الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الزلزال: الوجدان السوري واحد
جمال الشوفي

ليس الزلزال من وحّد السوريين، بل هو وجدانهم الكامن والقابع في أفئدتهم وروحهم، أياً كانت صفاتهم السياسية والعرقية، هو من استيقظ من غفلته، من سباته. وهو المغيب طوال سنين مضت خلف التصنيفات الوهمية التي أصبغتها المرحلة عليهم، من صراع دموي وأيديولوجي وسياسي.

اليوم يؤكد السوريون أنهم جميعاً ضحايا شتى أنواع العنف، وموحدين في نتائجه أياً كانت مسبباته. هم جميعاً معارضون للظلم والقهر والموت، وموالون للحياة والحرية والكرامة. وإن غُلب على أمرهم في السنوات الماضية في تصنيفات سياسية واهية، عملت عليها أجندات التفرقة وشهوة الحكم المفرد، فمرة أكثرية إرهابية وأقلية ديموقراطية، ومرة موالاة ومعارضة ويا لسخف ما عاشوه! وماذا جنوا من خلف هكذا تصنيفات سوى المزيد من الشروخ العميقة والجروح العنيفة، فيما كان القلة من سادة الأمر الواقع هم المستفيدون والمنتفعون من كوارثهم.

فرقتنا السياسة، شتتنا التنازع والصراع على السلطة، وفرقت السوريين في كل اتجاهات الكون. تشتتنا وأقمنا الشروخ العميقة في جسد وطننا، فلا العربي ولا الكردي، لا المسلم السني ولا الشيعي ولا العلوي والدرزي... لا القومي ولا الماركسي ولا الليبرالي ولا المدني... كان على استعداد لأن يتنازل قيد أنملة لأخيه السوري في الضفة الأخرى، وهذا قحط وتصحر سياسي أصابنا، فيما الزلزال اليوم يوحدنا!

لا أحد يستطيع أن يجافي الحقيقة، والحقيقة أن سلطة النظام القائمة، وسلطات الأمر الواقع الناتج من كل صنوف العسكر والأجندات (عربية إسلامية كردية درزية وعلمانية) جميعها أرادت السلطة لكفتها وحسب، وكأنها تعيد إنتاج البعث وسلطته العسكرية، وكل جهة ترى مظلوميتها وحسب ولا ترى مظلومية السوري بعامة وقد طالته كل ويلات العنف على اختلاف تنوعها ومصادرها.

الحقيقة إن جذر المشكلة هو سلطة العسكر وكل كيانات العالم تدرك ذلك، ولكنها تصر على إدارة اللعبة على ظهرنا، وتطحن مصالحها وتتقاسم مشاريعها السياسية على حسابنا، على حساب كوارثنا وويلاتنا، وليتها تكتفي. فروسيا تريد حصتها من إعادة الإعمار وموقعاً لها على المتوسط، وإيران تريد أرضاً تحكمها وضاحية جنوبية في دمشق وغوطتها، وتركيا تريد حاجزاً بينها وبين الأكراد وتفعيل اتفاقية أضنة، وأمريكيا تريد وأوروبا تريد.. الصومال تريد فماذا نريد نحن؟

زلزال تركيا اليوم، الأعنف منذ قرن تقريباً. الزلزال الذي دمر عشرات بل مئات المباني، فجندريس شمال حلب في عفرين بغالبيتها تحت الأنقاض ومثلها العديد من القرى والبلدات... وآلاف الضحايا المعلن عنهم وممن ما زالوا تحت الأنقاض. وكارثة ترحيل الناس من بيوتها، سواء للسوريين في مناطق شمال حلب وإدلب تحت سيطرة قوى المعارضة، أو السوريين في الساحل وحماة وحلب تحت سيطرة السلطة.

لم يفرق الزلزال بين معارض أو موال، بل ربما رفضت الطبيعة تصنيفاتنا الخلبية وقالت بفمها المليان كلكم سوريون! والمصائب أصابتكم جميعاً، والزلزال آخر إنذار لكم! فقد سبقها زلازل لسياسية متعددة. وتصنيفاتكم السياسية القاتلة التي أقامت مجزرة وطن وأمة عمرها آلاف السنين. الزلزال كشف عوراتنا وتصحرنا السياسي وفشلنا الذريع في قدرتنا على الوصول لاستحقاقاتنا الحياتية في أبسط مقوماتها في أي دولة من مقومات حماية وأمان وقدرات ومخططات لمواجهة الكوارث. الزلزال أعاد الكرة لموقع المسألة السورية الأول، موقع الحقوق السورية المهدورة، موقع الدولة السورية المنهوبة بشتى أنواع السلطات، وأهمها وأولها سلطة النظام القائمة.

ليس مستغرباً أبداً أن تحاول جميع الجهات المستفيدة من الحرب والاستنزاف السوري القائم لليوم أن تستفيد من كارثة الزلزال، فها هي الخارجية الأمريكية تصرح بوضوح أن عقوبات قيصر لا تقف بوجه المساعدات الإنسانية، وتؤكد الخارجية الألمانية على ذلك، وتناشد روسيا أن تضغط على سلطة النظام بفتح أبوابه أم دخول المساعدات الإنسانية! فيما يصر أشباه البشر، معوقو الإنسانية، كارهو الحياة والتغيير أن الحصار هو سبب كوارثنا، ويستثمرون في أية مأساة وتُجير سياسياً لمصالحهم الشخصية والسلطوية والنفعية.

فيما السوريون، السوريون بقاعهم الوجداني، السوريون الطيبون، يتعاونون من كل جهة، يتنادون من كل مكان لدرء أضرار ونواتج الزلزال. جمعيات تتشكل وبيوت تفتح، ومساعدات عينية ومالية تتداعى لمساعدة ومد يد العون لمن باتوا بلا مأوى، ولا أحد يسأل عن هويتهم!

السوريون لم يكونوا يوماً بحاجة لالتئام جراحهم أكثر من اليوم، واستعادة زمام المبادرة في تغيير حالهم وأحوالهم. وأولى خطواتهم، بعد أن تلتئم جراحهم النازفة اليوم، هو أن ينفضوا عنهم صفاتهم دون الوطنية، المللية والإثنية والعرقية، والجهوية السياسية المتعصبة، معارضة وموالاة، والتنميط الفج المتباين بين دول عدة. وهذا ليس عملاً مستحيلاً، بل هو إرادة وقدرة، فكما بدؤوا بالشعب السوري واحد، اليوم عليهم رفع شعار مصير ووجدان السوري واحد.

 

ليفانت - جمال الشوفي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!