الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الصراع الحالي حول إدلب، في سياقه وأهدافه ومآلاته
الصراع الحالي حول إدلب،في سياقه وأهدافه ومآلاته

لماذا تحوّلت العلاقة "التركية الروسية" حول الصراع في سوريا من مرحلة التنسيق المستمرّة منذ اتّفاق سوتشي الأوّل حول مناطق خفض التصعيد ٢٠١٧ (إذا لم يكن منذ ٢٠١١)، إلى مواجهات دبلوماسية، وعسكرية مفتوحة عبر الوكلاء، منذ مطلع العام الحالي؟. الصراع 


وما هي حقيقة مواقف الأطراف الأخرى، الأمريكية والأوربية؟.


أوّلا، في السياق التاريخي للصراع الراهن:


1- لأنّ الحلّ السياسي الشامل، الديمقراطي، الوطني، للصراع العسكري، (الذي فجّره في سوريا "حلف" القوى التي تتعارض مصالحها مع صيرورة انتقال ديمقراطي سلمي للسلطة السياسية، لمنع قيام استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة، نادت بها حناجر وضمائر السوريين 2011)، كان يتطلّب -لو توفرت الإرادة والمصلحة للقوى المتورّطة خاصّة الأمريكي والروسي- السير على خارطة طريق "كوفي أنان"، و"جنيف" ، وتطبيق القرار الأممي ٢٢٤٥ عبر مرحلة انتقالية، تمرّ بانتقال سياسي، يشارك فيها جميع السوريين، دون استثناء، وتفضي إلى بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية.


2- ولتعارض أهداف "مشروع جنيف" مع مصالح أطراف "حلف الاستبداد" ، الذي تحمل أطرافه حكومات وسلطات أنظمة حلقات "النظام" الرأسمالي العالمي الإمبريالي، محليّاً و إقليمياً ودولياً عداء تاريخياً مزمناً، ومعنّداً؛ بفعل منطق المصالح الأبدي؛ لأهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري، خاصّة في محوره القيادي، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وإسرائيل، تمّ إجهاض أهداف وأدوات جنيف، والانتقال إلى مسار آخر، متناقض يتعارض في الأهداف والوسائل مع نهج "جنيف" ذو شقين متكاملين، حربي ، يسعى إلى تحقيق حسم عسكري، يضمن مصالح الدول الإقليمية والدولية لإضفاء الشرعية الدوليّة على الشكل النهائي لسوريا، الذي رسمته مصالح ومناطق النفوذ وفقا لمؤتمرات، وقرارات أستانة وسوتشي، التي يقود قطارها زعيم الكرملين، بمشاركة "الدول الضامنة".


3- من هنا، صبّت الخطط الجوهرية لمشروع "سوتشي"، في تيار معاكس، ومفشّل لأهداف "جنيف"، يهدف إلى تحقيق تقاسم الحصص والنفوذ في سوريا، بين الشركاء، بما يضمن مصالحهم، ويعيد تدوير نظام الاستبداد وبأدواته "السوريّة"، المتخندقة في ساحات الصراع.

▪ثانيا ، في السياق القريب المعاصر


تواصل السير على مسار مشروع سوتشي، لتقاسم سوريا إلى حصص ومناطق نفوذ في إطار الدول الضامنة، حتى لقاء القمّة الأخير، ١٢/ ٢٠١٩، بين أردوغان وبوتين، حين ظهر الخلاف إلى العلن رغم جهود الطرفين لإخفائه .

بدأ التناقض بين ما يحصل من اتفاقات ضامنة للحصص، وحقيقة ما يحدث على الأرض حيث أخذ التصعيد الميداني الروسي منذ منتصف ٢٠١٩، يطال عمق المناطق المخصّصة للنفوذ التركي في إدلب، التي تشرف عليها نقاط مراقبة "جنوده"، مؤجّجاً بذلك مخاوف الزعيم التركي، ودافعاً به إلى التشكيك بالنوايا الحقيقية لشريكه اللدود. الصراع 

أين المشكلة بين التركي، الأمريكي والروسي؟


▪في الخلفيّة السياسيّة للصراع .


1- إذا كان لايخفي الزعيم الروسي نواياه الحقيقية، حول فرض سيطرة مطلقة، على كامل مساحة التراب الوطني السوري -بما يختزنه من ثروات جوفيّة، ويخبّئه تحت سطح مياهه الإقليمية وبما يشكّله الموقع السوري من أهميّة جيوسياسية، إقليمية ودولية- وعلى شكل وجوهر نظامه السياسي، فإنه يغلّف هذا الطموح، والجهد الساعي لتحقيقه، بغلاف "الشرعية" المحليّة، والدوليّة.


هو "غلاف" حقّ، يُراد به الباطل بعينه، وقمّة التضليل الإعلامي والخداع، الذي يستهدف بالدرجة الأولى السوريين الداعمين لوجوده.

