-
الصين وروسيا.. والمُساندة المشروطة بعدم التضرر اقتصادياً
منذ بدء الغزو الروسي على الأراضي الأوكرانية، في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، تنصب كل الجهود الغربية سواء الأوروبية أو الأمريكية، على كيفية توجيه ضربة قوية لموسكو، قد تردعها وتدفعها لوقف العمليات الهجومية، والانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال الأعمال العسكرية، وهو مطلب يبدو بعيداً، مع دخول تلك العمليات يومها الثاني والخمسين، خاصة أن الظهير الأول لموسكو في الشرق وهي الصين، متماسكة بالتحالف معها، رغم كل الضغوط والإغراءات الغربية.
أمريكا وتجنب المواجهة مع الصين
في البداية، اختارت واشنطن، طريق اللين مع بكين، من خلال الترويج لكون الصين ليست مشتركة بالضرورة مع موسكو في رغبة توجيه ضربة عسكرية لكييف، فقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، في الثلاثين من يناير، أي قبل نحو شهر من بدء العمليات العسكرية الروسية، إن الولايات المتحدة لا ترى أي مؤشر يدل على مشاركة الصين في الوضع حول أوكرانيا.
اقرأ أيضاً: اليورو يهوي أمام الدولار والروس يعتمدون اليوان الصيني في معاملاتهم التجارية
لكن الأمور تبدلت بعد ذلك، إلى محاولة تحذير واشنطن لبكين، فقال قائد القوات الجوية الأميركية في المحيط الهادئ الجنرال كينيث ويلسباخ، في السادس عشر من فبراير، إن الصين قد تستغل أزمة أوكرانيا في عمل "استفزازي" بآسيا، في محاولة لمعرفة مستوى ردود الفعل الدولي، وأضاف أن الصين انحازت إلى روسيا خلال هذه الأزمة "ما أثار تساؤلات حول نواياها في آسيا".
الصين تلوم أمريكا
الصين بدورها، كان لها موقف واضح مع بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، من أنها تعتقد بأن للروس لديهم من يبرر لهم الهجوم، بزعم وجود مخاطر أمنية تهددهم، فقال المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان، في تعليقه على الأحداث حول أوكرانيا، في السابع والعشرين من فبراير، إن الولايات المتحدة يجب أن تسأل نفسها من بدأ بكل ذلك.
وأرفق الدبلوماسي الصيني تغريدته برسم كاريكاتوري، ظهر فيه العم سام وهو يطرح سؤال: "لماذا لا تبذل الصين المزيد من الجهد لإخماد الحريق؟"، وخلال ذلك يقوم العم سام بواسطة البنزين بإخماد الحريق في أوكرانيا، فيما كان قد قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، في محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الخامس والعشرين من فبراير، إنه يجب في الوضع حول أوكرانيا، التخلي عن عقلية الحرب الباردة واحترام المصالح الأمنية المشروعة لجميع الدول.
اقرأ أيضاً: خطة الصين للبنية التحتية بـ2.3 تريليون دولار
موقفٌ لا بد وأن يجلب رداً أمريكياً، نوهت له صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في الثامن والعشرين من فبراير، بأن واشنطن قررت "معاقبة" الصين حال انخراطها في ممارسة أي أنشطة مع روسيا، تقع تحت العقوبات الغربية، مشيرةً إلى أن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن العقوبات ومناقشات الأمم المتحدة، تهدف جزئياً إلى جعل بكين تشعر بعدم الارتياح للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وأوضحت أن الولايات المتحدة تريد إبعاد الصين عن شراكتها الوثيقة مع روسيا، مبينة أن المسؤولين في واشنطن قالوا إن إحدى الخطوات هي جعل بكين تشعر بالألم بسبب التدخل العسكري الروسي، مضيفين أن هجوم روسيا واسع النطاق على أوكرانيا، يمثل فرصة لإجبار الصين على الاختيار بين الوقوف إلى جانب روسيا، أو الحفاظ على علاقات اقتصادية قيّمة مع أوروبا والولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم.
