-
الجولان السوري المحتلّ
المشكلة الأساسيّة أننا لا نعترف تاريخياً بوجود فلسطين، بل ببلاد الشام، لذلك يصعب علينا التفريق بين الجولان وبين صفد أو حيفا، ومع ذلك نسير وفق القانون الدولي، ونعتبر أنّ حدود الدول يقررها مجلس الأمن الذي تنطح لحفظ السلام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.
وهكذا صدر قرار مجلس الأمن 242 بعد حرب حزيران عام 1967 وطالب بإعادة الأراضي المحتلة، أي الجولان وسيناء والضفة وغزة، مقابل توقيع سلام دائم بين الدول العربية وإسرائيل، وبذلك ثبت هذا القرار حدود دولة إسرائيل ليس تبعاً لقرار التقسيم الذي صدر عن الجمعية العامة 1947، بل وفقاً لنتيجة حرب عام 1948، وللحدود التي قامت عليها دولة إسرائيل واعترفت بها الأمم المتحدة، مع وجود قرارات تحفظ حق العودة للاجئين وقيام دولة فلسطينية.
تلاعب موظفون في مجلس الأمن واستبدلوا أداة التعريف بأداة التنكير، فصارت أراض عربية محتلة، وليست الأراضي العربية في النسخة الإنكليزية، وهكذا صار أمام إسرائيل فرصة تعديلات على هذه الحدود، وبناء عليه تابعت الاستيطان في الضفة وبنت الجدار الفاصل بعيداً عن حدود 5 حزيران.
من يزور الجولان اليوم يدرك تماماً أن إسرائيل تحترم قرار مجلس الأمن، فوجودها ما يزال عسكرياً، ولم يقام فيها أي مشاريع استيطان واقتصاد كبيرة، معظم المستوطنين يقيمون في مساكن قابلة للإزالة، وبأعداد قليلة، أي أن قرارات الضم المتلاحقة، ليست سوى أوراق ضغط تفاوضية، للقبول بتنازلات محدودة في الأرض، فتصميم حرب حزيران 1967 هو أن تكون الأرض مقابل السلام، وهكذا تبقى الأرض محتلة طالما رفضت الدول توقيع السلام الدائم، وهكذا رفض حافظ الأسد عدة مرات استعادة الجولان، لأن توقيع السلام يعني تخليه عن حالة الطوارئ التي تسمح له بالبقاء في السلطة، كسلطة عصابة، هكذا بقيت الجولان محتلة طالما بقي الأسد والاستبداد، مع هدنة ومراقبين دوليين يحرسونها (ضمن معادلة لا حرب ولا سلم)، وهذه معادلة رابحة بالنسبة لإسرائيل، وبالنسبة للأسد ونظامه، استمرت وما تزال، حتى دخول الإيراني ومحاولته تشكيل منصّة تهديد لإسرائيل جديدة فوق الأراضي السورية القريبة.
عندما طلب بشار التفاوض من جديد مع إسرائيل بوساطة روسية ثم عربية، سحبت إسرائيل ملف الجولان من التفاوض، ووضعت فوق الطاولة المستجد الأخير، وهو المنصّة الإيرانية، فبقاء الأسد وعدم استهدافه مشروط بانسحاب إيران، واستخدمت ملفات الجرائم والكيماوي كملفات ضغط، وهكذا اعترفت أمريكا بضم الجولان، لتعزيز ودعم الموقف الإسرائيلي في التفاوض، وتبنّت أيضاً ملف محاسبة الأسد ونظامه، وهكذا وبعد عدة جولات ثبت عجز الأسد عن فعل أي شيء، وهكذا انتقل التفاوض ليصبح مباشرة مع إيران، وهو ما يجري حالياً في جنيف.
ملف الجولان مؤجل لفترة زمنية بعيدة، يمكن إعادة فتحه بعد استقرار سوريا وقيام نظام حكم جديد، ومرهون بقدرته على إثبات إمكانية استقرار السلام إذا أراد التفاوض من جديد، وعليه فإنّ استقرار سوريا هو مفتاح عودة الجولان أو مفتاح فتح آفاق التفاوض من أجل السلام، وهنا سيكون الموقف الإسرائيلي أكثر تشدداً، وهذا سيجعل من أي حلّ مجبراً على التدرج، بحيث لا تقدم إسرائيل تنازلات جدية إلا بمقدار ضمان استتباب السلام.
وهنا يتوجب طرح برنامج إقامة سلام مبني خطوة بخطوة، بحيث يبدأ التفاوض على إطار عام لإنهاء حالة الحرب، وفتح سفارات واعتراف متبادل، وتعهد بحل قضية الجولان بالتفاوض وفقاً لمرجعيات قرار مجلس الأمن 242، ثم تفتح الحدود ويسمح للمواطنين السوريين باستعادة ممتلكاتهم الشخصية، والعودة للعيش فيها، قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي، مع تدرج في دخول المؤسسات المدنية السورية، وقيام مشاريع اقتصادية ثقافية خدمية مشتركة في الجولان تضمن تحولها لمنطقة اقتصادية سياحية مشتركة بين شعوب المنطقة، تنتهي باستعادة السيادة السورية من دون تحولها لجبهة قتال من جديد، وهذا يقع في إطار زمني قدره عقدين.
فالمسألة اليوم هي استعادة سوريا وعودة شعبها وبناء نظامها وتحريرها من الاحتلال الإيراني، وهذا يتطلب عقداً من الزمن، ثم بعد ذلك يبدأ التفاوض لاستعادة الجولان، ضمن خطة من عشر سنوات على الأقل.. فالجولان قد يعود لكن ليس قبل عام 2040، هذا إذا بقيت سوريا دولة موحدة، فموت سوريا أيضاً مصلحة إسرائيلية يمكن أن تفكر فيها.
ليفانت - كمال اللبواني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!