عندما يُعلن الرئيس الروسي، مراراً وتكراراً،  إنّه من حق "الحكومة السورية" التي ماتزال تستحوذ على الشرعية الدولية -التي يشكّل الزعيم الروسي إحدى أعمدتها- أن تفرض كامل سلطتها على التراب الوطني السوري وهذا موقف حق وشرعي تؤكّد عليه جميع بنود القانون الدولي، فإنّه يخفي أو يحاول التستّر على حقيقة الواقع الموضوعي، الذي يُظهر هيمنة روسيّة كاملة على القرار السياسي الوطني السوري، بما يجعل من الشرعيّة السورية، التي يتغّنى فيها ويتباهى على شركائه بأفضلية وجوده على أساسها لا تشكّل -بوجهها القانوني أو بقواعدها الشعبيّة وجيشها- سوى البلدوزر الذي يشقّ به رَجُلُ الكرملين القوي القادم من دهاليز أجهزة الاستخبارات السوفياتية والعالميّة، بدماء السوريين جميعاً طريق سيطرته المطلقة على سوريا.


▪ في الأسباب المباشرة.


تفجّر الصراع بين الشركاء، شركاء مشروع الخيار العسكري لهزيمة أهداف المشروع الديمقراطي أوّلاً، و لتقاسم الحصص والنفوذ لاحقا عندما بدأ الروسي تدريجيّاً ، منذ حوالي أيلول الماضي، في تنفيذ مخطط حرب "الحسم" في إدلب في مسعى لتحقيق سيطرة كاملة على المناطق المتّفق على تقاسمها مع تركيا، وبما يهدّد الحصص الأمريكية/ التركية شرقاً وشمالاً، في حال نجاح خطواته وبما يعني إسقاط مسار سوتشي "التحاصصي"، و مستقبل "اللجنة الدستورية" كعناصر منفصلة، تشكّل في مجموعها مشروع جماعي متكامل لتقاسم الحصص والنفوذ والعمل على استبداله بمسار جديد يشكّل جزءاً رئيسياً في تحقيق أهداف "المشروع الروسي" الشخصي الخاص بالزعيم ويسمح له الاستفراد بسوريا والتحكّم بمخرجات اللجنة، بما يشرعن له الوضع الجديد ويحوّل سوريا إلى واحدة من "دول الموز" التي تدور في فلكه.


هنا فقط وليس لأهداف تتعلق بقضايا الشعب السوري، خاصّة الإنسانية المتعلّقة منها بجرائم تهجير السوريين، جنَّ جنون التركي والأمريكي واعتبروا إنّ هذا يشكّل انقلاباً على مسار سوتشي التحاصصي والسعي إلى تخصيص "الغنيمة السوريّة".


▪من المؤسف أن يتجاهل السوريون، الذين يتقاسمون أيضاً، الولاء والتصفيق والقتال لهذا الخندق أو ذاك، حقيقة تعارض سياسات الجميع سواء في الاستفراد الروسيّة، أو في التحاصص التركيّة، مع المصالح العليا للشعب السوري، والدولة السورية، ومع أهداف المشروع الديمقراطي، الذي ضحّى السوريون في سبيله، أكثر مما يقدّمه شعب واحد.


● في مقابل مشاريع تقاسم سوريا، أو الاستفراد فيها، أعتقد أنّ المصالح الآنيّة للشعب والدولة السورية، ومستقبل سوريا الديمقراطي، يتطلّب وقف العمليات العسكرية فوراً من قبل جميع "شركاء الحرب" ، بغضّ النظر عن المبررات، والوصول إلى تفاهمات جديدة، تعمل مباشرة على خروج "جبهة النصرة" من إدلب، وتضمن بقاء المدينة ضمن مناطق "خفض التصعيد" كخطوة أولى، مؤقتة لسحب ذرائع ومبررات حروب جديدة، يدفع ثمنها الشعب السوري رغم عدم مسؤوليته عن المأزق الحالي، الناتج عن الإصرار على السير في طريق الحسم العسكري.


لابدّ من الاعتراف بفشل مسار أستانة/ سوتشي، الذي لم يكن في جوهره إلا غطاء لحروب تقاسم سوريا إلى حصص ومناطق نفوذ بين الدول التي ترعاه وتعمل به، على حساب مصالح الشعب السوري، ومقومات الدولة السورية .


▪ إلى متى تستطيع روسيا وأمريكا وشركائهم في الخيار الحربي، تجاهل حقيقة أنّ الأسباب الجوهرية للصراع في سوريا هي سياسية وتتمحور حول تحقيق إصلاحات ديمقراطية وطنية شاملة، تؤدّي بمشاركة جميع السوريين، إلى دخول مرحلة سياسية جديدة، وفقاً للقرار الأممي ٢٢٥٤، دون أن نصل إلى أعلى درجات الخطر الذي وصلت إليه سوريا، بجميع مقوّمات الدولة؟.


