الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • العلاقات الدولية والإقليميّة في ذهنيّة الحركة الكردية (سوريا)

العلاقات الدولية والإقليميّة في ذهنيّة الحركة الكردية (سوريا)
محمد خير بنكو


منذ بداية الحراك السوري انقسمت الحركة الكردية في كردستان سوريا إلى قسمين، تف دم (منظومة الآبوجية) والمجلس الوطني الكردي، اختار المجلس الوقوف إلى جانب المعارضة متأملاً نهاية سريعة للنظام إسوة بالثورات العربية التي سبقتها، بينما اختارت تف دم الوقوف إلى جانب النظام متأملة الحصول على تنازلات من النظام الذي كان يفقد سيطرته على الأرض السورية يوماً بعد آخر.


حاول المجلس بكل طاقته الوصول إلى تفاهم واتفاق مع المعارضة وكانت النتيجة، الوثيقة الموقعة مع الائتلاف، رغم بعض المآخذ على تلك الوثيقة لكنّها ظلت أفضل ورقة رسمية موقعة مع المعارضة السورية آنذاك. لكن رغم انتزاع تلك الورقة فشل المجلس في دفع الائتلاف إلى تنفيذ بنود الاتفاق، فبقيت الوثيقة ملجأ لغبار أدراج الائتلاف ولم يتم تنفيذ أي بند من بنوده، فعلى سبيل المثال، ظلّ الائتلاف وحكومته المؤقتة تستخدم اسم (الجمهورية العربية السورية) في خطاباتها الرسمية المكتوبة رغم اتفاقها مع المجلس على تسمية (الجمهورية السورية)، كما أنّه هناك بند في الوثيقة يقول: (١٢- يعمل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على إقامة فعاليات وأنشطة تساهم في التعريف بالقضية الكردية في سورية والمعاناة التي مر بها المواطنون الكرد على مدى عقود من الحرمان والتهميش، بهدف بناء ثقافة جديدة لدى السوريين قائمة على المساواة واحترام الآخر)، ولم يهتم الائتلاف بكل ما ورد.


في الطرف الآخر، استطاع الآبوجية وقف الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة ضد النظام بالقوة مستخدمة كافة وسائل الضغط والترهيب من اعتراض المظاهرات إلى استخدام منظومة (جوانن شورشكر) إلى استخدام القوة والسلاح والقتل، فاعترضت المظاهرات السلمية مخترعة الحجج بل واستهدفت النشطاء في كل منطقة كردية كإشارة لاستعدادهم لتصفية أي رمز للنشطاء إن لم يتوقف الحراك. استلمت إدارة شكلية للمنطقة من النظام مقابل القضاء على الحراك الثوري، حملوا سلاح النظام الذي شكل منطقة أمنية له في كل من الحسكة والقامشلي لإدارة المنطقة بأيادٍ آبوجية، وجمعت مفارزها وقواتها في تلك المناطق مع الاحتفاظ بالدوائر الرسمية كدوائر النفوس والمحاكم وغيرها.


بعد مرور تسع سنوات على بداية الحراك، نجد أنّ كلا الطرفين لم يستفيدوا من التجربة القاسية التي عانى منها شعبنا الكردي جرّاء سياساتهم السطحية، المبنية على الاحتمالات والعاطفة، دون استقراء الأحداث ومراجعة التجارب التي مرت، فمن جهة نجد بأنّ المجلس ما زال أسير خوفه من مواجهة شركائه في الائتلاف والضغط عليهم لتنفيذ بنود الوثيقة الموقعة، بل إنّ قيادات المعارضة والائتلاف أمعنوا في تهميشهم والإساءة إلى القضية الكردية منذ تصريحات الزعبي، مروراً بتصريحات هيثم المالح وأحمد طعمة، وصولاً إلى تصريحات نصر الحريري، التي يشتم منها رائحة العنصرية المقيتة ومعاداة أي تطلع كردي سوري، إرضاء للنظام التركي المتحكم بزمام الأمور في الائتلاف، هذا النظام الذي اجتاح المنطقة الكردية بحجة وجود حزب العمال الكردستاني. وبذلك لم يستطع المجلس الوطني الكردي أن يقنع شركاءه في الائتلاف بمشروعية القضية الكردية.


