-
التذبذب والمُماطلة.. أسلوبا تركيا لإتاهة الأوروبيين ومنع العقوبات
رغم كل الفرص التي تمنحها الأطراف الأوروبية لـأنقرة، بغية عدم تطوير الصراع معها نحو منحىً قد يكون مضرّاً بالجانبين، سواء على صعيد العقوبات الاقتصادية، أو حتى المواجهة العسكرية المحدودة أو المفتوحة، بيد أنّ أنقرة تبرهن للأوروبيين يوماً بعد آخر أنّها غير أهل بالثقة، وعامل توتر وقلق في مناطق شرق المتوسط والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فرص ضائعة
فقد منحت أنقرة الغرب بعض الأمل في الوصول إلى حلول منطقيّة عقب قمتها المعقودة في بداية أكتوبر، والتي لم تُقرّ فيها أيّ عقوبات على أنقرة، مع تذكيرها بأنّها قيد المراقبة على مدار ثلاثة شهور إلى قمة قادمة للاتحاد، في ديسمبر القادم، والتي أثنى عليها رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في السادس من أكتوبر، عليها بالقول إنّ بلاده ترحب بتحركات تركيا لتهدئة التوترات الأخيرة في شرق البحر المتوسط، وإنّ أنقرة في حاجة لإظهار التزام أقوى بتحسين العلاقات، وقد أدّت تلك الإشارات إلى حدث دراماتيكي لم يكن متوقعاً، عبر لقاء جمع وزيري خارجية تركيا، مولود تشاووش أوغلو، واليونان، نيكوس ديندياس، في الثامن من أكتوبر، ضمن أول لقاء منذ بدء جولة التصعيد بين دولتيهما في شرق المتوسط.
لكن أنقرة عادت لسياساتها المعهودة في استفزاز اليونانيين والغرب من خلفهم، إذ أصدرت البحرية التركية إخطاراً، في الثاني عشر من أكتوبر، أكدت فيه أنّ سفينة “أوروتش رئيس” ستجري مسحاً زلزالياً في شرق المتوسط خلال 10 أيام، لتردّ عليه وزارة الخارجية اليونانية، ببيان، وصفت فيه تلك الخطوة بأنّها تهديد مباشر للسلام والأمن الإقليميين”، وأكد البيان أنّ تركيا “غير جديرة بالثقة” و”غير صادقة في رغبتها بالحوار”، ما منح إشارة واضحة إلى فشل مساعي الحوار اليوناني مع أنقرة، إذ يبدو أنّ الأخيرة تلجأ لاستهلاك الوقت عبر إشارات وهمية، وهو ما يمكن التأكيد عليه من اعتبار الخارجية اليونانية، أنّ أنقرة “أبرز عوامل عدم الاستقرار” في المنطقة، انطلاقاً من “ليبيا وصولاً إلى منطقة بحر إيجه وقبرص وسوريا والعراق والآن قره باغ”.
غضب يوناني وتأرجح تركي
وقد اتهم وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، أنقرة بالوقوف وراء كل الأزمات والمشكلات في المنطقة، وقال في نهاية اجتماع مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ: “لقد أتيحت لي الفرصة اليوم إبلاغ زملائي في المجلس بالأنشطة الجديدة غير القانونية لتركيا داخل الجرف القاري اليوناني، جنوب (جزيرة) كاستيلوريزو”، مضيفاً أنّ “تركيا تعمل كمُخرب للسلام والاستقرار في المنطقة، وتعمل ضد القانون الدولي”.
أما الموقف التركي الذي اتّصف بالتعنّت دائماً، يبدو أنّه قد قرر انتهاج أسلوب آخر للابتعاد عن خطر العقوبات في ظلّ ما يعانيه الاقتصاد التركي من انهيار لسعر الليرة، عبر اتخاذ مواقف متذبذبة، متعارضة إلى حدّ كبير، إذ أعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، عقب اجتماع وزراء دفاع حلف “الناتو” عبر الفيديو، في الثالث والعشرين من أكتوبر، أنّ أنقرة وأثينا قررتا إلغاء مناورتهما المضادة شرق المتوسط، بناء على مقترح من بلاده، وقال أكار، إنّ “تركيا تؤيد حل المشاكل عبر القانون الدولي وعلاقات حسن الجوار والحل والحوار السياسي”.
