-
الخلخلة تتواصل في تنظيم الإخوان.. وقصقصة الأجنحة قادمة لا محالة
عقب سنوات من التحليل والأخذ والجذب والنقاش حول دور تنظيم الإخوان المسلمين في مختلف الأقطار العربية، يبدو أنّه قد أضحى جلياً أنّ التنظيم، الذي نشأ في العام 1928، أي تحديداً عقب عشر سنوات من انهيار ما كانت تسمى بالخلافة العثمانية لصالح ظهور الكيان الوليد المسمى تركيا، أنّ دور التنظيم ذاك، كان منذ ظهوره الأول، مخلصاً لهدف إنشائه، وهو إعادة العثمانية، تحت مسمى الأخوّة الدينية، التي تنبذ الوطنية والقومية من حيث الفكرة، لكنها تخدمهما لصالح العنصر التركي، الذي ظلّ متحكماً على مدار عدّة قرون من الزمن برقاب شعوب المنطقة، تحت مسمى الرابطة الدينية.
خلخلة في صفوف التنظيم
وبما أنّه قد أضحى واضحاً سعي التنظيم لخدمة تركيا العثمانية، يبدو أنّ الخلخلة بدأت تدبّ في بعض أركانه، الذين لربما لن يرضوا تماماً بسيطرة العنصر التركي، من دواعي قومية ربما تظهر حيناً وتحتفي أحياناً أخرى، حيث فتح، في التاسع والعشرين من يوليو الماضي، “محمد ناصر”، وهو إعلامي يعمل مذيعاً في قناة ”مكملين“ الإخوانية، التي تبثّ من تركيا، النار الكلامية على “عزمي بشارة” الذي يقدّم نفسه على أنّه “مفكر فلسطيني”، ويثير الكثير من الجدل حوله، حيث وصفه “ناصر” بـ“الجاسوس وعميل الصهاينة“.
وتحدّث ناصر خلال بثّ مباشر عبر قناته بموقع ”يوتيوب“، حول فحوى موقع صحيفة ”العربي الجديد“ التي يديرها عزمي بشارة، شاجباً مجموعة مقالات رأي نشرتها الصحيفة، أخيراً، لكتّاب ينتقدون تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، وأردف ناصر: ”عزمي بشارة تربّى في أحضان الصهاينة، ثم خرج إلى أحضان الأمير تميم“، متابعاً أنّ ”عزمي حصل على أموال لا تحصى من أمير قطر الحالي“، وعقب تحدّثه عن تكرار خلاف ممتد بينهما، ذكر ناصر أنّ ”عزمي بشارة يكره قنواتنا: (الشرق ومكملين ووطن التابعة للإخوان)؛ لأّن ميزانيتها لا تعادل ميزانية البوفيه عند عزمي بشارة”.
وضمن هذا الهجوم غير المتوقّع، الذي أراده أن يكون من خلال موقع ”يوتيوب“، وليس عبر ظهوره المعتاد على ”مكملين“، أفصح محمد ناصر عن ”عملية اختلاس بنحو 350 ألف جنيه إسترليني داخل المؤسسة التي يرأسها عزمي بشارة“، ثم توجّه ناصر للهجوم على الكاتب والسيناريست بلال فضل، على خلفية مقاله -كذلك- الذي عارض فيه تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.
ويبدو أنّ النزاع قد خرج بين أقطاب الإخوان التي توالي تركيا في كل ما تفعله، وبين التيار الآخر، الذي يسعى للحفاظ على بعض الخصائص العربية ضمن التنظيم، ولا يسعى لإظهار الولاء التام للعثمانية الجديدة، ما دام ذلك غير محمود العواقب بشكل مطلق، مع تصاعد نبرة العالم الرافضة للمساعي التوسعية التركية، خاصة في ظلّ وضع مصر لخطوط حمراء لأنقرة، سيعني تجاوزها حرباً إقليمية، عربية، إلى حدّ كبير في وجه العثمانية، ما قد يعني ثورة عربية كبرى ثانية، لكن هذه المرة ضد عثمانية ساعية لرفع رأسها كالأفعى.
في تونس.. مساعٍ لقصقصة الأجنحة
أما في تونس، فكانت هناك محاولة جدية وهامة لسحب البساط من تحت أرجل التنظيم، وهي ورغم فشلها في تحقيق ذلك في نهاية يوليو الماضي، لكنها ستفعله يوماً ما وقريباً، مع تبيان تبعية التنظيم في تونس لذات السياسة الساعية لاستعادة العثمانية، من خلال الولاء لأنقرة، والانقياد وراء المخططات التي تسعى إليها، والتي يعتبرها التنظيم أحلامه الوردية، في سيادة خلافة واحدة تجمع مختلف الأمم بالعدل والمساواة، وهي أشبه ما يكون بالمدينة الفاضلة التي لا وجود لها إلّا في الكتب ومخيلة البعض المختلّة، الساعية إلى السيادة من بوابة الدين، وبناء مجتمع ديني على شاكلة ما تعيشه إيران، وإن اختلفت الطقوس والمسميات.
