الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الحنين لعفرين يطلق عامه الثّالث ويعد بالعودة مع إحصاءات انتهاكات صادمة

الحنين لعفرين يطلق عامه الثّالث ويعد بالعودة مع إحصاءات انتهاكات صادمة
الحنين لعفرين يطلق عامه الثّالث ويعد بالعودة مع إحصاءات انتهاكات صادمة

يشارك العالم جميعاً في خنق صوت عفرين، يحضر وسائده ولصاقاته ووثاقه، ليقيّد إشارات تَعِدُ بالنّصر، ويكتم صوت المهجّرين عند أطراف عفرين، فيما قبل /3/ أيام بالضبط، كان نازحو دمشق وريفها وإدلب وحلب وحماة وحمص ودرعا والقنيطرة، يلوحون بإصبع السبابة فقط، في ساحات سلبت فيها حرية عفرين، ويتوعدون النظام السوري بالعودة، في الوقت الذي يستجدون فيه الدعم من تركيا التي تستخدم سلطاتها، أصابعها الأربعة والخمسة للتلويح باحتلال تدعيه "نصراً". الحنين لعفرين


لا يزال المجتمع الدّولي بشعوبه وحكوماته ومخابراته، يعجن لإحدى أذنيه ويحضّر الطّين للثانية، وكأن عفرين ميزان الأرض الذي ألقته السماء،ليتلقَّفه الكرد من أبنائها، ويغرسوا الزيتونة تلو الأخرى في كفتها، ويصيّروا جبالاً عالية بقيت صديقتهم، مرجاً أخضر، ينظر إليها أهلها اليوم وهي تقطع بمناشر المتسلِّطين ومن جرى توطينهم في تغيير ديموغرافي كانت تركيا راعيته، وما أرادت من دخولها إلى سوريا بضوء أخضر روسي، إلا احتلال المنطقة تلو الأخرى، يغيظها في ذلك الأنموذج الذي لم يرق لها يوماً، فإدارة ذاتية وجيش من أبناء المنطقة، أثار حفيظة تركيا، التي لم يثرها جموع الدواعش طوال سنوات على حدودها، فلملمت الدواعش من جرابلس والباب ودابق واعزاز وشمال حلب، لتزرع عدم الاستقرار والانتهاك تلو الأخرى فيما العالم ينتظر يباس هذه الفظائع التي طالت أهالي عفرين، ويخفي مناجله لألا يحصدها ويصدِّرها إلى المجتمع الدولي الذي ستبقى لعنة عفرين تلاحقه، هكذا يسترسل لسان حال أهلها في القول.


يحدث في عفرين أن تبقَ النساء والصبايا حبيسات منازلهن، فذئاب تركيا الجديدة لا تزال تتربص فرائسها، فيما الصَّيد من أقرانها ذاق الأمرّين، فلا حلو في عفرين اليوم إلا ذكراها وبقايا الزيتون والجدران التي تشد حنين قاطني الخيم المبنية على عجل المهجّرين الباحثين عن مأوى، وبترقب يحمل صبراً جاء من تراث عفرين التي كان يتراقص رجالها وشبابها عشية كل عيد وفي كل عرس وعند كل عِشاء. الحنين لعفرين


الأرقام صادمة لمن يرى ويسمع، لمن لا يزال يحمل بقايا الإنسانية في داخله، ويعيش مناشداً ضمير العالم ليهتز مرة واحدة لأجل عفرين، ليتحرك هذا الضمير لأجل المعاناة والتشريد والتهجير ومرارة الألم، لا بسبب أجندات تخدمهم ضد أعداء عفرين الذين فرقت أَخونتهم بين الأخوة، وباتت المسافة بينهم بعيدة بعد شجرة متهاوية، قطعت من أسفل الساق، فيما الجذر يأبى الانخلاع ويترك نفسه لمن تقاذفتهم الجغرافيا، في حين أرضهم وبيوتهم ومزارعهم وكل ممتلكاتهم تنهبها أيادي سرّاق النحاس والطّيور والماعز.


استبق مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، -وهو مركز رصد حقوقي يعنى بتسجيل الأحداث اليومية- تاريخ الفاجعة، ليظهر النموذج الجديد الذي حل مكان النموذج الذي أغضب حزب العدالة والتنمية، وألبس أردوغان الرداء العسكري في هاتاي المحتلة هي الأخرى، والتي رفضت جهات دولية سابقاً ظهورها رسماً، في خريطة سوريا المتعادية مع تركيا بعد سنوات الوصال.


التقارير التي نشرها مركز توثيق الانتهاكات بدأت بالتهجير الذي شمل الكرد والأيزيديين والعلويين، وحتى المحتمين بعفرين نتيجة تأثيرات الأزمة السورية، فبلغ تعداد المهجرين /350/ ألف مدني، بينهم /50/ ألف هجروا بعد احتلال المدينة في الـ 18 من آذار / مارس 2018، فيما كان للمسيحيين حصة الأسد بـتهجير /95%/ منهم، وتهجير معظم الأيزيديين والعلويين من أبناء عفرين، بعد أن جرى تدمير كنائس ومراكز دينية ونهب محتوياتها ومن ثم إحراقها.


