الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
السلاح أو العلم.. تركيا تحتكر مستقبل الشمال السوري
السلاح أو العلم.. تركيا تحتكر مستقبل الشمال السوري

ليفانت- نور مارتيني


سياسة تركيا القديمة المتجدّدة تقوم على تحويل الملفات الاقتصادية، إلى قيود تربط بها الدول والكيانات إليها، ما يسهّل عليها إدارة الملفات السياسية، وهي سياسة تتشابه إلى حدّ كبير مع سياسة النظام السوري الذي بنى صلاتٍ وثيقة مع طبقة رجال الأعمال، وسهّل لهم التورّط في ملفات فسادٍ تضمن ولاءهم له، ليستخدمهم في ترسيخ نفوذه السياسي.


الفارق بين التجربتين التركية والسورية، هو مفهوم الدولة في كلا البلدين، حيث أنّ تركيا ورغم محاولات أردوغان لاستئصال المعارضة السياسية، ما تزال تمتلك المناعة الكافية ضدّ المفاهيم الديكتاتورية بفعل الوعي السياسي لدى الشعب التركي، الذي يتمثّل في التعددية الحزبية، ووجود أحزاب معارضة، والتي تعدّ الرافعة الحقيقية لأي نظام حكم ديمقراطي، أياً كان موقف الفرد منها.



من هذا المنطلق تحديداً، تسعى تركيا إلى ربط الشمال السوري بشبكةٍ من المصالح الاقتصادية، متجلّيةً بفرض التعامل بالعملة التركية، وإغلاق المعابر الحدودية لتبقى وحدها المتحكّمة بمنافذ الإغاثة، بالتعاون مع الشريك الروسي، وبالتالي إحكام الخناق على رقاب المدنيين.


اقرأ المزيد: الحسكة.. الأسايش تعتقل مدرّسين واجتماع بين ضباط من الجانبين الروسي والتركي


غير أنّ مخاوف تركيا من الحراك الشبابي دفعها لاستقطابهم، من خلال ربطهم بشبكة علاقات تجعلها تتحكّم بمستقبلهم، بما يمنعهم من الخروج على الطاعة، فبادرت إلى ترخيص جامعاتٍ غير معترف بها دولياً، ومنحهم شهادات يقتصر الاعتراف بها على تركيا والدول التي يتواصل معها الائتلاف السوري المرتبط بها ارتباطاً كلّياً.


ففي الماضي كانت شهادة الثانوية العامة الليبية التي تمنح للطلبة السوريين داخل سوريا، لتظهر بعدها جامعات "رشد"، التي تتقاضى مبالغ كبيرة مقابل شهادات غير معترف بها، واليوم تفتتح كلّية للطب في بلدة الراعي ، على غرار كلية الطب في إدلب، كما سبق لها أن افتتحت معهداً إعلامياً.


السؤال الذي يطرح نفسه هو هوية الطواقم التدريسية التي ستشرف على هؤلاء الطلبة.. هل هم يتمتّعون بالقدر الكافي من الخبرة لتخريج طلبةٍ سيعملون في المجال الطبي، وكيف يتمّ تقييم أدائهم إذا كان التدريس يتمّ باللغة العربية؟


كلية للطب في بلدة الراعي 


في خطوة متقدّمة لترسيخ تبعية المناطق التي قامت تركيا بالاستيلاء عليها في الأراضي السورية، أصدر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" مرسوماً حمل توقيعه، يقضي بافتتاح ح كلية للطب ومعهد صحي في مدينة الراعي شمال شرقي مدينة حلب.


وبموجب المرسوم الذي نشر في الصحيفة الرسمية التركية، يوم السبت 6 من شباط/ فبراير، ستتبع كلية الطب و”المعهد العالي للخدمات الصحية” في مدينة الراعي، لجامعة “العلوم الصحية” الحكومية في اسطنبول، كما شمل المرسوم قرارات تقضي بإغلاق عدد من الكليات في جامعات تركية، وتغيير اسم عدد آخر منها.



وتحتل الجامعة المرتبة 150 محليًا بين 172 جامعة تركية، بحسب موقع “UniRank” المختص بتصنيف ترتيب الجامعات التركية والعالمية.


وكانت جامعة “العلوم الصحية” في اسطنبول، قد تأسّست عام 2015، وهي الجامعة الحكومية الوحيدة المصرح لها بتقديم أنشطة تعليمية خارج البلاد، إذ تضم الجامعة كليات الطب، والطب الدولي، والصيدلة، والتمريض، وعلوم الحياة، والعلوم الصحية، والمدرسة المهنية للخدمات الصحية، ومعهد العلوم الصحية.


اقرأ المزيد: قتلى وجرحى جرّاء انفجار في مدينة تل أبيض


في السياق ذاته، وفي 31 من كانون الأول 2020، وقّعت جامعة “حلب في المناطق المحررة” بريف حلب الشمالي، التابعة لوزارة التربية والتعليم في “الحكومة السورية المؤقتة”، بروتوكول تعاون مع جامعة “ماردين” التركية.


ونشرت وزارة التربية التركية تفاصيل اتفاق قالت إنه أجري بين جامعة “حلب” وجامعة “ماردين” التركية، للسماح للطلاب بالاستكمال في الأخيرة، بعد الحصول على كشف علامات صادر عن رئاسة الجامعة.


