الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
التحالف الدولي ناكر معروف البيشمركة و«قسد»
علي نمر

التقى وزراء خارجية التحالف الدولي لهزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي، فيزيائياً، ولأول مرّة منذ عامين في روما بتاريخ 28 حزيران الماضي، بدعوة من وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، لويجي دي مايو، ووزير الخارجية الأمريكي، أنتوني ج. بلكين، مؤكدين عزمهم المشترك على مواصلة القتال ضدّ التنظيم، وتهيئة الظروف لهزيمة نهائية للجماعة الإرهابية، والتي تعتبر الهدف الوحيد للتحالف، عبر بيانٍ رسمي أصدره بلينكن عقب الاجتماع.


حمل البيان إشارات واضحة بعدم الاعتراف بأيّة قوات تشاركهم القتال ما لم تكن «شرعية» دون توضيح معنى ذلك، حين قال: «إنّ استئناف داعش نشاطاته واستطاعته إعادة بناء شبكاته وقدراته لاستهداف قوات الأمن والمدنيين في مناطق في العراق وسوريا، حيث لا ينشط التحالف، تتطلّب يقظة قوية وعملًا منسّقاً، بما في ذلك تخصيص موارد كافية للحفاظ على جهود التحالف والقوات الشريكة الشرعية ضدّ (داعش) وتقديم دعم كبير لتحقيق الاستقرار»، بذلك يبقى السؤال المشروع: من هي القوات الشرعية وفق المفهوم الأمريكي والقوات المتحالفة معها؟


لم يكتفِ وزراء التحالف الدولي بالغمز من بوابة «القوات الشريكة الشرعية» فقط؛ بل لم يعترفوا إلا بجهود العراق في مواجهة فلول «داعش» ومنعها من الظهور مجدّداً، كما أثنوا على رفع قدرة القوات العراقية على محاربة التنظيم. مشيرين إلى أن عمل ووجود التحالف في العراق، بناء على طلب حكومتها مع الاحترام الكامل لوحدة العراق وسيادته وسلامة أراضيه ومصلحة الشعب العراقي، حسب وصفهم، من دون الإشارة ولو بكلمة لقوات البيشمركة التي قاتلت جنباً إلى جنب معها منذ بداية المعارك التي انطلقت ضد التنظيم وحتى سقوطه في الموصل، أو ذكر اسم قوات سوريا الديمقراطية كقوة وحيدة حاربت التنظيم في سوريا بدعم ومساندة هذا التحالف، والتي كان لها الدور الأبرز في سقوط ما تسمى «عاصمة الخلاقة» في مدينة الرقة، وصولاً لسقوط آخر معاقل التنظيم في بلدة الباغوز بريف ديرالزور.


انتظرتُ أسبوعاً كاملاً قبل كتابة هذه السطور، أملاً أن يصدر عن وزارة شؤون البيشمركة، أو قيادة قوات سوريا الديمقراطية، أيّ توضيح أو ردٍّ لأسباب عدم ذكر جهودهما في محاربة التنظيم، وبالتالي نكران وزراء خارجية التحالف الدولي لمعروفهما الذي كان فاتورته دماء آلاف الشباب، إلا أن ذلك لم يحصل، وهذا يعد تنازلاً منهما عن حقهما- وحق آلاف الشهداء الذين سقطوا في مواجهة الإرهاب- إذ لا مبرر أمام التحالف الدولي بعدم الإشارة إلى قوات البيشمركة، حتى ولو كانت تقاتل ضمن صفوف القوات العراقية المركزية في هذه المعارك بالذات، لأنها أبدت وباسم وزارتها عن استعدادها لدحر هذا التنظيم الإرهابي قبل الجيش العراقي، الذي سلّم كامل معداته وأسلحته للتنظيم في أول هجوم له عبر خيانة بعض قادته ومسؤولين في أعلى المستويات آنذاك، والتي يعرفها القاصي والداني.


أما قيادة قوات سوريا الديمقراطية، ذنبها على عدم الرد أكبر، وبالتالي أكثر مسؤولية، خاصة وأنها القوات الوحيدة التي اعتمد عليها التحالف الدولي كشريك لمحاربة التنظيم في سوريا، حتى وإن كانت «غير شرعية» حسب وصف بيان التحالف، إذ لم يكن لقوات التحالف الدولي، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية التقدم خطوة واحدة، لولا مساندة «قسد» لها على الأرض، التي كلفتها حتى تاريخه مقتل أكثر من 12 ألفاً من عناصرها، ونحو 24 ألف جريح ممن فقدوا حاسة البصر، أو أحد الأعضاء، أو بقي طريح الفراش، فيما لم يسقط من قوات التحالف سوى عدد لا يذكر، بسبب اعتماده على قوته عبر الهجمات والغارات الجوية فقط؛ دون المشاركة في المواجهات والمعارك على الأرض إلا لوجستيّاً، وما موافقة واشنطن على صيغة هكذا بيان إلا دليل واضح أن ما يقوله ممثلوها في مناطق شمال شرقي سوريا، يختلف تماماً عمّا تقوله في اجتماعات قادة التحالف الدولي، وهو الأهم، باعتباره القول المعتمد في الخطط اللاحقة، سواء من ناحية تحقيق هزيمة كاملة ونهائية لتنظيم الدولة الإسلامية في جميع أنحاء العالم، أو طريقة التزام الوزراء بمتابعة آليات العدالة والمساءلة الفعّالة للتحدي الذي يمثّله المقاتلون الإرهابيون الأجانب المحتجزون في سجون «قسد»، وكذلك أفراد أسرهم الذين ما يزالون موجودين في سوريا والعراق، هذه الآليات القائمة على التنسيق الوثيق مع بلدان المنشأ. لذلك يمكن اعتبار باقي تصريحات مبعوثيها بالمحلية التي تكون بمثابة «الضحك على اللحى» مقارنة بالبيانات الرسمية الصادرة عن وزراء الخارجية في كل اجتماع دوري لها.


حين يتقصد التحالف الدولي بعدم ذكر اسم «قسد» فإنه- بشكل أو آخر يضعها- بموضع الشك أو تحت بند «قوات تحت الطلب»، وإلا ما معنى أن يقول الوزراء حرفياً «ويبقى التحالف ملتزماً بتعزيز الجهود المبذولة لضمان معاملة الإرهابيين المتهمين، بما في ذلك الأجانب، معاملة مناسبة، ومحاكمتهم بما يتفق مع التزامات القانون الدولي السارية، بما في ذلك تقديم ضمانات المحاكمة العادلة. ويحثّ التحالف حرّاس معتقلي (داعش) الإرهابيين على معاملتهم بشكل إنساني في جميع الأوقات، وفقًا للقانون الدولي». بمجرّد أن يسمي التحالف تلك القوات بـ«حرّاس» بدلاً من الإدارة الذاتية بصفتها الاعتبارية، أو قوات الأمن العام التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، فإنها تعرف ما تقصده؛ وهذا ليس مجرّد خطأ في الترجمة، أو سوء نيّة منَّا؛ وإنما من ينكر هذا المعروف والجميل لا بد من الحذر منه في السراء والضرّاء.


علي نمر

ليفانت - علي نمر 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!