-
التهديدات التركية واقتتال الفصائل في الشمال السوري
عندما أطلق النظام مؤسساته القمعية وأجهزته وجيشه لقمع الثورة الشعبية التي اندلعت ضده في عموم سوريا تقريباً، اضطر الشعب للدفاع عن نفسه عسكرياً ضد آلة القتل ونجح في تقليص سيطرة النظام حتى ربع مساحة سوريا، وهنا استعان النظام بميليشيات وحشود شيعية وإيرانية لهزيمة الشعب السوري، واعتمد سياسة تدمير الحاضنة الاجتماعية للثورة وترحيل السكان بواسطة القصف الهمجي بالبراميل وكل صنوف الأسلحة.
وهكذا هجر نصف السكان ودمرت المدن والقرى والأحياء والحاضرات، وبغياب السند الاجتماعي لفصائل الجيش الحر التطوعية، نمت منظمات أيديولوجية إسلامية حتى طغت وهيمنت على العمل المسلح كونها الأكثر عنفاً وتنظيماً ودعماً خارجياً، خاصة من دول الخليج وتركيا، ولكونها لا تقاتل دفاعاً عن مجتمع، بل من أجل أيديولوجيا جهادية مستقلة، ولم تحسم المعارك بينها وبين ميليشيات النظام وإيران، ووقف العالم يتفرج مسروراً على استنزاف الطرفين، غير آبه بدمار سوريا وقتل المدنيين وتهجيرهم.
وأخيراً سعى التدخل العسكري الروسي لحسم الموقف، وبعد سنوات من الحرب والقصف الهمجي استطاع ترحيل قسم هام من تلك الفصائل للشمال السوري، حيث بقيت مناطق شمال حماة وإدلب وريف حلب تحت سيطرة الفصائل الإسلامية التي ابتلعت كافة فصائل الجيش الحر المتبقية فيه، حارمةً سكان تلك المناطق من فصائلهم المحلية التي تحميهم، وتحولت سلطة الفصائل الإسلامية مع الزمن لجيش احتلال، كونها غير معنية أصلاً بالمدنيين وبقضية الثورة، بقدر عنايتها بتأسيس إمارة إسلامية، وتحول سكان المنطقة ومعهم ملايين اللاجئين الذين سدت الحدود التركية أمامهم، إلى شعب تحت سلطة الفصائل الإسلامية المتطرفة والمتنازعة أيضاً.
لم تنجح تركيا ولا الائتلاف ولا الحكومة المؤقتة في تأسيس سلطة وطنية وسيادة القانون، بل وقعت تلك المناطق فعلياً تحت تسلط عصابات إسلامية، ترفع راية الإسلام والجهاد في سبيل الله، الذي انفصل بمفهومهم عن المجتمع الذي صار عليه فقط السمع والطاعة وتقديم الغالي والنفيس لنصرة الإسلام، وبسبب ذلك ساءت كثيراً سويات الحياة في تلك المناطق وبنتيجة شح التمويل الخارجي صارت الفصائل الإسلامية تتمول أساساً مما تستطيع سلبه من المواطنين والنازحين، ونمت الحواجز وتزايد التشبيح والرسوم، بشكل يثقل كاهل المواطن المسكين المغلوب على أمره، حتى إذا ضاقت الأحوال أكثر اندلعت الاشتباكات بين الفصائل التي لم يعد بإمكانها البقاء من دون أن تأكل بعضها البعض، وكل ذلك يحدث تحت عين ومسمع التركي الذي يدير الائتلاف والحكومة والجيش الوطني الذي تأسس على أساس الارتزاق وخدمة التركي، وليس للدفاع عن الشعب أو تحرير سوريا، أصبح جيش الارتزاق هو الطعام المتوفر للمنظمات الإسلامية، وهذا ما يستنزف التركي ويفقده أدواته، وعندما قرر التركي استخدام ذلك الجيش لشن عملية عسكرية ضد قسد غرب وشرق الفرات تحرك الجولاني وأتباعه لضرب فصائل أخرى لتأخير وعرقلة العملية التركية، وذلك بأوامر من إيران والنظام، الذي يفتح معابر مع هيئة تحرير الشام ويشغلها منذ تأسيسها، كما فعل سابقاً مع داعش التي لم تقاتل سوى الشعب والمدنيين وفصائل الجيش الحر.
اقتتال الفصائل وتنازعها أمر متوقع، لكن توقيت وحجم ذلك الاقتتال وخروجه عن سيطرة التركي بهذا التوقيت تفهمه تركيا كتحدٍ وإعاقة لها، ويستخدمه النظام لتوسيع نفوذه في الشمال، والذي استغل التهديدات التركية للدخول عسكرياً لبعض مناطق سيطرة قسد المدعومة أمريكياً، مثل تل رفعت ومنبج وكوباني (عين عرب).
قسد ترى أنها كانت مضطرة نتيجة رفض الأمريكي والروسي الدفاع عنها، والتركي يعتبر تسليم قسد مناطقها للجيش العربي السوري هو نهاية للمشروع الكردي، خاصة بعد تفاهمات سوتشي بين روسيا وإيران وتركيا (والنظام ضمناً)، والمتفقة على إعادة سيطرة الأسد تدريجياً على كل سوريا، ما عدا منطقة آمنة تركية مزعومة، أمريكا تخسر ورقتها الأهم، والكرد يخسرون بالجملة، بينما تصبح ورقة إدلب أيضاً مهددة بالاحتراق بيد التركي، بسبب وجود القاعدة الخارجة عن سلطته وقدرته على احتوائها، مما سيجعل من تقدم النظام بدعم من روسيا وإيران نحوها بالاتفاق مع قادتها، هو الحل الذي ينسجم مع المشروع العربي لإعادة سيطرة نظام الأسد كخيار وحيد ممكن لإنهاء الصراع، ضارباً عرض الحائط بقرار ٢٢٥٤ وبيان جنيف، الذي يصرّ على عدم وجود حل عسكري، وعلى سلطة انتقالية كمقدمة للحل وإعادة بناء سوريا، بعد تأمين البيئة الآمنة لعودة اللاجئين.
باختصار التهديدات التركية كانت فعلاً أكبر خدمة للنظام السوري وأكبر خسار لثورة الشعب عليه.
ليفانت - كمال اللبواني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!