الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • "الحرانيون السومريون: في أصول ومعتقدات العشائر الزراعية في الجزيرة والفرات

الحرانيون السومريون

يعتبر كتاب ”الحرانيون السومريون“ رحلة تاريخية في أصول سكان ”الجزيرة“ و ”حوض الفرات“ وعلاقتهم بالجماعات الدينية و الأقوام المجاورة، منذ فجر السلالات السومرية.


أصدرت دار "جدار للثقافة والنشر في" مالمو- الإسكندرية، كتاب "الحرانيون السومريون: في أصول ومعتقدات العشائر الزراعية في الجزيرة والفرات" للباحثين خلف علي الخلف وقصي مسلط الهويدي.


يتألف الكتاب من 306 صفحات من القطع الكبير ويتضمن خمسة أبواب رئيسية. ويتحدث الباب الأول عن تاريخ الجزيرة ومدنها الأساسية: الرقة، حرّان، الرّها ونصيبين، التي شكلت النطاق الجغرافي للبحث.


بينما الباب الثاني تناول أصول السكان ومعتقداتهم، أما الباب الثالث فقد تناول "المعضلة الحرّانية" التي شكلت أهم محاور الكتاب، وانقسم إلى عدة فصول، حيث يبحث الكتاب في المعتقدات الحرانية وعلاقتها بالصابئة والمندائية والحنيفية والأحناف، عبادة "الإله سين" إله القمر الحرّاني، ويجري بينها وبين هذه المعتقدات دراسات مقارنة.


كذلك يبحث في علاقة بولس الرسول بالحرانيين، كما يبحث في علاقة المعتقدات الحرّانية بالفلسفة اليونانية. يحاول الباحثان في هذا الباب تقصي مصادر المعتقدات الحرّانية ويبحثان في تاريخ "الإله سين"، إله القمر الحرّاني، الذي كانت حرّان عاصمته المقدسة، وخلال تقصي المدونات الموثوقة عن المعتقدات الحرّانية يتوقف الباحثان عند كتاب "الفلاحة النبطية" الذي ترجمه ابن وحشية ومازال مثاراً للجدل بين الباحثين حول العالم، فالكتاب بالرغم من كونه كتاباً في الفلاحة وشؤونها إلا أنه يقدم معلومات موثقة عن العقائد الحرانية.


قال الباحث "خلف علي الخلف"، أحد مؤلفَي الكتاب لصحيفة ليفانت، إن الكتاب يقدم عدداً من الكشوفات الجديدة التي لم يسبق تناولها فيما يتعلق بمقارنة العقائد والأديان وفيما يتعلق بتاريخ الجماعات البشرية لسكان بلاد ما بين النهرين، بشكل عام، وسكان الجزيرة الفراتية، بشكل خاص.


وأضاف "من خلال البحث في المعضلة الحرانية التي ناقشها أهم باحثي الأديان الشرقية في العالم توصلنا لنتائج جديدة تتعلق بديانة النبي إبراهيم الشخصية المحورية في الأديان السماوية تحدد ديانته التي كان عليها قبل انتقالها للحنيفية. كما عرضنا لأول مرة في تاريخ الدراسات الدينية ماهية الديانة الحنيفية ومصادرها وشرائعها وطقوسها وعباداتها وذلك من خلال المصادر التاريخية التي ناقشت وعرضت وجادلت في المعتقدات الحرانيّة".


وتابع: "أما على مستوى البحث الأنثربولوجي فنحن قدمنا نظرية جديدة تخص أصول العشائر الزراعية في الجزيرة والفرات تقول بأن أصولهم تعود للحرانيين غير العرب وغير المسلمين، وأنهم انتسبوا للعرب في فترات متأخرة من التاريخ، كما أنهم يمكن أن يكونوا آخر الشعوب التي دخلت الإسلام طواعية".


كما يتتبع الكتاب العقائد الحرّانية في المصادر العربية والسريانية ويحاول رسم مسار تاريخي لها. في الباب الرابع الذي جاء بعنوان "في مآل الحرّانيين إلى ‘الشوايا‘" يبحث الكتاب في نعت الشوايا الذي يطلق تحقيراً على العشائر الزراعية في الجزيرة والفرات، في القواميس العربية والسريانية ويتتبع جذوره. كما يبحث في روايات هذه العشائر عن أنسابها، كما في المصادر التاريخية. ويورد فصلا بحثياً عن الفترة التي تحول فيها الحرانيون "النبط" ذوو الأصول غير العربية وغير المسلمة إلى "الشوايا" الذين ينسبون نفسهم لعرب اليمن. كما يبحث في الفترة التي انتسبت فيها هذه العشائر للإسلام والتي يقدر الباحثان بأنها تعود للفترة بين غزو التتار للجزيرة وقيام الإمبراطورية العثمانية. ويختم الكتاب أبوابه بباب يبحث في الأصول السومرية للحرانيين قبل أن يقدم خلاصة البحث.


