الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
التغيير القادم
مصطفى سعد

تيارات سياسية وفكرية متعددة (شيوعية وإسلامية وليبرالية) وحراك مجتمعي يضم مختلف القوميات انتفضت في وجه شاه إيران محمد رضا بهلوي الذي سقط عام 1979، ليخلفه الخميني الذي سارع _ومنذ بداية عهده في الحكم إلى إقصاء شركاء الأمس في الثورة حتى نائبه حسين علي المنتظري (المعارض الديني الذي حكم عليه بالإعدام في زمن الشاه) لوصفه ما يجري في البلاد بأنه ديكتاتورية باسم الإسلام.


بعد موت الخميني تولى السيد علي خامنئي تشكيل نظام جديد يرتكز على ثنائية المرشد ورئيس الجمهورية بأسلوب وطريقة الخميني؛ لكن الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر أيار من عام 1997 أتت بالرئيس محمد خاتمي الذي تبنى برنامجاً إصلاحيًا وعد من خلاله بتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وأكد على السيادة الدستورية، هذا على صعيد السياسة الداخلية أما على صعيد السياسة الخارجية عمل على بدء عهد جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية يختلف عما كان سابقاً، وإلى تحسين علاقات بلده مع دول المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.


فكان أول انقسام في الجمهورية الإسلامية بين الشارع الذي انتخب خاتمي بنسبة زادت عن 70% ومؤسسات الدولة التي تدين بالولاء للمرشد والحرس الثوري ومراكز صنع القرار.


لكن الشعب الإيراني لم يملأ الساحات حتى عام 2009 بثورته الخضراء إثر فوز المحافظ المتشدد محمود أحمدي نجاد في الانتخابات على مير حسين موسوي الذي يعتبر استمراراً لنهج الأسبق خاتمي حيث رفع شعار "إيران أولاً" بعد حصار اقتصادي على إيران بعد أن قررت السلطة متابعة تخصيب النووي عندما رأى الرئيس نجاد ومن خلفه المرشد الأعلى أن السيطرة على القرار السياسي في بغداد وإخفاق أميركا في أفغانستان يعني تراجع للدور الأميركي وضعف منها فبدأت العقوبات الدولية على طهران في 2006.


كانت رؤية موسوي تتلخص بأن الواجب الأول والأهم تحسين الوضع المعيشي وفتح باب الحريات الاجتماعية والسياسية ولا يتم ذلك إلا بالانفتاح على الدول في المنطقة وعدم مجابهة كل من أوروبا وأمريكا.


سقوط الأخير جعل أنصاره (الطبقة الوسطى والمثقفين والمتعلمين وفئة الشباب والنساء) يتهمون المرشد الأعلى والمحافظين بتزوير الانتخابات ونزلوا إلى الساحات بتظاهرات ضمت الملايين فكانت الهزة الأكبر في تاريخ إيران منذ ثورتها على الشاه.


تم قمع المتظاهرين وقتلهم واعتقالهم وتخوينهم ووصفهم بأنهم عملاء للشيطان الأكبر _الشيطان الذي تحالفوا معه في العراق_ وإسرائيل كما جاء على لسان مساعد الشؤون السياسية في الحرس الثوري الإيراني العميد يد الله جواني.


لم ينجح قمع نظام الملالي في إخماد الناس فالشارع ملتهب وساخن وسياسات النظام الشمولي الثيوقراطي زادت في إفقار الناس ورفعت مستوى البطالة وزاد بلل الطين الإيراني حصار البنك المركزي ومنعها من تصدير النفط واستنزاف ثرواتها في حروب إقليمية داخلية كَ (لبنان والعراق واليمن وسوريا)، وكانت نتائج الاتفاق الإيراني- الأميركي زمن الرئيس باراك أوباما مخيبة لآمال الإيرانيين إذ لا تغيير ملموس على الصعيدين الداخلي والخارجي وثبت أن الحصار ليست إلا مشكلة من عدة مشكلات عمرها الآن عقود من الزمن.


وعندما تولى الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الحكم في البيت الأبيض وهو الذي يمثل اليمين الشعبوي الأمريكي ويملك رؤية مختلفة عن سابقه أوباما ألغى الاتفاق المبرم بين واشنطن وطهران، وأعاد الحصار والعقوبات على إيران، كما عبرت الإدارة الأمريكية عن عزمها في تغيير سلوك النظام الإيراني وليس إسقاطه أو استبداله ووقوفها لجانب الشعب الإيراني المنتفض بالشوارع والساحات على نظام ثيوقراطي قروسطي يصر على حكم إسلامي وقومي (رغم تعدد القوميات والمذاهب والديانات في إيران) ومساعدته في نيل حقوقه المسلوبة. هدف واشنطن تم الإعلان عنه صراحة عند التدخل الأمريكي العسكري في سوريا فكان أحد أهدافه إخراجها من دمشق ومثله أيضاً من بغداد وصنعاء وبيروت.


من المعلوم أن شعوب المنطقة لا تثق بأمريكا ووعودها، و"دعمها" للشعب العراقي خير دليل على ذلك، وأساساً ليس من مصلحة النظام الرأسمالي العالمي القائم استقلال الشعوب ونجاح الثورات خصوصاً في مناطق غنية بالثروات.


أخيراً: لنتذكر أن التأميم في العالم العربي بدأه الراحل عبد الناصر في مصر عام 1956 أي بعد تأميم حكومة محمد مصدق في إيران 1951-1953، والتشدد الديني وصل لأوجه في المنطقة بعد وصول حكم ديني لطهران 1979، كذلك الربيع العربي انطلقت شرارته في تونس 2011 بعد الثورة الخضراء 2009.


وهنا السؤال الذي يحتاج لإجابة:


هل سينجح الشعب الإيراني في تغيير النظام الحالي لينجح بعدها الشعب العربي؟


أم هذه المرة سينجح الشعب العربي في التغيير ونيل حريته واستقلاله لينتج عنه التغيير في إيران؟


مصطفى سعد - كاتب سوري


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!