فيما أظهرت إحصائيات الضحايا المدنيين قتل القوات التركية ومرتزقة المعارضة السورية التابعة لها من الجيش الوطني وغيرها من الفصائل العسكرية، قتل /690/ مدني بينهم أطفال ومسنون، من ضمنهم /380/ استشهدوا خلال /59/ يوماً من الحرب الدامية عبر الضربات الجوية والبرية والإعدام، بينهم /55/ طفلاً و/36/ امرأة، فضلاً عن /1120/ إصابة لمدنيين، تعرض الكثير منهم لإعاقات دائمة. الحنين لعفرين


فيما استرسل المركز في توثيقاته ليأتي على توثيق /4900/ حالة اختطاف واعتقال لمدنيين في منطقة عفرين بقراها وبلداتها ومدينتها، بينهم /2500/ مدني لا يزال مصيرهم مجهولاً.


وحول المباني والمرافق العامة والممتلكات الخاصة، فقد ذكر المركز الحقوقي المعني بانتهاكات الشمال السوري، توثيقه مصادرة /910/ منازل و/56/ مركز تعليمي وخدمي وتحويلها من قبل القوات التركية وفصائل المعارضة إلى مقرات وثكنات عسكرية في عفرين، بالإضافة لتوثيقه جرف /1800/ قبر وهدم /110/ منازل وحرق /98/ منزلاً ومتجراً وبستاناً.


ولم يغفل المركز في إحصائيته المنشورة على موقعه الإلكتروني الرسمي، عن ذكر التقارير التي اتهمت تركيا باستخدام أسلحة محظورة دولياً في حربها على أهالي عفرين، إذ أكد الأطباء بمشفى أفرين في عفرين في وقت سابق –وفقاً للمركز- معاينتهم لحالات تعاني من "حروق غير طبيعية"، وهذا ما تقاطع مع اتهامات من مصادر محلية وقوات سوريا الديمقراطية لتركيا بـ"استخدام النابالم ضد المدنيين العزل"، فيما أضاف الأطباء أنفسهم أن الحروق شوهدت على جثث تعود لمدنيين في منطقة راجو، التي أظهرت صورة متداولة جندياً تركياً، وهو يرفع لافتة كتب عليها "روما لا نعرف من أحرقها لكننا نحن من حرقنا راجو".


وللمواقع التاريخية نصيب من استهداف عفرين، فتركيا التي قدمت بذئابها الرمادية وبفلول جمعتهم بعملة وعمالة، لم تحتمل تاريخ جبل الأكراد الموغل في التاريخ، إذ استهدفت قريتي كوبلة وعلبيسكة التي كان تضم كنائس أثرية مع موقع تلة عين دارة الذي يعود لـ/3500/ سنة ودمرت نحو /60%/ من المعبد الحثّي، ومواقع أثرية في منطقة النبي هوري المصنفة على قائمة اليونيسكو.


كمُّ المخاوف منع تفاصيل الحقيقة من الاستكمال، في الوقت الذي لم تمنع فيه جزءاً منها من الظهور، وهو ما يصفه مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا على أنه "لا يمثل حقيقة 30% من الانتهاكات التي يخشى الضحايا البوح بها، خشية الانتقام من عائلة الضحية أو الضحية نفسها، ويزيدها المعوقات الميدانية التي تفرضها الفصائل المسلحة مع الدولة التركية حول التحرّي والتّقصّي في مسار الانتهاكات". الحنين لعفرين


فيما أضاف المركز في تقرير منفصل نشر قبل يومين، أن السلطات التركية في منطقة عفرين تعمل بالتعاون مع فصائل المعارضة المسلحة السورية، على نشر اللغة والثقافة التركية وافتتاح مدارس إسلامية تركية تشبه النموذج في داخل تركيا، مع احتكار المشاريع الاقتصادية الرئيسية في المنطقة، دون السماح للمنظمات غير المسجَّلة في تركيا بالعمل في عفرين، وفق ما قاله المركز نقلاً عن تقرير لقناة BBC التلفزيونية.


قائمة الانتهاكات المكتوبة اصطحبت معها أشرطة مصورة وصوراً، جرى تنسيقها ضمن ملفات حقوقيّة تهدف لمواجهة تركيا بها في المحاكم الدوليّة، إذ يوصي المركز الدول والمنظمات الدولية ذات الصلة "أن تبدأ عملية المساءلة القانونية عن جرائم تركيا في عفرين. لإحالة تركيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، فمن الواضح أنّها ارتكبت جرائم ضمن اختصاص المحكمة في عفرين، فالصور ومقاطع الفيديو والشهادات من سكان المنطقة الذين يشهدون على الجرائم متاحة بحرية".


في الـ 18 من مارس 2018، كان العفرينيون يتسلقون الجبال المطلة على مناطقهم، يحكي أحدهم بعد عامين قائلاً: "في هذا التوقيت بالذات وفي مثل هذا الطقس، صعدت التلة ونظرت خلفي، لم أرَ شيئاً سوى دخان متصاعد وخيبة وحلماً بالعودة يعتصره الألم".



ليفانت - عدنان منصور

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!