وبحسب الملخص الذي قدمته دار النشر للكتاب، فإنه يشكِّل الكتاب رحلة تاريخية في معتقدات وأصول سكان “الجزيرة” و"حوض الفرات"، تعود إلى فجر السلالات السومرية، من خلال تقصّي آثار الحرّانيين ومعتقداتهم، وعلاقتهم بالجماعات الدينية والأقوام المجاورة لها. ويعتبر البحث في "المعتقدات الحرّانية" من أكثر القضايا إثارة للجدل في الدراسات الدينية الشرقية، حتى اليوم، فيما إذا كانوا صابئة أو أحنافًا أو وثنيين يعبدون الكواكب والنجوم، أم يتبعون ديانات "سريّة" أخرى.


الحرانيون السومريون


يبحث الكتاب في صلة "المعتقدات الحرّانية" بكل من: الصابئة، المندائيين، وأتباع ديانة الإله "سين"، إله القمر الحرّاني؛ الأحناف، وبالتالي علاقتهم بإبراهيم الخليل، الأب الرفيع المكرم فيما سُمي الديانات التوحيدية، رغم التناقض "اللاهوتي" حول معتقداته في هذه الديانات. يقدم البحث، من خلال المصادر التاريخية، الدلائل على أن إبراهيم الذي كان يعبد "الإله شمس" في موطنه الأصلي، تحول إلى عبادة "الإله قمر"، الذي كانت حرّان عاصمته المقدسة، وكان ذلك سبب نفيه إليها، وهو ما يجعل رحلته لحران قبل ذهابه إلى أرض كنعان مفهومة. يصل البحث إلى أن ديانة "الصابئة" المذكورة في القرآن لا تدل على "دين" محدد، لكن من خلال التحليل اللغوي للمفردة وربطها مع أحد الشعائر المندائية يمكن الاستنتاج أن الديانة المقصودة هي المندائية، المختلفة عن المعتقدات الحرّانية، ومن خلال المقارنة بينهما يصل البحث إلى أن لا رابط بين العقيدتين سوى المؤثرات السومرية على المندائية.


يبحث الكتاب أيضاً في علاقة معتقدات الحرّانيين بالفلسفة اليونانية والأفلاطونية المحدثة، والأسباب التي جعلت فيثاغورث وفلاسفة يونانيين آخرين مقدسين لديهم، ويقدم البحث الصلات التي ربطت هؤلاء الفلاسفة بالحرّانيين، ويخلص إلى أن هؤلاء الفلاسفة كانوا بهذا القدر أو ذاك أبناء المدرسة الحرّانية أخذوا منها أولاً ثم أضافوا لها لاحقاً.


يتوقف الكتاب عند العداء المسيحي - الحرّاني، بعد تحوّل جارتهم "الرّها" تحت حكم سلالة أبجر العربية، إلى المركز الرئيسي للمسيحية الناشئة في العالم. يقدم البحث الدلائل على أن هذا العداء لم يبدأ مع "آباء الكنيسة"، كما يرى أغلب الباحثين، لعدم دخول الحرّانيين المسيحية وافتخارهم بإبقاء مدينتهم بعيداً عن "ضَلال الناصرة"، بل تعود جذوره إلى اليهودية، تصاعد مع "رسول الوثنيين"؛ بولس، أحد أعمدة المسيحية الرئيسية. حيث يقدم البحث قراءة جديدة لرسالة الرسول بولس الثانية إلى أهل ثيسالونيكي، تربطها بهذا العداء، وترى أن المقصود بـ"رجل الخطيئة" أو The man of sin وكذلك "هيكل الإله" The temple of God الواردة في نص تلك الرسالة هو الإله "سين" ومعبده الشهير في "حرَّان". في هذا المبحث يخلص الكتاب إلى أن المعتقدات الحرّانية تمحورت حول عبادة الإله سين؛ إله "القمر" الحرّاني، رغم وجود "الشمس" و"الزهرة" كثالوث مقدس في معتقداتهم، وأن ديانتهم هي ما أُطلق عليها "الحنيفية" التي تعتبرها اليهودية والمسيحية ديانة "وثنية" ويعتبرها الإسلام ديانة "توحيدية"، ويقرّ بأنها أصله.


