الوضع المظلم
الجمعة ١٠ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الجنوب السوري والغياب الروسي المتعمّد
سوري،

مرّت سنتان على اتّفاق تسليم الجنوب والذي تمّ برعاية روسية وتفاهمات روسية_إسرائيلية_أردنية، بخصوص كامل منطقة الجنوب السوري، بحيث تبقى هذه المنطقة بعيدة عن التمدّد الإيراني والذي يقلق إسرائيل والأردن في محيطهما الحيوي، وهو الشرط الأساسي لكل من إسرائيل والأردن حينها. ولكن ماحدث على الأرض هو العكس تماماً عن مفردات هذه التسوية_الصفقة! 


فالتمدّد الإيراني وحزب الله كبير جداً في مناطق الجنوب السوري، وبطرق عدّة وأمام أعين الروس أنفسهم، فهل تريد روسيا بغيابها هذا عن هذه المنطقة الحيوية امتلاك أوراق لبازار سياسي قادم حول المنطقة وجوارها الأردني والإسرائيلي؟، أم أنّ مايحدث في شمال غرب وشمال شرق سورية له الأولوية الروسيّة الآن قبل تسوية ملف الجنوب؟، وقد يكون مرد هذا هو بسبب ثقل التواجد التركي والذي كبر ليأخذ شكل احتلال لمناطق واسعة في الشمال السوري، ولا بدّ لها، أي لروسيا، أن تكون حاضرة، وبقوّة لتثبيت مصالحها وترسيخ تفاهماتها مع أمريكا أيضاً بشكل دائم وشبة يومي في شمال شرق سوريا كأولوية روسيّة على باقي المناطق السورية.


فبدون شك ما يحدث في الشمال له الأولوية الروسية، لأنّه يرسم على الأرض وبالدماء نقاط الفصل الجديدة بين الأطراف المتنازعة فيها. أما بالنسبة للجنوب فلا تحضر روسيا إلا عند الأزمات الكبيرة التي قد تزعزع الاستقرار الهشّ الذي تعيشه المنطقة، وهذا مانراه الآن وبعد الأزمة التي حدثت ولا تزال فصولها تتابع بين الفيلق الخامس بقيادة أحمد العودة والذي تشرف عليه روسيا، ومقرّه مدينة بصرى الشام في درعا، وأهالي بلدة القريا جنوب محافظة السويداء، والمجزرة البشعة التي حدثت بحق شباب البلدة بتاريخ 27/3/2020،


والتي أشرنا لها مراراً في تقارير سابقة، ليعود ويتكرر التوتر والاشتباك تماما بعد شهر أي في 27/4/2020ويؤدي لمقتل الشاب “فراس مليح” من البلدة، وقد ترافق هذا الحدث مع تواجد لضابط روسي رفيع المستوى على الأرض بين البلدتين لإزالة السواتر الترابية التي أقامها الفيلق الخامس والجيش السوري في أراضي بلدة القريا، مما اضطر الجنرال الروسي ومرافقيه مغادرة المكاندون الإدلاء بأي تصريح حول مجريات الحدث وكيفيّة علاجه.


إشارات استفهام كثيره حول هذا الاشتباك ومن مسببه، والواضح أنّه لا يريد لأي حلّ يعمل عليه أبناء السهل والجبل بعقلائه وشرفائه لوأد هذه الفتنة وإعادة الاستقرار والوئام بين الجارين أن يرى النور ويبقي حالة التوتر والغليان هي السائدة. ليبقى الفعل الأساسي منوط بالعصابات والفصائل المرتبطة بالميليشيات الإيرانية وحزب الله والأجهزة الأمنية التي تغذي الفتنة والشقاق بين المحافظتين، وفرض الأجندة السوداء من قتل وخطف وتهريب وكل الموبقات، لأن هذا يصبّ في بقائها وازدهارها وتمددها في المنطقة، وبالتالي تعطيل الدور الروسي للمحافظة مبدئياً على الهدوء في المنطقة واستثمار انشغالها في ملفات الشمال السوري لملء الفراغ في الجنوب، وذلك أمام تخلّي السلطات المحلية الرسمية عن دورها بضبط المخالفات القانونية. 


لا، بل والعمل على إذكاء الفوضى وعدم المساهمة بمساعدة الأهالي في المنطقتين على استكمال مشاريع تهدئتهم وترسيخ الاستقرار. وهذا ما بات يلحّ على السكان المحليين في المنطقتين بسؤال البديل، وجموع الأهالي تقضّ مضاجعهم حالات التوتر الدائمة وعمليات الخطف والسرقة وفوضى السلاح وعدم الأمان المستمر منذ سنوات، فهل تتغاضى روسيا عن كل هذه المعادلات حتى يلجأ لها أهالي المنطقتين فتفرض هي شروطها السياسية والعسكرية عليها بطريقتها؟. 


وحيث يدرك أهالي درعا والسويداء أنّ الروس ليسوا حمائم سلام أو ملائكة بيضاء، ولكن في اللحظة الراهنة هم الوحيدون القادرون على إعادة الاستقرار الأهلي للمنطقة، والتي ستضع الجميع أمام خيارات ومخارج كلها سيئة النتيجة وقد تدفع لخيارات أخرى لا يريدها أبناء المنطقة سواء في درعا أو السويداء، ما يزيد حمل وتركة المسألة المعلقة بهذه الطريقة على كيفية إدارة هذه المرحلة بتعقل وحكمة من قبل كل الفاعلين فيها سياسياً واجتماعياً وعسكرياً ودينياً تحت عنوان وحيد، نزع فتيل الأزمة وتحجيم الفلتان الأمني وتقريب أواصر الأخوّة في محاولة للبحث عن الخيار الأقلّ كلفة مرحليّاً، ريثما تترسّم معالم حلّ سوريّ عام، وإلا فالفراغ الروسي المتعمد سيملأه الإيراني، ما قد يقود لتغيّر في الاتفاقات المعقودة أصلاً مع دول الجوار، ويهدّد السلم في كل المنطقة.


– سلامة خليل  

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!