كما تحدثت التربية عن قبول طلاب جامعة “حلب” في برامج الماجستير والدكتوراه، بالإضافة إلى العديد من التفاصيل الأخرى، بحسب منشور للوزارة عبر صفحتها في “فيسبوك“، في 27 من كانون الأول 2020.


جميع الجامعات التي شملتها الاتفاقيات الأخيرة، تقع في منطقة" درع الفرات"، التي تحمل اسم العملية التركية التي تمّت لفرض السيطرة على هذه المناطق، عام 2017.


مكتب للبريد التركي في تل أبيض


قبل أكثر من أسبوعين، في خطوة صادمة، تكرّس هيمنة تركيا على الشمال السوري، افتتحت مؤسسة البريد التركية فرعا لها بمدينة تل أبيض، الواقعة ضمن منطقة "نبع السلام"، شمال شرقي سوريا.


وحضر الافتتاح والي شانلي أورفا، عبد الله أران، ومدير مؤسسة البريد مصطفى كارغين، ورئيس المجلس المحلي لمدينة تل أبيض، وائل حمدو. حيث قال الوالي، خلال افتتاحه المكتب، إن "مشاريع المؤسسات العامة في مدينتي تل أبيض ورأس العين، تتواصل دون انقطاع بدعم تركي وبالتعاون مع وحدة تنسيق الدعم السورية (مستقلة)، في منطقة عملية نبع السلام".


بريد تل أبيض


وكانت مؤسسة PTT البريدية التركية، قد باشرت في العام الماضي، العمل كفرع متنقل العام الماضي في مناطق "نبع السلام" منها مركزين في "تل أبيض وسلوك"، كما وضع حجر الأساس لبناء مستشفى للولادة والأطفال في نفس المنطقة، حيث مشفى "تل أبيض".


يشار إلى أنّ مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي وبلدة سلوك التابعة لها شهدتا في منتصف العام المنصرم احتجاجات من قبل الأهالي، ردّاً على تسعير المجلس المحلي في المنطقة مادة الخبز بالليرة التركية.


حيث قالت صفحات محلية اليوم، بتاريخ 22 من حزيران 2020، إن العشرات من سكان تل أبيض وريفها خرجوا في مظاهرات احتجاجاً على تسعير ربطة الخبز بليرة تركية، في حين نشرت صفحة “الرقة تذبح بصمت” صوراً قالت إنها لإضراب عام في مدينة تل أبيض، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية، وتغيير سعر الخبز.


مدرسة..تفضح المخططات التركية


ليست المرّة الأولى، التي تسعى فيها تركيا إلى استخدام ذريعة المؤسسات التعليمية لفرض هيمنتها، والتذكير بنواياها في محو الهوية الثقافية للمنطقة، فهي لا تدّخر جهداً في استخدام رموز قومية أو تسميات تركية، تظهر حرصها على طمس الهوية الثقافية للمناطق من جهة، والتعامل مع الأراضي السورية على أنّها مزارع خاصة خارج كلّ الدساتير والقوانين، تمنحها كمكافآت لمن يثبت ولاءه.


اقرأ المزيد: إنزال جوي في جرابلس وإلقاء القبض على عائلة منتمية لداعش


فافتتاح مدرسةٍ قد يكون أمراً إيجابياً، لو أنّ اسم المدرسة لم يأت ليبرهن على نيّة الجهات التركية القائمة على المشروع، على استخدامه كأداة اضطهاد.


ففي يناير/ كانون الثاني من العام المنصرم، افتتحت مدرسة من قبل عدد من المسؤولين الأتراك تحت العلم التركي وآخر خاص بالمعارضة السورية، وكان من بين المشاركين ضابط من الجيش التركي.



حملت المدرسة الواقعة ضمن الأراضي السورية، وفي جرابلس، إحدى مناطق "درع الفرات"، اسم "أحمد تورغاي إمام غيلار"، وهو مسؤول إداري تركي في محافظة غازي عنتاب المجاورة، وتوفي في يناير/ كانون الثاني من عام 2019، لتأتي تسمية مدرسة في سوريا، بمثابة تكريمٍ له!


وبالتزامن مع ذلك، كان الجيش التركي ، قد قام بعد سيطرته على مدينة رأس العين ، بنشر صور تظهر رفع لافتة على واجهة مستشفى بالمدينة باللغتين العربية والتركية، كما أظهرت صور أخرى لمحكمة المدينة لافتة مكتوبة باللغتين أيضاً.


رغم الانتقادات المتكرّرة لسلوك تركيا، وتعاملها المخزي مع الملفّات المتعلّقة بحقوق الإنسان، يبدو أنّها ماضية في تلك الانتهاكات، ومستمرّة في نهجها الذي يرمي إلى التوسّع على حساب إرادة المدنيين، واستخدامهم كرهائن بشرية، فمن لم يتم تجنيده عسكرياً، يمكن استقطابه فكرياً وتحويله إلى صدى لصوت "السلطات التركية"، التي يتّضح يوماً بعد يوم، أن ولاءها لأرطغرل أكبر بكثير من ولائها لأتاتورك ودولته المدنية!


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!