-
الصراع في قلب الشرق
على مدار العقد الماضي عكف كثير من المحللين على دراسة وتحليل طبيعة مايحدث في قلب الشّرق الأوسط، سوريا، وتحوّل ذلك الصراع بين شعب وحاكم مستبد لنظام ديكتاتوري، إلى بوابة من صراع بين المصالح الإقليمية فيما بينها، وإلى ساحة صراع دولي على هذه المنطقة، التي تتميز بخصائص كثيرة من حيث الموقع الجيوسياسي، مضافاً إليها الأهمية الاقتصادية والعسكرية التي جعلتها قبلة ومقصد لكتلة المصالح الدولية، التي وجدت من الصراع الدائر في سوريا بوابة للولوج وتحقيق أهداف كثيرة لها في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
والمتابع لما جرى، يرى أنّ كتلة المصالح الدولية إلى أمد قريب لم تكن معنيّة بإنهاء الصراع في سوريا بقدر عنايتها بإدارته وتحويله إلى حالة دائمة، ومنع نهايته بأي شكل من الأشكال ليتسنّى لها تحقيق ماترغب بتكلفة أقلّ. فسوريا بموقعها الاستراتيجي الهام حيث شاءت الأقدار أن يكون الصلة بين الغرب والشرق، وفي منطقة تعتبر صلة الوصل للطرق التجاريّة، بين أوربا وآسيا بالاضافه لحساسيّة هذا الموقع، كونه يقع بقلب منطقة الصراع العربي الإسرائيلي، الأمر الذي جعل لسوريا أهمية في مسألة الأمن الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط، بل يتعدّى ذلك لمسألتي الأمن والسلم الدوليين، الذي تعدّ منطقة الشرق الأوسط مفتاحه، واستقرارها مهم جداً لمسألة السلم الدولي، يضاف الى ذلك، ماتتمتع به سوريا من كونها مولد الحضارات التي أثّرت في البشرية بأبجديتها وغناها وتراثها الحضاري العالمي، ومضافاً لما سبق، تنوّع إثنياتها الدينيّة والقومية، وحالة التمازج الغريب والفريد والتسامح بين الحضارات والثقافات والأديان على هذه الارض.
ولايخفى على أحد، الموارد الاقتصادية من الثروات الباطنية، غاز ونفط وفوسفات، والتي تتواجد في هذا البلد ويتركّز معظمها في شرقه، والمردود الزراعي الكبير، وتنوع الاقتصاد السوري أكسب هذا البلد بعداً إضافيّاً، وجعله محطّ أنظار القوى العالمية.
إنّ حجم التدخل الدولي الكبير في سوريا وتواجد القوى الكبرى في هذا العالم، إنّ دلّ على شيء، فهو يدلّ على الأهميّة الكبيرة له على أجندة مصالح هذه القوى، التي فتحت لها الأزمة السورية باباً واسعاً لهذا التدخل، ولكلّ منه ذريعته في هذا التدخل تحت شعارات تختلف، بين قوة وأخرى، وحجم وآخر، ومصلحة وأخرى، مع اختلاف أثمان هذا التدخل الذي يطمح كل طرف فيه تحقيق مكاسب في هذه المنطقه الحيويه من العالم.
