الوضع المظلم
الثلاثاء ١٦ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
الشمال السوري يستعيد قراره السياسي المفقود
أحمد رحال

كل ما يحصل اليوم في مفردات الثورة السورية وحاضنتها والقرارات السياسية التي تدور وتتأرجح حولها، مع حالة سوء المرحلة التي تمر فيها، هي نتائج لمقدمات صنعتها قيادتها العقيمة بأيديها، وتتحمل فيها كامل مسؤولياتها، وكل متابع حقيقي للثورة السورية يدرك تلك الحقيقة، وكثير من نخب الثورة الحقيقية، المتواجدة خارج صندوق مؤسسات المعارضة المنغلقة على ذاتها، حاولت مراراً وتكراراً التنبيه والتنويه والتحذير أنه أمام سوء التعاطي الرسمي للمعارضة السورية مع ملفات هامة وجوهرية في القضية السورية، ستكون هناك مآزق قادمة لا محالة، مآزق ستعصف بقضية الشعب السوري نتيجة سوء الأداء وغياب الفكر الثوري الناضج، لكن كل تلك التحذيرات كانت تواجه على طريقة المثل الشعبي "دان من طين ودان من عجين".

تصريحات وزير الخارجية التركية شاويش أوغلو المتتالية مؤخراً، أحدثت عاصفة سياسية من العيار الثقيل داخل مفاصل الحاضنة الشعبية السورية، في المرة الأولى أعلن قائلاً:  إنَّ بلاده ستقدّم كل أنواع الدعم السياسي إلى دمشق من أجل إخراج الإرهابيين من المنطقة، ومؤكداً أنّ "بلاده أجرت سابقاً محادثاتٍ مع إيران في هذا الصدد"، ثم أعقبها مؤخراً بكشف لقاء تم منذ عدة أشهر مع وزير خارجية نظام الأسد فيصل المقداد قال عنه أوغلو: أجريت محادثة قصيرة مع وزير الخارجية السوري في اجتماع دول عدم الانحياز ببلغراد، وعلينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم.

من الطبيعي أن قرارات الدولة التركية وساستها ولقاءات مسؤوليها وتوجهاتها لا تخضع للنقاش مع الغير لا من السوريين ولا من غيرهم لأنها قرارات سيادية، ولأنها توجه لخدمة الشعب التركي الذي تمثله، وليس مطلوباً من القيادات التركية، كبرت أم صغرت، أن تتشاور مع أحد أو تأخذ إذناً من أحد، وحتى لقاء المسؤولين الأتراك مع الروس والإيرانيين كأكبر طرفين أجرما بحق الشعب السوري لا يخضع لرأي المعارضة السورية، لأنه شأن سيادي تركي.

لكن بالمقابل لا يحق للجانب التركي الوصاية على القرار السوري والحديث عن مصالحة مع نظام إجرام شرد 13 مليون سوري، واعتقل وقتل وجرح مئات ألوف السوريين، ودمر البنية التحتية للبلاد، واستقدم كل مرتزقة الأرض لقتل السوريين، لأن هذا الأمر يشكل إهانة كبيرة للسوريين.

أيضاً لا يحق للسيد وزير الخارجية التركي وهو حليف السوريين الأقرب أن يتحدث عن مصالحة على الطريقة (الآستانية) الخاضعة لنفوذ روسي - إيراني، بعيداً عن أي ذكر للقرارات الدولية بهذا الشأن، وأهمها القرار 2254 ومبادئ جنيف1.

العلاقة التي جمعت السوريين بالأتراك شعباً ومسؤولين امتازت خلال المراحل السابقة بالحميمية والتنسيق ووصلت لمرحلة التحالف، والحدود المشتركة بين البلدين البالغة 915 كم مع كل وشائج العلاقات الاجتماعية والمصاهرة والقرابة التي تجمع الشعبين السوري والتركي على جانبي الحدود، حتمت على الطرفين التنسيق بالقواسم المشتركة الكثيرة التي تجمعهما، لكن تلك العلاقة كان عليها أن تتطور باتجاه إيجاد مزيد من تقاطع المصالح وبما يخدم الطرفين، لكنها ومنذ إسقاط مدينة حلب وبروز مسار أستانا إلى حيز الوجود تحولت لعلاقة تبعية بعد أن تخلت كامل أطراف ومؤسسات المعارضة السورية دون استثناء عن قرارها السيادي (العسكري والسياسي والحكومي) ورمته على أكتاف الأتراك، فزاد هم الحليف وزادت الأعباء عليه، واللقاءات الدورية عالية المستوى التي كانت تتم بين مسؤولي الطرفين للنقاش حول القادم وأفضل السبل لتجاوز العقبات، انخفض مستواها وتحولت لاحقاً لتعليمات تصدر كما نقلت الكثير من المصادر داخل أروقة مؤسسات المعارضة.
هذا الواقع تتحمل مسؤوليته المعارضة السورية بالتأكيد، فهي التي تخلت عن واجباتها وعن المهام الشعبية الملقاة على عاتقها، وقد تكون وجهات النظر التركية الحالية تنسجم مع كثير من قيادات سورية تتصدر المشهد السياسي والعسكري.

