الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الثورة المسروقة والإرهاب المزعوم
خالد المطلق

انطلقت شرارة الثورة السورية بعد متابعة دقيقة لثورات الشعوب المنتفضة ولعل سقوط زعيم أكبر دولة عربية وهروب رئيس آخر أعطى شعور بالأمل والثقة بارقة أمل للخلاص من هذه العصابة، ومن هنا بدأ الحراك السلمي ينتشر في المحافظات السورية الواحدة تلو الأخرى، وللأمانة ونتيجة معايشتي للحظات الأولى للحراك الثوري في مدينة دوما شاهدت مشاركة كافة أطياف الشعب السوري ومختلف مكوناته والتي أشرف عليها خيرة أبناء المنطقة ومثقفوها وأغلبهم لا يحمل أي فكر إسلامي، بل جلُهم من تيارات وأحزاب يسارية، لدرجة أن دوما كانت ملتقى للكثير من الناشطين والناشطات الآتين من أحياء القصاع وباب توما معقل المسيحين في دمشق، كما قام بواجب العزاء بشهداء مدينة دوما الكثير من رموز المعارضة اليسارية على مختلف مشاربهم، ومنهم عارف دليلة العلوي وميشيل كيلو المسيحي وغيرهم، وللتاريخ هناك بعض المشايخ الذين يحملون الفكر الوطني انخرطوا في الحراك.


لقد كان لهم تأثيراً كبيراً في أوساط المجتمع خاصة الشباب الثائر، وقد سَر لي أحد هؤلاء المشايخ بأن أجدادهم هم من حرروا دمشق بدمائهم، وتم سرقة تضحياتهم وإنجازاتهم، معقباً بأن لن يسمحوا لأحد أن يسرق تضحيات أبناء الغوطة بعد تحرير دمشق من الطغمة الحاكمة، وللأسف تم قتل هذا الشيخ الجليل من قبل ما سمي جيش الإسلام أحد الفصائل التكفيرية الراديكالية التي حكمت الغوطة فيما بعد بالحديد والنار، واستمرت المظاهرات وتابعت أجهزة الأسد الأمنية والعسكرية سياسة القتل والاعتقال والتنكيل مما دفع ثُلة من الشباب الثائر إلى تشكيل مجموعات صغيرة للدفاع عن المتظاهرين العزل، ولم تكن هذه المجموعات تحمل أي فكر سوى الفكر الوطني المتمثل في خلاص سوريا من هؤلاء المجرمين القتلة وإعادة البلاد إلى أصحابها، وفي بداية شهر أيلول من عام 2011 بدأ الأسد يطلق سراح المعتقلين أصحاب الفكر الراديكالي وبالتحديد من يُطلَق عليهم السلفيين الجهاديين وأتباع تنظيم القاعدة على الرغم من وجود آلاف سجناء الرأي ومنهم الكثير من النساء ومن أعمار مختلفة في سجون الأسد كالمدونة طل الملوحي،


وهنا السؤال المشروع الذي لم يفسره الكثيرين إلا بعد فوات الأوان كيف لنظام يحكم بالحديد والنار أن يطلق من سجونه منهم الأكثر خطر عليه أمنياً وميدانياً ويُبقي معتقلي الراي داخل معتقلاته؟، كزهران علوش ؛ وسمير كعكه من قادة جيش الإسلام، وعلي موسى الشواخ أبو لقمان الذي أسس مع رفاقه جبهة النصرة في سوريا، والذي عمل فيما بعد أميراً لمدينة الرقة في تنظيم داعش، وحاج فاضل الآغا مسؤول العلاقات في تنظيم داعش، وأبو ناصر دروشة ابن عم أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام حالياً (جبهة النصرة سابقاً) وأبو حسين زينية مسؤول النصرة سابقاً في القلمون، وأبو حفص الكسواني الذي أصبح مسؤول تنظيم داعش في درعا، ولعل أخطر هؤلاء نديم بالوش الذي ظهر دوره في شمال اللاذقية في خطف ضابط من الجيش الحر من تركيا وقتله، وبعد نحو شهرين من إطلاق سراح هؤلاء وأتباعهم أي في شهر تشرين الثاني بدأت الأمور تأخذ مَنْحى وواقعاً آخر، وبدأت تظهر في ساحات المظاهرات رايات تنظيم القاعدة، وبدأت تتشكل بين المجموعات المسلحة التي سميت آنذاك الجيش السوري الحر مجموعات مقاتلة منضبطة ومدربة تدريباً نوعياً مقارنةً مع تدريب وخبرة مجموعات الجيش الحر في تلك الفترة.