في الجهة الأخرى، نجد بأنّ الآبوجية، رغم التضحية بعشرات آلاف الشهداء، لم يستطيعوا أن يحصلوا على أي اعتراف رسمي من النظام السوري الذي يحاول بشتّى الوسائل العودة إلى ما كان عليه قبل الحراك، واسترجاع المناطق التي سلمها إلى الآبوجية، لكن بين المرحلتين هناك الكثير من التغييرات التي ينطلق منها الآبوجية للحصول على مكاسب مقابل ذلك. بالنتيجة ،كما المجلس، لم يستطع الآبوجية فرض أي اعتراف رسمي رغم امتلاكهم للقوة العسكرية الهائلة المدعومة من التحالف الدولي.


إقليمياً ودولياً، ما زال الطرفان يسيران وراء سراب أحلامهم في الحصول على الدعم والمكاسب دون أي سعي جدي في تحريك غريزة المصلحة لدى القوى العظمى وتوجيهها نحو المنطقة، فالمجلس ما زال منضوياً في إطار الائتلاف السوري الذي يشرعن الاحتلال التركي للمناطق الكردية، بل يتبنّى المرتزقة المجرمين الذين يرتكبون أبشع الجرائم بحق تلك المناطق، من خطف وقتل وقلع للأشجار وسرقة الآثار، تحت سمع وبصر الدولة التركية المحتلة، وبمباركة من الائتلاف، كما أنّه ما زال يراهن على أنّ النظام التركي يعادي PKK دون بقية الكرد، رغم الدلالات الواضحة التي تشير إلى أنّ النظام التركي يتّخذ من PKK حجة لضرب أي تطلع كردي، وهذا ما لم يستطع النظام إخفاءه على لسان رئيسه أردوغان والعديد من قياداته في مناسبات عديدة، كالاستفتاء الذي جرى في إقليم كردستان العراق. كما أنّ الآبوجية لم يقتنعوا للآن بأنّ أولويات كرد كردستان سوريا تختلف عن أولويات كرد كردستان الشمالية، وبأنّ محاربة النظام التركي وأردوغان ليست مهمة كرد كردستان الغربية، ومن الضروري انتهاج سياسات دبلوماسية أكثر حنكة في التعامل مع الدولة التركية التي تشاركنا قرابة ألف كيلو متر من الحدود، كما تفعل حكومة إقليم كردستان، لكي لا يستفيد النظام التركي من حججه وادّعاءاته بمحاربة حزب العمال الكردستاني. بل ما زال ممعناً في رفع صور زعيمه المعتقل في سجن إمرالي في المدن والبلدات الحدودية المتاخمة للحدود مع تركيا، وما زالت شعاراته الأساسية (لا حياة بدون القائد – يسقط أردوغان)، هذه الأعمال التي تعزّز حجج وذرائع تركيا أمام العالم والتحالف الدولي لاجتياح ما تبقى من المنطقة بحجة محاربة الإرهاب.


لقد استفادت المعارضة وخاصة الائتلاف من وجود المجلس الوطني الكردي لكسب المزيد من الشرعية، بكونها تمثّل كل مكونات الشعوب السورية، فأيّة معارضة لن تكون معارضة شرعية ومعترفة دولياً ما لم تضمن وجود التمثيل الكردي، كما استفادت تركيا من الطرفين، من وجود المجلس الوطني في المعارضة للإشارة إلى أنّ النظام التركي يحتضن المعارضة السورية ومن ضمنهم الكرد، وذلك لتوجه رسالة إلى الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بأنّها لا تحارب الكرد كشعب، وإنما تحارب حزب العمال الكردستاني (المصنّف في قائمة الإرهاب)، كما استفادت بشكل أكبر من PYD الذي أمن لتركيا كل الحجج والذرائع اللازمة لمحاربة أي تطلع كردي في كردستان الغربية، واحتلت عفرين ولاحقاً سري كانييه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) وما زالت تسعى لاجتياح باقي المناطق الكردية بنفس الذرائع والحجج.