منذ أشهر سرب الصحفي السوري سامر العاني من داخل أروقة الائتلاف الوطني، وخلال اجتماع للهيئة السياسية، عن طرح ونقاش دار بين الأعضاء حول حكومة وحدة وطنية مشتركة مع نظام الأسد، وعن عدد من المقاعد الوزارية كانت تناقش، واعترف حينها رئيس الائتلاف بتلك الحادثة، وإن كانت المبررات التي قدمها في حينه أنها عروض من دول نقلت إليه، ثم أعقب ذلك قنبلة مدوية ألقاها وزير الداخلية بالحكومة المؤقتة، العميد محي الدين الهرموش، عندما تحدث علانية وداخل اجتماع رسمي للائتلاف عن وثائق يمتلكها وترصد تواصلات لأعضاء في الائتلاف مع استخبارات ونظام أسد، ثم لاحقاً شكلت لجنة داخلية وتمت لفلفة الموضوع بحجة تسرع الوزير بالاستنتاجات، لكنها مبررات لم تقنع صانعها، وقبلها صدر عن الائتلاف قرار بتشكيل هيئة انتخابات بالمناطق المحررة توحي بتجهيز منافس لبشار الأسد لانتخابات مستقبلية في سوريا، قبل أن يسحب القرار ويشطب من سجلات الائتلاف بضغط شعبي عارم.

تلك الوقائع تدلل تماماً أن هناك توجه لدى البعض، على الأقل، بالقبول بما تحدث عنه وزير الخارجية التركية "، فلماذا هذا الغضب من تصريحاته؟ حتى إن هناك من قال أن بعض قيادات المعارضة حزمت حقائبها نحو دمشق، إما عبر اللجنة الدستورية التي تطالب روسيا بأن تكون جلساتها في دمشق كإحدى الخيارات المطروحة، أو باتجاه العودة نحو مقعد وزاري ضمن حكومة وحدة وطنية في ظل بقاء الديكتاتور بشار الأسد.

أمام هذا الواقع وهذا الترهل والتراخي والاستهتار من جانب متصدر المشهد السياسي والعسكري والحكومي للثورة السورية، لا يحق لأحد لوم الجانب التركي الذي قال يوماً للسوريين: أمام تخلي الجميع عنكم، نحن نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

لكن ما يثلج الصدر وما يعيد بريق الأمل لتلك الثورة المباركة، أن المظاهرات التي خرجت بكل قرى وبلدات ومدن المناطق المحررة، وبعد ساعات قليلة من تصريح وزير الخارجية التركي الأخير، خاصة بعد أن أغلقت قيادات المعارضة هواتفها ورفضت إصدار أي بيان كعادتها، أعطت مؤشرين وأعادت طرح ضرورة:

المؤشر الأول: إن المظاهرات التي خرجت أكدت أن الحاضنة الشعبية كانت وما زالت ممسكة بالقرار السياسي للثورة، إنها مصدر القرار وإنها ولن تتخلى عنه.

المؤشر الثاني: إن المظاهرات التي خرجت فضحت ضعف وترهل بعض القيادات الخلبية المتصدرة لمشهد الثورة (عنوة)، وأن تلك المظاهرات عرتها وكشفت حقيقتها أمام الجميع، مؤكدة أن كل تلك القيادات بتنوعها لا تمثل إلا نفسها.

أما الضرورة التي طرحتها تلك المظاهرات فتمثلت بمطلب متكرر يتمثل بضرورة ماسة وملحة ولمصلحة الجميع بما فيهم الحليف التركي، لإنتاج قيادة سياسية وعسكرية وحكومية جديدة تمثل نبض الشارع تعيد الأمور إلى نصابها، وتعيد رسم استراتيجيات سياسية وعسكرية جديدة للثورة، استراتيجيات تمتاز بحسن نسج علاقات طيبة مع كافة الدول بدءاً بالحليف التركي انتقالاً لإخواننا العرب وكافة الدول صديقة الثورة التي ابتعدت مؤخراً، ليس لتغير مواقفها من قضية الشعب السوري، إنما لسوء تعاطي بعض من تصدر المشهد السياسي للثورة السورية وخاصة بعض أطراف الهيئة العليا للمفاوضات.

وتبقى بعض الأسئلة التي تشغل بال السوريين:

ماذا لو أرادت تركيا الانعطاف نحو دمشق لضرورات تخص شعبها ومصالحها (وهو حق من حقوق القيادة التركية لا يمكن لأحد التدخل فيه)، كما فعلت مع مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خلال العامين الماضيين؟

ماذا ستفعل قيادات المعارضة السورية فيما لو طلب منها (تركياً) وقف نشاطها السياسي والعسكري ومغادرة الأراضي التركية؟

والسؤال الأخير: أمام حالة محتملة لكنها قد تصبح واقعاً في أي وقت، هل تحوي أدراج مكاتب المعارضة السورية استراتيجيات بديلة وخيارات أخرى مدروسة محضرة مسبقاً، تفردها على الطاولة إذا ما حانت لحظتها؟

 

ليفانت - أحمد رحال
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!