الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٣ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • الطُغاة فرصة روسيا للسيطرة والتمدّد.. وبيلاروسيا على طريق سوريا

الطُغاة فرصة روسيا للسيطرة والتمدّد.. وبيلاروسيا على طريق سوريا
روسيا


يبدو أنّه درِّب الطُغاة جميعاً لدخول التاريخ، لكن بطبيعة الحال من بواباته الخلفية، التي لن يذكروا معها قبل أن تسبقهم إليها لعنات الشعوب الموبوءة بأنظمة تختزل الأوطان في ذاتها، وتضع شعوبها في خدمتها عكس ما يفترضه المنطق من آية معاكسة، كالنموذج الذي ظهر في سوريا، من نظام اعتلى ظهر شعوبه، الأمر الذي يبدو أنّه يتكرّر مرة أخرى وفي بقعة أخرى من الأرض تسمى “بيلاروسيا”.


كيف بدأت القصة؟


فهناك، عُقدت انتخابات رئاسيّة، في التاسع من أغسطس، شهدت حملتها قمعاً عنيفاً واعتقالات استهدفت مرشحين ومتظاهرين للمعارضة، واتهم الرئيس ألكسندر لوكاشينكو الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ 1994.


وعقب أن صدرت نتائج الانتخابات، معلنةً فوز لوكاشينكو بـ80.1 في المئة من الأصوات، انطلقت احتجاجات المعارضة في كل أرجاء البلاد، مطالبة بإعادة الانتخابات وهو ما رفضه لوكاشينكو، في السادس عشر من أغسطس، عندما خاطب تجمعاً لأنصاره في العاصمة مينسك، وقال إنّ “بيلاروس ستهلك كدولة إذا وافقت على إعادة إجراء انتخابات”.


 


وعلى النقيض، واصل الإعلام العالمي حديثه عن الاحتجاجات في بيلاروسيا ضد عملية تزوير الانتخابات، وقمع قوات حفظ الأمن للمتظاهرين، حيث تم اعتقال المئات منهم، فيما تحدّث العديد من المعتقلين، الذين تم الإفراج عنهم لاحقاً، عن تعامل السلطات معهم، إذ جرى ضربهم بشدة على أعضائهم التناسلية، ومنحوا قمصاناً عليها أرقام محددة، قالوا لهم في المعتقلات “لم تعودوا تملكون أسماءكم، الآن أصبحتم أرقاماً”.


لوكاشينكو والبحث عن الغطاء


في بداية الأمر، اتهم لوكاشينكو موسكو بمساندة معارضيه، وهو ما نفاه الكرملين في ذلك الحين، إذ عادة ما تكون العلاقات بين روسيا وبيلاروسيا ودية، إلا أنّها تعيش بعض التوتر من حين إلى آخر بسبب خلافات مرتبطة بالطاقة.


ومع إدراك لوكاشينكو أنّ الأمور خرجت عن سيطرته فعلياً نتيجة مواصلة التظاهرات رغم القمع والترهيب، وتطرّق الأطراف الدولية إلى قضية بلاده، بدى الرجل مدركاً أنّ الأوان قد حان للبحث عن غطاء يستظلّ به، ويواصل عبره حكمه ولو على أشلاء الشبان من شعبه، وهو هنا لا يحتاج إلى البحث في التاريخ عن مثال يمكن أن يستحضره ليستفيد من تجربته في حماية كرسيه المتهالك، ففي سوريا الحالية، يبدو المثال مستحبّاً إلى لوكاشينكو، إذ اختار رأس النظام السوري الاستحماء بالغطاء الروسي، وقد نجح في ذلك إلى حدًّ ما، وإن كان على حساب شعبه وتدمير بلاده، وبيعه لها تحديداً لروسيا بالجملة والتجزئة.


 


وعليه، اتصل لوكاشينكو مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في السادس عشر من أغسطس، ويبدو أنّ لوكاشينكو قد كان بدأ بتقديم فروض الطاعة والتنازلات لقاء حمايته وعرشه، وهو ما يبدو أنّ الجانب الفرنسي قد تلقفه، عندما دعا الرئيس إيمانويل ماكرون، الاتحاد الأوروبي لدعم المظاهرات في بيلاروسيا، وكتب على حسابه على “تويتر”: “على الاتحاد الأوروبي أن يكمل حشد الدعم لمئات الآلاف من مواطني بيلاروسيا، والذين يحتجون سلمياً للمطالبة باحترام حقوقهم وحريتهم وسيادتهم”، في إطار مسعى أوروبي لمنع موسكو من التمدّد هناك، بينما كان عشرات الآلاف من معارضي لوكاشينكو يتظاهرون مطالبين برحيله من منصب الرئاسة وإطلاق سراح المعتقلين.


