الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الحوار السوري السوري
ثائر الزعزوع

اخنبرت بنفسي، ومن خلال متابعة تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، مفهوم الحوار بالنسبة لنا نحن السوريين، إذ لا يمكن جمع سوريين اثنين في حوار هادئ، متوازن، لمدة ربع ساعة على الأكثر، لأننا بعدها سنفاجأ بعواصف من الشتائم، وتبادل الاتهامات، ما يدفع مدير ذلك الحوار إلى إيقافه أو إلغائه كلياً. وإن كان رئيسا وفدي صياغة الدستور قد تحدثا بهدوء شديد في حضرة المبعوث الأممي غير بيدرسون في الجلسة الافتتاحية لأعمال اللجنة الدستورية، التي انطلقت أواخر الشهر المنصرم في مدينة جنيف السويسرية، فإن تركهما وحيدين في غرفة سيظهر معدنهما الحقيقي، وسوف ينهال أحدهما على الآخر شتماً ولعناً، ولا نستبعد الوصول إلى الضرب.


بالمناسبة في اليوم الثاني حدثت مشادة كلامية وتبادل الوفدان الشتائم، بسبب ما قيل إنه استفزاز قام به وفد نظام دمشق، من خلال تمجيد قتلى قوات النظام، ثم اتفق الطرفان على أن يراعي كل طرف مشاعر الطرف الآخر، وألا يقتربوا من المحرمات، ومن بين تلك المحرمات، مقام الرئاسة. كما نقل لي صديق صحفي يتابع أعمال الجلسات عن كثب.




في المسألة الكردية السورية، يأخذ الحوار كذلك طابعاً مخيباً للآمال حقاً، فهو ليس حواراً بمقدار ما هو حرب معلنة على الآخر، فكل “حزب” كما جاء في القرآن “بما لديهم فرحون” الكرد محقون، والعرب محقون، وكلاهما لا يلتقيان عند نقطة منتصف، لأن لا حوار حقيقياً حدث بين أولئك الذين يحسبون أنفسهم متحاربين، وأن ثمة ثأراً تاريخياً بينهم.

المسألة الطائفية تأخذ الشكل نفسه تماماً، فالحرب، التي هي أساساً ثورة ضد الديكتاتورية، تم التلاعب بمساراتها، حتى وصلت إلى أن “السنة” يريدون القضاء على “العلويين” و بالمقابل، فلنسمع الطرف الآخر ماذا يقول: العلويون جميعهم قتلة!!.




نعم هكذا تصل الأمور بيننا بسبب انعدام الحوار، وبسبب غياب تعريف الوطن من أجندتنا، و الأهم من مخيلتنا، فكيف نتخيل الوطن، إذا كنا أصلاً وعلى مدى عقود تم توجيهنا لاعتبار الوطن هو القائد، و حزبه، وجماعته.

و الآن كم جلسة حوارية جمعت السوريين؟




أعتقد أن طرح الأمور وتسميتها بمسماها الحقيقي، ومن خلال متابعتي، لم يحدث أبداً، فيما يسمى جلسات حوارية، أو حلقات نقاشية، لكن كان دائماً ثمة عنوان عريض، يتولى محاضر ما توجيه الحضور وتوزيع الأدوار، ودائماً ما نقرأ ردود أفعال غاضبة على هذه الجلسة أو تلك، لأن “الممول” كما يقال، أراد لتلك الجلسة أن تنحو ذلك المنحى‪.‬ عدنا إلى الممول!! وهل يمكن أن يستمر الممول في فرض أجندته الجاهزة علينا؟ وإلى متى؟




اختارت الأمم المتحدة مدينة جنيف السويسرية لإطلاق عملية كتابة الدستور السوري العتيد، و بمقدار ما يبدو الأمر كوميدياً، إلا أنني، ومن خلال منشور على صفحتي الشخصية، قلت: إن دستوراً لا يكتب في “البوكمال” لا يمكن أن يمثلني، والمقصود بطبيعة الحال ليس مدينة البوكمال تحديداً، لكن هل حدث أن تم تصنيع دستور لدولة في دولة أخرى؟ و ما هي قيمة ذلك الدستور الذي سوف تتم كتابته بإشراف أجنبي!! الغريب أن النظام السوري الذي لا ينفك يكرر أسطوانة السيادة الوطنية، لا مانع لديه من أن تشرف الأمم المتحدة على كتاب دستور بلده! و المعارضة التي لطالما اتهمت الأمم المتحدة بالتراخي والسكوت على جرائم النظام تسير بهدوء لتنفيذ توجيهات الأمم المتحدة!! لماذا لم تكن دمشق أو حلب أو اللاذقية حاضنة لتلك اللجان؟ ألا يستطيع السوريون كتابة دستورهم دون وصاية وتمويل؟

حقاً، ألا نستطيع فعل شيء دون وصاية؟ و إذا انتهت الوصايات ماذا سنفعل؟




ترافقت المعارك التي أطلقها الجيش التركي على منطقة الجزيرة السورية بمساعدة ما يعرف بالجيش الوطني، مع حركة نزوح كبيرة من المدن التي دخلتها القوات الغازية، قالت مصادر مراقبة ومتابعة إن عدد النازحين تجاوز ٣٠٠ ألف، هاموا خائفين في العراء، عرباً و كرداً، أو كرداً وعرباً، التجأوا إلى أقرب مدينة آمنة، فتحت لهم بيوت، لم يسأل أصحابها أولئك القادمين عن انتماءاتهم. قامت امرأة في مدينة الطبقة بفتح بيتها لثلاث عائلات، ولم تدقق في هوياتهم. ما حدث داخل البيت يختصر الكثير من الجلسات التي تتم بوصايات إقليمية وأممية. مكثت العائلات الثلاث أكثر من أسبوع، يتقاسمون اللقمة فيما بينهم، كانوا جميعاًً، سوريين نازحين خائفين.




ذلك المشهد هو الحقيقة الوحيدة التي تغيب عن بال الكثيرين، هناك في سوريا ملايين السوريين الذين هم ضحايا الحرب وضحايا اللا حوار، وضحايا أننا لم نتفق، ولن نتفق إلا وفق أجندات ترسم لنا.


الحوار السوري السوري الحوار السوري السوري الحوار السوري السوري

أخيراً، ترفض السلطة الحاكمة الحوار جملة وتفصيلاً، وقد أعلن ذلك وزير خارجية نظام دمشق وليد المعلم منتصف العام ٢٠١٣ حين قال بوضوح: ما لم يحصلوا عليه في المعارك لن يحصلوا عليه أبداً على طاولة المفاوضات. وهي، السلطة، آخر من يمكن أن يتنازل لإنقاذ ما تبقى من سوريا إن كان تبقى شيء أصلاً.... وسوف تظل عجلة الموت تطحن السوريين في الداخل، كما ستطحن عجلة المنفى الملايين منهم. فمتى سوف نتحاور نحن السوريين؟


صحفي سوري

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!