يرسم الكتاب مساراً تاريخياً للمعتقدات الحرّانية بدءاً من جذورها السومرية الأولى حتى تحولها إلى ديانة "شبه توحيدية" في عهد "نابونائيد"، آخر الملوك البابليين، الذي جعل حرّان عاصمته، وبسبب خلاف مع "اللاهوتيين" حول تجديد معبد الإله سين، اعتكف في "تيماء" في الجزيرة العربية لعقدٍ من الزمن، وبنى فيها معبداً للإله سين، حيث كان يعبد في الجزيرة العربية باسم "الله" أو "الله تعالى". إذ كانت ديانة الإله سين "الحنيفية"، التي يقدم البحث ماهيتها وشرائعها وعباداتها وطقوسها وأعيادها، هي الديانة المهيمنة في وادي الرافدين والجزيرة العربية وجزء من أفريقيا قبيل ظهور الإسلام. ويجري البحث مقارنات بين العبادات والطقوس والشرائع الحرّانية، والإسلامية ويخلص إلى التشابه الكبير بين الديانة الإسلامية وديانة الإله سين "الحنيفية"، والتي استمرت حتى غزو هولاكو حرّان (1260م) وتدميرها وتشريد أهلها وتهديم آخر معبد للإله سين بتحريض نسطوري مسيحي.


لم ينتج عن هذا الغزو اختفاء حرَّان من الوجود، بل اختفى الحرَّانيون الفلاحون "النَّبَط" أيضاً، وهم جماعة مشهورة عبر التاريخ، انقطع ذكرهم بعد هذا الغزو، وظهرت بدلاً منهم عشائر زراعية عُرِّفتْ بـ"الشَّوَايا"؛ وهو نعت تحقيري؛ تنتشر في المناطق التاريخية التي سكنها الحرانيون في الجزيرة وحوض الفرات، تشتغل بالفلاحة، وما تزال تحمل شيئاً من الإرث الحرَّاني، تم تتبعه في إرثها الشفهي. حيث يعرض البحث الدلائل والشواهد اللغوية والتاريخية، التي تؤكد أنّ أصول جماعة محددة من هذه العشائر، شكلت مجتمع البحث، تعود إلى الحرانيين وليس إلى قبيلة "زبيد" العربية اليمانية، وأن ما جرى هو تبديل انتسابٍ من الأصل الحرَّاني "النَّبَطي" إلى الأصل العربي. خصوصاً أن محيطهم غلب عليه العرب الذين كانوا موجودين في المنطقة قبل الإسلام وحكموا "مملكة الرها" من 132 ق.م إلى 242م عبر سلالة أبجر العربية، حيث تطلق المصادر الرومانية على حاكم "الرّها" سلطان العرب، وهذا بعكس الشائع في المصادر التاريخية التي تربط وجود العرب في المنطقة بالهجرات في العهد الإسلامي. إذ يكشف البحث؛ من خلال المصادر التاريخية، أن الشاعر الشهير عمر بن معد يكرب الزبيدي، الذي تنتسب من خلاله هذه العشائر لقبلية زبيد، قد "مضى نسله" في وقت مبكر من التاريخ.


كما يورد البحث الدلائل على عدم وجود هجرة لـ"زبيد" إلى منطقة الجزيرة وحوض الفرات لا قبل الإسلام ولا خلال العهد الإسلامي.


يخلص البحث إلى تقديم نظرية حول أصول العشائر، التي شكلت مجتمع هذا البحث، المتمثلة بتحالف عشائر "البوْشْعبَان" وعشيرة "المِجَادمةْ"، والتي تنسب نفسها إلى "زبيد"، وكان موطنها الأصلي حرّان قبل تدميرها، وتستوطن الآن بشكل أساسي الجزيرة وحوض الفرات ووادي البليخ، تقول بأن أصل هذه الجماعة لا يعود إلى "زبيد"، بل إلى الحرّانيين الذين عاشوا في حرَّان منذ ألفي سنة قبل الميلاد على أقل تقدير، قبل تشريدهم الأخير، الذي تلا غزو هولاكو. كما يقدم البحث الدلائل على أن هذه الجماعة التي بيّن البحث أصلها الحرّاني غير العربي، قد دخلت الإسلام بشكل متأخر، في الفترة ما بين غزو التتار للمنطقة في نهايات القرن الرابع عشر الميلادي، وبدايات سيطرة الإمبراطورية العثمانية وبقي إسلامها شكلياً حتى النصف الثاني من القرن العشرين، واحتفظت بجزءٍ من موروثها الحرّاني حتى وقتٍ قريب.


وفي النهاية يقارب البحث منشأ الحرانيين الجغرافي - الحضاري، ويقدم الصلات الدينية والثقافية والعلمية التي تربطهم بـالسومريين، إذ يرتبط البحث في النهاية بـ"القضية السومرية"، التي ما تزال تشغل الباحثين وتتعلق بمصير السومريين من أين جاؤوا وأين ذهبوا. فقد توصل البحث عبر الأدلة المتناثرة في الكتب والمراجع واللُّقى الآثارية إلى كشف جديد، يقول بعودة أصول الحرَّانيين إلى السومريين، الذين هاجروا بالأصل من أعالي الجزيرة إلى السهل الرسوبي في بلاد النهرين وبنوا أولى المدن وأولى الحضارات.


ليفانت  ليفانت

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!