موسكو تُخرج مجلس الأمن من الخدمة


ولا عجب أنّ لوكاشينكو قد لجأ إلى موسكو لحمايته، لكونه مطلعاً على ملف الاستخدام الروسي لحق النقض الفيتو لعشرات المرات، بغية حماية النظام السوري في أوج أوقات ضعفه، وهو أمر ما يزال متواصلاً حتى يوماً هذا، رغم أنّ مجلس الأمن، قد ناقش في الثامن عشر من أغسطس، الوضع في بيلاروسيا، وقد جرت جلسة مشاورات مغلقة بدعوة من إستونيا، التي أبدى وزير خارجيتها أورماس رينسالو عن قلقه حيال “الاستخدام المفرط للقوة” خلال تفريق الاحتجاجات في بيلاروسيا.


 


لكن لم تعد الجهود الدولية مهمة كثيراً، فلوكاشينكو قدم ما قدمه لموسكو، وهي التي ستتكفل من الآن فصاعداً بمهمة الدفاع عنه في المحافل الدولية، وهو ما يمكن الإشارة إليه من تغريدة نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، على “تويتر”، حيث قال إنّ الوضع في بيلاروسيا شأن داخلي لها، وليس موضوعاً للنقاش في مجلس الأمن الدولي.


لوكاشينكو واللعب على الوتر الروسي


وضمن ذات الإطار، سعى لوكاشينكو إلى حصر الخيارات الروسية في نفسه، من خلال الادعاء بأنّ برنامج وأهداف المعارضة، يدفعان إلى الصدام مع روسيا، مناشداً الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دعوة المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، لعدم التدخل في شؤون بيلاروس الداخلية.


وهو ما تلقفه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فقال في الثالث والعشرين من أغسطس، إنّ الغرب يريد من خلال اقتراحاته رسم صورة بيلاروسيا وفقاً لأدواته، مضيفا أنّ الشعب البيلاروسي وحده من يقرّر كيف يخرج من الأزمة، وهو حديث روسي يبدو مكرراً ومسموعاً مسبقاً، لكن في سوريا، التي هجّر نصف شعبها، وما زالت موسكو تتحدّث عن خياراته.


 


موقفٌ شدّ من عضد لوكاشينكو، ليدخل الرجل في ذات اليوم، إلى مقرّ إقامته في العاصمة مينسك، وهو يلبس بزّة واقية من الرصاص ويحمل بندقية كلاشينكوف، في رسالة واضحة للمعارضين بأنّهم إن واصلوا المطالبة بالإطاحة به، فإنّه لن يتوانى هو عن استخدام السلاح لردعهم، خاصة أنّه ضمن كما يبدو الضوء الأخضر الروسي، وبالتالي فإنّ غرقه في دماء شعبه سيفيد موسكو أكثر مما قد يضرّها، كونه سيتيح لها المزيد من المجال للتدخل في الشأن الداخلي البيلاروسي على شاكلة فعلتها في سوريا، إلى الدرجة التي مكّنت بوتين من تنصيب ممثل رئاسي روسي في دمشق.


بوتين يعترف بلوكاشينكو ويعايده بميلاده


وفي تأكيد واضح على أنّ الجانب الروسي سيواصل دعم لوكاشينكو، وأنّ الأخير بات الخيار الأمثل لروسيا بغية السيطرة والتمدّد، أكّد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في التاسع والعشرين من أغسطس، اعترافه بنتائج الانتخابات الرئاسية في بيلاروس التي عقدت في التاسع من ذات الشهر، ولم يكتفِ بوتين بذلك، بل وهنّأ لوكاشينكو بعيد ميلاده في اتصال هاتفي في الثلاثين من أغسطس، حيث اتفقا خلال الاتصال على عقد لقاء في موسكو في غضون “أسابيع قليلة”.


ومما سبق، يتجلى أنّ المأساة السورية ربما لم تكن مشجعة لشعوب أخرى على الانتفاض في وجه أنظمة تعتلي صدورها، لكنها حتماً لتحثّ المزيد من الطغاة على مواصلة استبدادهم، كونهم باتوا متيقنين أنّ ثمن الدماء المهدورة يمكن أن يشطب بجريرة قلم في موسكو.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة







 



النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!