لكن في الخامس والعشرين من أكتوبر، كشفت أنقرة أنّها قررت إطالة أمد عمليات المسح التي تجريها سفينتها “أوروتش رئيس” في منطقة متنازع عليها بشرق البحر الأبيض المتوسط، حتى الرابع من نوفمبر، ولفت إخطار صادر عن البحرية التركية، إلى أنّ السفينة “أوروتش رئيس” والسفينتين “أتامان” و”جنكيز خان” ستستمران بالعمل في منطقة تقع إلى الجنوب من جزيرة رودس اليونانية، حتى الرابع من نوفمبر، وذلك عقب أن مددت أنقرة قبل أيام أعمال المسح في المنطقة حتى 27 أكتوبر، وفق إخطار سابق.
وهو إجراء ردّت عليه اليونان، عبر إصدار إخطار مضاد عبر نظام التكلّس الملاحي البحري الدولي “نافتكس”، حيث أكّدت البحرية اليونانية، في الإخطار المضاد الذي أصدرته محطتها في مدينة إيراكليو بجزيرة كريت، على أنّ أنقرة تنفذ أعمال التنقيب بشكل غير قانوني من منطقة تابعة للجرّف القاري اليوناني، لافتةً إلى أنّ أنقرة غير مخوّلة بإصدار رسائل “نافتكس” في المنطقة، وأشارت أثينا أنّ الإخطار التركي بخصوص تمديد أعمال المسح السيزمي في المنطقة “غير مرخص به” وتم “إلغاؤه”، مُطالبة البحارة بتجاهله.
ثم أعلنت تركيا، في السادس والعشرين من أكتوبر، إلغاء تدريبات عسكرية كان من المخطط تنفيذها شرق البحر الأبيض المتوسط حتى 28 أكتوبر، ونقلت وكالة “الأناضول” عن مصادر أمنية تركية، أنّ أنقرة ألغت كذلك إخطار “نافتكس” المعلن لغاية 28 أكتوبر، بينما ألغت أثينا إخطارها الساري حتى 29 من الشهر نفسه.
مُحاولات إتاهة الأوروبيين
وأمام ذلك الأخذ والجذب والشدّ والرخي المتبادل، بات واضحاً أنّ أنقرة تنتهج أسلوباً جديداً لاستهلاك الوقت وإتاهة الأوروبيين، عبر منح حلفائها كما في برلين المزيد من الفرص لاقتناع الراغبين بفرض عقوبات عليها، مثل اليونان وقبرص وفرنسا، بأنّ احتمالات حلّ المعضلة دون إلحاق أضرار اقتصادية بالطرفين ممكنة، وهو ما يبدو أنّه قد أضحى لعبة مفضوحة لدى الجانب اليوناني، الذي تيقن أكثر من صعوبة الوصول إلى حلّ دبلوماسي مع أنقرة في ظل حكومتها الحالية.
هذا وأشار وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، أنّه أبدى أثناء لقاء مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في السادس والعشرين من أكتوبر، إلى قلق أثينا حيال الدور السلبي لتركيا، معتبراً إياها “وكالة سفر للجهاديين”، وذكر ديندياس، ضمن مؤتمر صحفي: “للأسف هناك قاسم مشترك في كل المجالات يتمثل في العامل التركي المزعزع للاستقرار”، وأردف: “أعربت عن قلقي من الدور السلبي الذي تقوم به تركيا في سوريا حيث تقوّض النجاحات التي تم التوصّل إليها، تركيا تحوّلت إلى وكالة سفر للجهاديين الذين يجري إرسالهم إلى جبهات مختلفة”.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!