انضم المجلس الوطني الكردي الى الائتلاف في وقت كان الائتلاف الإطار الشرعي للمعارضة السورية والمعترف والمدعوم من الغالبية العظمى من دول العالم، ورغم تراجع مكانة الائتلاف وخاصة بعد تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات وانضمام منصّة القاهرة وموسكو وممثلي الفصائل العسكرية إليها، ورغم انتزاع المجلس لشخصية اعتبارية مستقلة له في تلك الهيئة ظلّ ملتزماً بالائتلاف الوطني السوري، الذي بات أسير السياسات التركية وواجهة سياسية للفصائل المرتزقة التي ترتكب كل الموبقات بحق الموطنين المدنيين في عفرين وبقية المناطق المحتلة من قبل الدولة التركية.


بعد التجربة العراقية والخسارة الكبيرة لجنودها، غيرت الإدارة الأمريكية من سلوكها في محاربة التطرّف وذلك بالاعتماد على قوات محلية تقوم هي بتمويلها بالسلاح والعتاد ودعمها بالخبراء العسكريين وتغطيتها جوياً، لكنها فشلت في إيجاد فصيل مقاتل على الأرض السورية يمكنها الاعتماد عليه في محاربة داعش والنصرة، بعد فشلها مع ما يسمى بالجيش الحر، فلم تجد بديلاً سوى الاعتماد على قوات حزب الاتحاد الديمقراطي السوري بعد تسميتها بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عملت قوات سوريا الديمقراطية مع التحالف الدولي في محاربة داعش مقابل الدعم المادي والسلاح ودون أيّ اتفاق سياسي وهذا ما ذكره الرئيس ترامب في تغريدة له بكل شفافية ووضوح ، كما صرّح بها أكثر من مسؤول من الاتحاد الديمقراطي، وهذا ما جعل الولايات المتحدة الامريكية غير ملزمة بالدفاع عنهم في مواجهة الجيش السوري أو التركي ، وهذا ما حصل عندما انسحبت الولايات المتّحدة الأمريكية من مواقعها القريبة من سري كانييه (رأس العين) لإفساح المجال لتركيا والفصائل المرتزقة لاجتياح تلك المنطقة. لذلك فشلت المنظومة الآبوجية في الحصول على اتفاق سياسي مع أمريكا، كما فشلت مع روسيا أثناء احتلال عفرين، وفشلت قبل ذلك في الوصول إلى تفاهم مع النظام لأنّ تعاونهم معه في البداية لم يكن مبنياً على أية اتفاقية تضمن لهم الاعتراف. لم يكن المجلس الوطني الكردي أكثر حظاً منهم من جانب القوى الدولية المؤثرة في الشأن السوري، فرغم الكثير من اللقاءات لم يساعد الروس المجلس في الضغط على النظام للقبول بطرحه السياسي في دولة لامركزية، كما لم يساندهم الأمريكان في الضغط على المعارضة أو الضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي لقبول شراكة المجلس أو الكشف عن مصير معتقليه في سجونهم.


خلاصة الأمر، لم يستطع الطرفان أن يساهما في التقاء مصلحة القضية الكردية مع مصالح القوى العظمى لكي تصل هذه القضية إلى بر الأمان وترى النور، لذلك لم يبقَ أمام المجلس الوطني الكردي ومنظومة الآبوجية سوى استغلال فرصة الرعاية الأمريكية للحوار الكردي الكردي الجاري حالياً، للتوصل الى اتفاق شامل بعيداً عن تدخلات المحاور الكردستانية وخاصة قنديل، اتفاق ينهي حالة الانقسام ويساهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة، قبل أن يملّ الأمريكان ويصرفوا النظر عن هذه الحوارات الماراثونية، وليس بغريب على الإدارة الامريكية التي غضت الطرف عما حصل في كركوك رغم العلاقات المميزة التي تربطهم بقيادة إقليم كردستان.


ليفانت – محمد خير بنكو








 




العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!