دعوات أوروبية للصين
وعلى الجانب الآخر من الأطلسي، كان الأوروبيون أيضاً، حذرين حيال الموقف الصيني، فذكر مفوض الاتحاد الأوروبي السامي للسياسة الخارجية والأمنية، جوزيب بوريل، في السابع من مارس الماضي، أنه طلب من وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، المساعدة في تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا.
اقرأ أيضاً: ولي العهد السعودي والرئيس الصيني يبحثان العلاقات الثنائية
وتابع بوريل: "بحثنا الأوضاع الراهنة وأسبابها واستمرارها المحتمل... طلبت من الصين لعب دور محتمل والتحول إلى جزء من الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف فوري لإطلاق النار وتمرير المفاوضات، من الواضح أن الصين يمكنها أداء دور"، وذلك عقب أن أعربت الصين على لسان وزير خارجيتها عن استعدادها للتوسط بين روسيا وأوكرانيا ومواصلة لعب ما وصفته بالدور البناء في تحقيق المصالحة وتحفيز المفاوضات.
الدعم الاقتصادي الصيني لروسي
لكن في العموم، ورغم دعوات الحوار والحل الدبلوماسي، لم يمنع ذلك الجانب الصيني من مساندة روسيا، إن لم يكن عسكرياً، فاقتصادياً، وهو لربما أهم عوامل صمودها الاقتصادي رغم آلاف العقوبات التي طالت الدولة وأفرادها ومؤسساتها، ما دفع الأمريكيين للتنبيه، إذ حذر مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي جيك ساليفان، في منتصف مارس، الصين من أي "محاولات لدعم الاقتصاد الروسي والتقليل من تداعيات العقوبات الغربية ضد روسيا".
اقرأ أيضاً: تايوان: التهديدات الصينية لن تؤدي إلا إلى زيادة الدعم لتايبيه
وقال ساليفان لقناة CNN : "نتابع عن كثب الحجم الحقيقي للدعم المادي والاقتصادي الذي تقدمه الصين لروسيا، لقد أبلغنا بكين بأننا لن نسمح ولن تقبل بأن تحاول أي دولة كانت تعويض خسائر روسيا الاقتصادية"، مضيفاً أن مثل هذه المحاولات ستكون لها "عواقب" بالنسبة للصين، بينما أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي، في التاسع عشر من مارس، أن الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات على الصين إذا دعمت بكين موسكو في الأزمة الأوكرانية، قائلةً: "لدينا عدد من الأدوات التي يمكن النظر فيها، والعقوبات هي إحدى الأدوات".
الصين.. اقتصادي اولاً
رغم أنه من غير الوارد، حدوث تغيير على الموقف الصيني في المدى المنظور، تبقى بكين ساعية من جهة ثانية لضمان عدم تضرر اقتصادها من الهجوم الروسي، ولعل ذلك من دفعها في الثاني من أبريل الجاري، للقول بأنها ليست طرفاً في النزاع الأوكراني، وتأكديها على أن علاقاتها التجارية مع البلدان الأخرى، بما في ذلك روسيا، يجب ألا تتأثر.
اقرأ أيضاً: الصين توافق على اختبار لقاحين ضد "أوميكرون"
حيث قال مدير القسم الأوروبي بوزارة الخارجية الصينية، وانغ لوتونغ، إن بكين تدعم المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا، داعياً إلى عدم المبالغة في الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين في هذا النزاع، مدعياً أن النزاع لن ينتهي فقط لأن بكين طلبت ذلك، وموضحاً أن "الأعمال العسكرية هي قرار اتخذته دول ذات سيادة، وهذا كان قراراً روسياً مستقلاً، ولا يجدي أن نلجأ إلى روسيا ونقول: يجب أن توقف هذه الحرب، وسيوقفونها".
وعليه، يبدو أن الصين تسعى للبقاء في صف موسكو، ومساندتها بشكل المستتر، تجنباً لتلقي عقوبات مشابهة لتلك التي تعرضت لها موسكو، خاصة أن الاقتصاد الصيني يفوق الاقتصاد الروسي بكثير، وبالتالي فإن أي عقوبات مشابهة للعقوبات على روسيا، قد تطحن مساعي الصين نحو الاقتصاد الأول عالمياً، وهو المركز الذي تتربع عليه واشنطن بجدارة.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!