الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • السويداء التي ردّت لكل السوريين الروح وأرسلت رسالة إلى النظام والعالم

السويداء التي ردّت لكل السوريين الروح وأرسلت رسالة إلى النظام والعالم
 ريما فليحان 

لليوم الثاني على التوالي، مظاهرات عارمة تمتدّ في السويداء تنادي بتغيير النظام ورحيل بشار الأسد، وكما إنّها تندّد بالأوضاع المعيشيّة التي وصلت إليها الحال في سوريا، يشعر السوريون اليوم بالإذلال ويتحسسون بشكل يومي فساد النظام الحاكم وقمعه للسوريين في كل شيء حتّى في لقمة الخبز التي بات كثير من السوريين يشترونه بالدين لأنّهم لا يملكون ثمنه.


المظاهرات الأخيرة بالسويداء تعبّر عن خدش بالكرامة التي يتمتع بها السوريون وأبناء السويداء، فهم لا يقبلون بالضيم ولم يعد لديهم قدرة على احتمال ضريبة بقاء هذا النظام بكل ما يرتبط به من قمع وقتل وفساد، وتغلغله في حياتهم اليومية، أبناء السويداء صرخوا عالياً (الموت ولا المذلة)، وهم من يحبّون الحياة، لقد ضاقوا ذرعاً بكل هذا الظلم، ضاقوا ذرعاً بالفساد وتردّي الأوضاع المعيشية والقمع الذي عاشوه ويعيشونه، كما أنّهم ضاقوا ذرعاً بالتغلغل الإيراني في بلدهم، وهتفوا عالياً (البلد أصبحت لإيران)، فالإيرانيون يستحوذون على الأراضي بالسويداء، وترتبط مجموعاتهم والأجهزة الأمنية التابعة للنظام بعصابات الخطف والسلب التي تعيث فساداً بالسويداء، وبتجارة المخدرات وبالقمع، كدأب النظام السوري منذ استولى على الحكم، ومنذ استولى بشار الأسد على حكم سوريا من بعد حافظ الأسد أبيه.


يتميّز حراك السويداء بأنّه حراك سلمي مدني وطني، فالمتظاهرون خلال اليومين الماضين، ومع كل هتاف نادوا فيه لإسقاط النظام ورحيل بشار الأسد، هتفوا لسوريا كلها ولدرعا ولإدلب ولكل السوريين.


هي ليست المرة الأولى التي يتظاهر بها أبناء السويداء ضد النظام، فهم تظاهروا منذ العام الأول للثورة، وخرجت في كل عام من الأعوام التسعة التي تلتها مظاهرات أيضاً، كما أنّهم رفضوا إرسال أبنائهم للخدمة في جيش النظام حتّى لا يتورّطوا بدماء السوريين والمقتلة العبثية في سوريا، لكن ما يميّز مظاهرات اليومين الماضين، العدد الكبير المشارك بها، وجرأة الشعارات والتوقيت، لماذا التوقيت؟، لأنّه وحين ظنّ النظام، وربما العالم، أنّ الأمر استتبّ للنظام السوري، وأنّه استطاع قمع الشعب السوري؛ خرجت السويداء لتلقّن الجميع درساً في التاريخ والتحليل وفهم الحدث حيث يبدو أنّ هناك خلطاً دائماً بين مفهوم الثورة التي نعنيها، وهي الحراك السلمي المدني، وثورة العام الأول والمسارات والعسكرة التي طرأت على الحالة السورية بفعل التدخلات والأجندات الدخيلة، والفرق شاسع بين الاثنتين، وهي ما لا تعنينا ولا ترتبط لا بثورة العام الأول، عام 2011، ولا بحراك السويداء اليوم.


حراك السويداء اليوم، ونتيجة أثر تراكمي لكل ما حصل في الأعوام الماضية من قمع، ولسلوك النظام الأرعن، وهو بنفس الوقت لا يشبه أبداً كل ما حصل من أفعال دخيلة تمخضت عنها الحرب، ودخول أطراف مستفيدة من الفوضى على الخارطة في سوريا، حراكهم هو ثورة جديدة لكنها توأم للثورة السلمية في عام 2011، وليس ما بعده وهو ما شعر به السوريون وجعلهم يتنفسون من جديد بعد أن كدنا نموت اختناقاً.


خطاب السويداء اليوم، خطاب وطني مدني سلمي، وهو أمر لا يمكن لأحد أن يشكّك فيه أو يختلسه لصالح أجندات دخيلة، وهو ما يميز هذه الانتفاضة اليوم، لا بد أنّ النظام مضطرب إثر هذه المظاهرات، فهؤلاء المتظاهرون سلميون بالكامل، وهم من أبناء الأقليات، حيث لا يمكن له أن يتهمهم بالتسلّح أو بالإرهاب، كما ادّعى ودلّس وكذب في أيام مظاهرات عام 2011، كما أنّ المحافظة تحت سيطرة النظام بالكامل. يجب أن يدرك النظام أن لامكان اليوم للعبة خلط الأوراق، زمن التدليس والقذارة انتهى، وكل ألعابهم وأكاذيبهم باتت مكشوفة، وحدهم المتشددون من أنصار النظام أو الطائفيون على الطرف المقابل، هم من يهاجمون هذا الحراك ويخوّنونه، وحدهم عملاء هذا النظام من يحاولون تقزيمه وربطه بأجندات خارجيّة.


حراك السويداء هو رسالة واضحة لكل من فكر أو يفكر بتعويم هذا النظام، مفادها كلمات بسيطة “لقد انتهت صلاحية هذا النظام وقد حان وقت الرحيل” وعلى النظام ممثلاً برئيسه أن يفكر ملياً بضرورة الانسحاب من المشهد الآن، عليه أن يدرك أنّ الحال لا يمكن أن يعود كما كان بالسابق، وربما رحيله الآن أقلّ ضرراً على الشعب وعلى النظام نفسه من أن ينتظر أكثر من ذلك، مع ثقتي بأنّه غير معني بالشعب.


سوريا تحتاج أن تتنفس، وهذا يعني الدخول بمرحلة انتقالية يقودها الشرفاء، تعدّ لدستور وانتخابات وإعادة إعمار وإحياء الاقتصاد السوري، يحقّ للسوريين أن يحصلوا على هذا وهو ليس صعباً إن توفرت الإرادة.


السوريون يحتاجون بلداً ديموقراطياً حراً يعيشون به بكرامة ويتمكنون من خلاله من تحقيق أحلامهم وأن يشعروا فيه بالأمان والاستقرار، حينها ستحلّ مشكلة اللاجئين أيضاً، سيعود الجميع لبناء وطنهم وستستقر المنطقة وتكون سوريا القادمة دولة سلام تحترم الاتفاقات الدولية وحقوق الإنسان وتحقّق الأمن في المنطقة.

ليس من مصلحة أحد استمرار الحال بهذه الطريقة في سوريا، فالشعب متعب، يقرصه الجوع والتعب، ويريد الخلاص من هذه المرحلة البشعة الممثّلة بالنظام ومن يشبهه على الطرف الآخر، كما يمكن أن يقود المرحلة فريق من التكنوقراط المستقلين ليعدّوا للقادم، المهم أن تنتهي المرحلة الحالية لإنقاذ ما تبقى من سوريا والسوريين.


 ريما فليحان 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!