▪ الخروج من المأزق الحالي، وحماية ما تبقى من حقوق السوريين وسيادة بلدهم، يتطلّب العودة إلى تفعيل مسار حل سياسي شامل للقضيّة السوريّة، يُخرج كامل سوريا من دائرة الصراع الحالي التدميري، ويعطي أملاً لجميع السوريين دون استثناء بتغيير ديمقراطي شامل .


الإمعان في تجاهل جوهر القضيّة السوريّة والإصرار على سياسات الاستفراد في "الكعكة" السورية (على طريقة مرفأ طرطوس)، الذي تقوده روسيا، أو الإصرار على تقاسم الحصص، الذي تسعى إليه أمريكا وتركيا، لن يؤدّي في ظلّ غياب وتغييب الصوت والفعل الديمقراطي الوطني السوري، إلّا إلى المزيد من احتمالات التصعيد العسكري وما ينتج عنها من آلام وتهجير وتدمير.


▪ لا لسياسات الاستفراد بسوريا، التي تقودها روسيا بدماء السوريين وألف لا للسياسات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية عبر تركيا لتقاسم الحصص والنفوذ.

▪نعم للحل السياسي الشامل للصراع، في آفاقه الديمقراطية الوطنية الذي يصل إلى مصالحة تاريخية بين السوريين ومؤسسات الدولة، ويُعيد القرار السياسي إلى المؤسسات الديمقراطية، ويخرج جميع الغرباء مرّة واحدة وإلى الأبد.


(١)- الطامح إلى تحقيق زعامة شخصّية سياسية ومافيويّة على الصعيد العالمي، مرتكز على ما حققه من نجاح، على المستوى الداخلي الروسي في تتويج نفسه قيصراً على الكرملين، بعد نجاحه في السطو على الإنجازات العسكرية والاقتصادية والثقافية لروسيا السوفياتية التي ضحّى من أجل صناعتها أكثر من خمسين مليون إنسان، طيلة أكثر من سبعة عقود، هي كامل عمر الإمبراطوريّة السوفياتيّة بتواطؤ من زعماء الأنظمة الديمقراطية وعالميّاً عبر التحالف مع أكثر أقطاب اليمين، وقوى الاستبداد تطرّفاً عبر العالم (ترامب - نتنياهو).


(٢)- وكان من الطبيعي أن لا تتوفر المصلحة أو الإرادة لأنّه لو كان هذا يتناسب مع مصالح القوى المتورّطه في الخيار الحربي الطائفي لما وقعت أصلا، ولأخذ الصراع السياسي في سوريا عشيّة الانفجار الكبير مسارات أخرى، على غرار الثورات التونسيّة أو المصريّة. الحرب في سوريا لم تكن قدراً، بل كانت إرادة ومصلحة وفعلا واعياً، لتحالف قوى هو الأوسع في تاريخ الحروب، بمرتكزاته وأدواته المحليّة والإقليمية والدوليّة وتتمحور حول منع حدوث انتقال ديمقراطي سلمي للسلطة السياسية، قد يتحوّل إلى تجربة فريدة لبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية، تهدّد شبكة النهب التشاركي الذي يوحّد مصالح قوى الاستبداد الاقليمية والمحلية والدولية. كانت الوليد الشرعي لتحالف تلك القوى هو الميليشيات الطائفية المسلحة السنيّة والشيعيّة التي تبادلت أنظمة الاستبداد الرأسمالية التابعة في تقديم الدعم المالي والعسكري واللوجستي لها التي شكّلت أدوات "الثورة المضادة" من أجل دفع الحراك السلمي للشعب السوري على مسارات الحرب والتطييف، ومن أجل سحق فصائل "الجيش الحر" التي تشكّلت ضمن هدف مؤقت ومحدود في محاولة لحماية "المظاهرات السلمية"، في مواجهة حملات منظّمة لتفشيلها، وسحق جمهور الثورة.

(٣)- أخذ الوضع سنوات، لكي تتكشّف حقيقة أهداف مسارات وخطوات الحلول السياسية والدبلوماسية للصراع السياسي أوّلاً، وطبيعة دوره وارتباطه بالمسار العسكري. ثانياً، بدأ من الدور الذي لعبته الجامعة العربية الذي فضح حقيقته التسويفيّة المراقب الجزائري "أنور مالك"، مروراً بمقترحات "كوفي إنان"، ونقاطه السّتة، وحلقات مسلسل الاجتماعات والمؤتمرات اللاحقة، في جنيف وفيّنا وغيرهما وصولاً الى محطّة القرار الأممي ٢٢٤٥/٢٠١٥، وانتهاء بمسارات أستانة وسوتشي وما رافق جميع تلك الجهود من ترتيب بيت منصّات المعارضات السوريّة وهياكلها التنظيميّة ورموزها لكي تتوافق في مكوناتها، وطبيعة قواها السياسية مع الأهداف النهائية المرسومة لمسار الحل السياسي المزعوم.


ليفانت - نزار بعريني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!