وأتت محاولة البرلمان التونسي لسحب الثقة من رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، بالفشل على الرغم من تصويت 97 نائباً لصالحها، عقب جلسة استثنائيّة عاصفة، فيما ذكرت رئيسة كتلة الدستوري الحر، عبير موسي، ضمن تعقيبها على سقوط لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، أنّ الرجل سقط سياسياً، لأنّ لا أحد جدّد فيه الثقة على حدّ قولها، وإنّما تم اللعب على إيجاد أوراق مُلغاة، وتم إلغاء 18 صوتاً، والبعض تعمّد ذلك لإسقاط اللائحة، مشددةً أنّ الأغلبية في البرلمان لا تريد الغنوشي، وأنّه لا يمكن أن يترأس البرلمان إلا بالخيانة.
وخلال تصريحات لإذاعة محليّة، أشارت موسي أنّ حزبها يهدف للإطاحة بالغنوشي من البرلمان، لما يمثّله من خطر على الأمن القومي، وأكّدت أنّ الحزب الدستوري الحر لن يكون حجر عثرة أمام من تختاره القوى المدنية لخلافة الغنوشي، فيما كان قد جرى انتخاب الغنوشي رئيساً للبرلمان التونسي، في 13 نوفمبر 2019 بأغلبية 123 صوتاً، وخضع منذ توليه المنصب إلى جلستين للمساءلة بخصوص تحركاته الخارجية في محيط الدول الداعمة والموالية لتنظيم الإخوان، وتعمّقت أثناءها الأزمة السياسية وتوسّعت دائرة الخلافات والصراعات الحزبيّة.
في ليبيا.. سرقة للثروات
أما في ليبيا، فلا يختلف الواقع، بل يعتبر صورة متقدّمة لأيّ بلد يتمكن التنظيم من سلبه إرادته، عبر مجاميع تتحكم برقاب الناس من بوابة السلطة غير الشرعية، حيث قالت صحيفة “زمان” التركية، في الأول من أغسطس الجاري، إنّه قد بدأت تتكشّف تبعات اتفاق رئيس حكومة “الوفاق الوطني” الليبية، فايز السراج، مع رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، الذي يستغلّه لخدمة مصالح بلاده الاقتصادية.
وقالت الصحيفة التركية، عن مسؤول في حكومة الوفاق الليبية، إنّ “استغلال تركيا للمتشددين في ليبيا للضغط على السراج للرضوخ لمطالب أنقرة المالية، بما يؤكد سياسة تركيا القائمة على “المصالح” حتى مع أقرب حلفائها”، واعتبرت الصحيفة بصدد الاتفاق بين أردوغان والسراج، أنّ “الاتفاق كما هو معلن، يرمي إلى تقديم دعم لحكومة السراج، لكنه يعطي أنقرة عملياً موطئ قدم جنوب المتوسط، وموقعاً جديداً للنفوذ والسيطرة”.
وقالت إنّ ذلك اتضح عندما أعلنت أنقرة نيّتها استخدام قاعدتين إستراتيجيتين في ليبيا، حيث ذكر مسؤول تركي رفيع المستوى، أنّ تركيا تبحث مع حكومة طرابلس إمكانية استخدام قاعدتي الوطية الجوية ومصراتة البحرية، وأعلنت الصحيفة التركية “أنّ وثائق مسرّبة كشفت عن تحويل مليارات اليوروهات من المصرف الليبي المركزي إلى تركيا”، وخلصت للقول: “كما كشف مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي (مينا)، أنّ السراج دفع 12 مليار دولار للحكومة التركية، توزّعت بين 8 مليارات دولار كوديعة في المصرف المركزي التركي، و4 مليارات نقداً لحكومة أنقرة”.
وختاماً، لا يمكن للأمثلة المقدمة عن السلطات التي يمثّلها تنظيم الإخوان في ليبيا أو السلطة الجزئية في تونس، بجانب المواقف المريبة بين أقطاب التنظيم نفسه، إلا نموذجاً حياً لما قد تؤول إليه البلاد التي قد يقودها هؤلاء، من فوضى وفساد وبيع للأرض وتسليم للبلاد لمشاريع إقليمية، لا طائل منها لشعوب المنطقة، سوى سلب المزيد من الثروات باسم الله والدين، لدرجة أنّه لم يعد مستغرباً مطالبة بعض الباحثين الأتراك بإعادة إحياء الخلافة العثمانية، وهي دعوة وإن رفضتها السلطة التركية علناً، لكنها حكماً تؤيدها سراً وتناصرها باطناً.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!