إلّا أنّ الطرف الأقوى في هذا التدخل هو الذي حقّق جميع مايرغب به بدون أن يقدّم أي ثمن، حيث يتربّع على تلّة الشرق السوري مسيطراً على مانسبته 70 بالمئة من القدره الاقتصادية لهذا البلد، إن كانت ثروات باطنيه أو زراعيّة، فهو حليف جميع القوى في سوريا، الإقليميّة والدولية، باستثناء الإيراني وعدوّهم بآن واحد، وبالتالي فالجميع مطالب بتقديم كل شيء بدون مقابل، فالإمساك بملف الصراع في سوريا وإدارته، كان الوسيلة الأكثر نجاعة للولايات المتّحدة في تحقيق ماترغب به في سوريا من خلال إمساكها بجوانب هذا الصراع، فهي تمسلك بملف مكافحة الإرهاب وتديره وفق مايحقّق مصالحها، وبنفس الوقت تتحكم بملف الصراع الدائر في الشمال بين تنظيم (PYD) وحليفتها تركيا، وتوازن بشكل دقيق بين صراع المصالح الروسية والتركية وتتفهم طبيعة هذا الصراع وتبقيه في حدود تحقيق مصالحها، وتراقب وتوجه عن كثب التوافقات فيما بين طرفي الصراع الذي يتحكّم بطرفي النظام السوري والمعارضة السورية، وبنفس الوقت تترك هامشاً ضيقاً لكل قوّة تتحرّك به، وفق مايتناسب مع مصالحها من جهة، ومن جهة أخرى، تدير معركتها ضدّ إرهاب النظام الإيراني وخطره المتزايد على المنطقة وتبقي السياسة الاقتصاديّة والعسكرية لحلفائها في دول الخليج العربي، في حدود السياسة التي ترسمها لمكافحة هذا الخطر، وتحافظ على أمن حليفها الأقوى في الجنوب، وتوجّه باستمرار ليكون الحلّ القادم في سوريا هو بوابة لحلّ مسألة الصراع العربي الاسرائيلي، وإقفال ملفّه نهائيّاً.
ومع كل هذه التجاذبات والتشابكات في المصالح وتوافقاتها وتناقضاتها، لازالت السياسة الأمريكية مَن ترسم وتحدّد وتضبط آليات تحرّك الأطراف الإقليمية والدولية في سوريا
أما الطرف الثاني في هذا التدخل، والذي سيتحمل لاحقاً الكثير من نتائج هذا التدخل، هو الطرف الروسي، إذ يظنّ الكثيرون أنّ السبب الرئيسي لهذا التدخل هو دعم النظام السوري، وهذا جزء بسيط جداً من السبب الرئيسي لهذا التدخل، ويكمن العامل الأهم في هذا التدخل، حاجة الروس إلى العودة لطاولة التفاوض مع القوى العالمية، أمريكا وأوربا، بعد ملف القرم وجورجيا، وحاجة الروس للإمساك بأوراق مهمه في ساحه لاتقلّ أهمية عن الساحه الأوربيّة، وهي الساحه السورية.
فالروس لايعنيهم الأسد كثيراً، بالرغم ماقدموه من دعم للنظام، وإنما الدافع لهم هو تحقيق مصالحهم على الصعيد الدولي وعودتهم إلى الساحة الدولية بقوة، وهناك عوامل أخرى دفعت الروس لهذا التدخل، وأهمها الجانب الاقتصادي والحصول على موطئ قدم في البحر الأبيض المتوسط بعد خسارتها الكبيرة لأوراقها في العراق وليبيا إبان سقوط القذافي، بالمحصلة لايوجد في السياسة الدولية جمعيات خيريّة وأخلاق توجّه هذه السياسات بقدر ماتوجهها المصالح. أما نحن السوريون، ففي الوقت الذي يبحث الجميع عن مصالحه ويسعى لتحقيق أهدافه، من خلال الاستئثار بالقرار الوطني السوري ورهنه لهذا الطرف او ذاك، ولهذا السبب أو ذاك، فلابد في المحصلة من السعي لتحقيق مصالحنا الوطنية التي يفرضها انتماؤنا لسوريا كمواطنيين يدفعون الثمن الأكبر من التراب والدم السوري، والعوده إلى الوقوف مع أنفسنا ومراجعة كل شيء، واتّخاذ مصالحنا الوطنية بوصلة وحيده توجّه أعمالنا وأفعالنا وأقوالنا، والاعتماد في تحالفاتنا الخارجيّة على الأطراف التي تلتقي مصالحها مع مصالحنا الوطنيّة، المتمثلة بوحدة الأراضي السورية، وحلّ المأساة السورية وفق قرارات الشرعيّة الدوليّة ذات الصلة، بعيداً عن غوغائيّة الشعارات وحملتها، ممن رهنوا أنفسهم لكتلة المصالح، لتحقيق مصالح ضيقة، وهذا ينطبق على طرفي الصراع في سورية، دعوهم جميعاً، ولتكن البوصلة سوريا فقط.
– عبد العزيز مطر
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!