ويمكن أن نقول: إن الكثير ممن انخرط في الثورة من بدايتها كان متوجساً من هذه المجموعات الغريبة على المجتمع السوري، بل كان أغلب قادتها منبوذين من محيطهم الاجتماعي قبل الثورة نتيجة فكرهم البعيد جداً عن فكر وتربية الشعب السوري، فالسوريون معروف بأنهم شعب منفتح واعٍ ومتحضر، ولا يوجد في قواميسه التشدد في الرأي ويمارسون طقوسهم الدينية بشكل طبيعي بعيداً عن التحزبات الدينية وحتى الطائفية على الرغم من الجهود الحثيثة لأجهزة المخابرات الأسدية ومؤسسات الدولة في زرع وإثارة النعرات الطائفية والإثنية والعرقية بين مكوناته خاصة في فترة حكم الأسدين الأب والابن؟!




في بداية الأمر كان هناك تعاون جيد إلى حد ما لكن بحذر شديد بين هذه المجموعات الراديكالية الوليدة والجيش الحر، واستمر هذا التعاون حتى منتصف عام 2013، وتم خلال ذلك تحرير ثلثي مساحة سوريا من خلال الدعم غير المشروط من دول ما سمي أصدقاء الشعب السوري، وبعض الفعاليات الرسمية في بعض البلدان العربية، ويمكن أن نقول: إن نيسان من عام 2013 كان نقطة تحول كبيرة بالعمل العسكري في الثورة السورية إذ تم الإعلان عن ولادة تنظيم دولة العراق والشام (داعش) الذي سرعان ما انضم إليه أغلب المقاتلين المهاجرين من تنظيم النصرة المشكل في سوريا في نهاية عام 2011 بقيادة أبو محمد الجولاني، وهذا أحدث فراقاً علنياً بين التنظيمين إذ سرعان ما اتفق التنظيمان داعش والنصرة على البدء في محاربة فصائل الجيش الحر ونتيجة الدعم غير المحدود لبعض الدول لهذين التنظيمين الإرهابيين وإيقاف الدعم بشكل كبير عن فصائل الجيش الحر تمت السيطرة على كثير من المناطق المحررة، ونتيجة لهذا تمركزت داعش في المنطقة الممتدة من ريف حلب الشرقي باتجاه الرقة وصولاً إلى البادية الشامية الممتدة من ريف حمص الشرقي مدينة تدمر إلى الحدود السورية العراقية شرق نهر الفرات،


وتمركزت النصرة التي بدلت اسمها إلى هيئة تحرير الشام في مناطق إدلب وشمال مدينة حماه والساحل السوري في جبل التركمان وجبل الأكراد، وتمت تجزئة المجزأ من الجيش الحر من خلال تشكيل جسم جديد سمي درع الفرات ومن ثم غصن الزيتون، وتم جمع التشكيلين فيما بعد ليسمى بالجيش الوطني وكان هدفه الرئيس المعلن محاربة الأحزاب الكردية الانفصالية المتمثلة في قوات سورية الديموقراطية الانفصالية وداعش، وبهذا تمت شرذمة فصائل الجيش الحر والقضاء على قياداته الحقيقيين وليتم الاعتماد على بعض المرتزقة وتنصيبهم كقادة لبعض التشكيلات من بقايا الجيش الحر وليتحكم هؤلاء ومشغلوهم وبمشاركة التنظيمات المتطرفة بالساحة السورية والتي بات واضحاً الآن بأنها كانت أداة في القضاء على الثورة وجيشها الحر وتفتيته وتسليم المناطق المحررة لعصابات الأسد.




واذا ما نظرنا إلى ما يحدث الآن على الساحة السورية نشاهد وبكل وضوح تناغم تنظيم الإخوان المسلمين الذي سيطر على قرار الثورة واغتصب مؤسسات الثورة السياسية وبين قادة هذه الفصائل المتطرفة من حيث الاتفاقات السرية التي عقدها الطرفان في الأستانا وسوتشي والتي أدت إلى خسارة 90% من المناطق المحررة، وليس سراً إذا قلنا بأن الإخوان المسلمين عبر أفراد من تنظيمهم قدموا الدعم المادي والعسكري عبر منظمات وهيئات إغاثية تعمل تحت غطاء إغاثة الشعب السوري، وللأسف ما زال هؤلاء يسعون جاهدين لتصفية آخر بقعة مقاومة يمكن أن تؤثر في نظام الأسد، وهذا لا يحتاج إلى تمحيص وتفكير عميق لمن يريد الحقيقة المرة، وليكتشف الشعب السوري متأخراً بأن هذه التنظيمات الجهادية الإرهابية من نصرة وداعش وجيش الإسلام وفيلق الرحمن وأحرار الشام ومن ورائهم تنظيم الإخوان المسلمين وغيرهم كانت أحد أهم أدوات المجتمع الدولي وأصحاب القرار في العالم لإعادة إنتاج نظام الأسد وتعويمه في المنطقة عبر صناعة الإرهاب وأكذوبة محاربته التي طالما صدقها من أطلقها وفرض على الجميع تصديقها.


كاتب سوري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!