناني في مناطق التماس بين جبل محسن ودرب التبانة

وتبدي عيد تذمرها من عدم قدرتها على سبيل المثال وضع أي شعار ديني يمثل الطائفة العلوية، وتلفت إلى أنها في كل مرة تضع علما يحمل صورة علي بن أبي طالب على شرفة منزلها تتعرض للإهانة والألفاظ النابية من قبل بعض شبان المنطقة عدا عن رشق منزلها بالحجارة.

وتوضح الناشطة الاجتماعية أنها تقدمت بشكوى رسمية إلى الشرطة "لكن دون جدوى.. رغم أنها ليست المرة الأولى التي نتعرض بها للاضطهاد"، وتختم: "من حقنا ممارسة طقوسنا الدينية بحرية، ولا يحق لأحد أن يعتدي علينا".

السنة والعلويون... التعايش بدلا من الصراع

علي عليوان، رجل دين علوي يسكن في منطقة عكار منذ أكثر من أربعين عام يقول إنه لا فرق في عكار "بين سني وعلوي، ولا أحد يستطيع أن يقتلع الآخر"، مضيفا أن ما وصفها بـ"يد غريبة دخلت على الخط لتقتلعنا".

ودعا عليوان إلى ترك العكاريين "للعيش بسلام"، فالعلويون والسنة ليسوا "دخلاء على المجتمع العكاري. طول عمرنا نعيش مع بعضنا ونأكل معا، نحن لا نستغني عنهم وأولادهم رفاق أولادنا"، لافتا إلى أن "حالات الزواج المختلط بين العلويين والسنة أكثر من أن تحصى".

ويشير عليوان إلى أن متاجره تقع في عكار حيث يعمل هناك، ولديه محبون كثر في المدينة لا يسمحون لأحد أن يمسوهم. ويردف أن "الغرباء هم الذين يفتعلون المشاكل، فأهل عكار الأصيلون لا يقبلون أن يحمل أحدهم بندقية ويوجهها إلينا".

ويصر عليوان على نفي وجود أي ارتباط عضوي للعلويين مع النظام السوري، ويقول: "نحن ذبحنا على أيدي السوريين أكثر من غيرنا، كانوا يسحبوننا سحبا من بيوتنا، لسنا سوريي الهوى، لا أحد ينكر هويته اللبنانية".

ويختم الشيخ العلوي بالتأكيد على أنه "لا خلاف مع السنة، قرآننا واحد واحتفالاتنا الدينية تتم في مناطقهم، لا حياة خاصة لدينا في مناطقنا ولا تطرف لدينا، لا أعياد خاصة لدينا ونحتفل بالأعياد الدينية مثل جميع المسلمين".

وبدوره يؤكد عمر أبو بكر، وهو رجل دين سني من عكار أن "السنة والعلويين أخوة ولا يوجد أي صراع ديني أو مذهبي يعكر صفو العلاقة بيننا ولا داعي لأن يخاف أحدنا من الآخر، فهم يمارسون شعائرهم الدينية بحرية تامة"، مردفا: "لكن هنا وفي عكار أيضا توجد مجموعات معينة تحاول استغلالنا لتحقيق مآربها ومصالحها الشخصية".

ويتابع أبو بكر أن الأقلية العلوية "استطاعت أن تتفاعل اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا مع محيطها قبل فترة الأحداث الأمنية في طرابلس 2008، حيث كانت الزيارات المتبادلة واللقاءات ومشاركة الأفراح والأحزان واضحة بين العلويين والسنة".

اقرأ المزيد: عمليات استيلاء جديدة على منازل المدنيين في عفرين

ويتأسف الشيخ السني لأن "هذه العلاقة اختلفت كليا بعد أحداث جبل محسن وباب التبانة، فتراجعت وتيرة الزيارات واللقاءات وانغلقت الطائفة العلوية على نفسها في منطقة جبل محسن والتفت حول قيادة الحزب العربي الديمقراطي الذي يؤمن لها الحماية والاستقرار".

ويختم كلامه بالقول: "لحسن الحظ عادت الأمور إلى طبيعتها بعد عودة الأمن والأمان إلى المناطق الطرابلسية أي بعد عام 2014 وخروج [أمين عام الحزب العربي الديمقراطي] رفعت عيد من طرابلس نحو سوريا". مستنتجا بذلك أن المشكلة لم تكن طائفية على الإطلاق بين العلويين والسنة، بل كانت مشكلة سياسية بامتياز وتخضع لقرارات سياسية محلية وخارجية.

 

ليفانت نيوز _ خاص

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!