الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الانتقام من الطائفة المرشدية
الطائفة المرشدية

"ندرك أنه ينتقم منا، كان يريد أن يجعل من شبابنا مجموعة قتلة ومجرمين، ولأننا لم نرضَ بذلك، يحاول إذلالنا اليوم كما يفعل بسكان حيّ الصليبة، لكننا نصبر على ما يفعله بنا ولن ننجر إلى فتنة سورية جديدة". هذا ما قاله لنا مدرّس من أتباع الطائفة المرشدية في حيّ الدعتور بمدينة اللاذقية، تعليقاً على الاضطهاد الذي تتعرّض له الطائفة من نظام الأسد، منذ ما يزيد على عام.

تواصلنا مع أربعة أشخاص من أتباع الطائفة يسكنون حيّ الدعتور وفي قرية جوبة برغال، ووقفنا من خلال ما زودونا به من معلومات على حقيقة ما يتعرضون من تمييز سلبي عن بقية سكان المحافظة. 

مظاهر الاضطهاد 

خلال عامين من تراجع حدّة المعارك في سوريا، أحال نظام الأسد ما يزيد عن 60 ضابطاً من أبناء الطائفة المرشدية على التقاعد، إضافة لما يزيد عن 370 صف ضابط، وبينهم من تمّ تسريحه تعسفيّاً، في حين لم يتجاوز عدد المحالين للتقاعد من أبناء الطائفة العلوية من ضباط وصف ضباط 200 شخص، رغم أن عدد العلويين في المخابرات والجيش يفوق المرشديين عدة أضعاف.    

في الوقت الذي يمنع فيه النظام سكان اللاذقية من الكهرباء لمدة 6 ساعات مقابل نصف ساعة من الوصل، فهو يمنعها لعدة أيام عن سكان حيّ الدعتور وبسنادا اللذين تسكنهما غالبية من أتباع الطائفة المرشدية، كما يحرمهما من المياه لأيام عديدة، وصلت لأكثر من شهر مع نهاية الصيف الماضي.

وتحدّث أحد مصادرنا عن امتناع الخدمات الفنية في اللاذقية عن إصلاح شبكة الصرف الصحي في حيّ الدعتور، الصيف الماضي، حيت استمر تدفق مياه الصرف الصحّي في الحي 25 يوماً، مما اضطر شبّان الحيّ لإصلاحه بأنفسهم لوقف ما يتسبب به من انتشار كثيف للذباب والبعوض والقوارض في الحيّ.

كما عمد النظام لزيادة المسافة الزمنية لاستلام الغاز المنزلي لسكان الحيّين مقارنة ببقية أحياء المحافظة بمقدار الربع، فعندما كانت إسطوانة الغاز تباع للعائلة كل 45 يوماً، لم يكن سكان الحيّين يستطيعون الحصول عليها قبل مرور شهرين، وقد تزيد.

وتقلّ حصة الفرد من أتباع الطائفة المرشدية من الخبز عن حصة الفرد في بقية أحياء المدينة، وغالبا ما يكون الخبر رديئاً، لا يصلح في بعض الحالات للاستهلاك البشري. وليس من المنطق القول بأنها مصادفة أن يعاني سكان القرى الموسومة بالمرشدية في أعالي جبال اللاذقية المعاناة ذاتها مع الخدمات والغاز والوقود والخبز، بل زاد عليه توقف المواصلات بين هذه القرى والمدينة وامتناع سائقي السرافيس عن الوصول إليها لعدم تزويدها بالوقود، "ونرى أن ذلك يصبّ في خانة التمييز التي تتعرض له الطائفة من طرف النظام"، حسب قول أحد مصادرنا. 

هذا بعض معاناة أبناء الطائفة مع الخدمات والاحتياجات اليومية التي تفوق معاناة الآخرين، وما نزال نستقي المعلومات من مصادرنا من أبنائها، اللذين اتفقوا أيضا على أن معاملة أبناء الطائفة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم على الحواجز الأمنية، لا سيما التي تخلو من وجود عنصر من أتباعها بين أفرادها.

وأكثر ما يقهر أبناء الطائفة هو سخرية شبيحة النظام والعلويين عموماً من أتباع الطائفة المرشدية ومذهبهم الديني، حيث أشارت مصادرنا إلى أنّ الاستهزاء بهم بات علنياً ولا تخلو منه وسائل التواصل الاجتماعي.

لماذا؟

تتفق مصادرنا الأربعة على تفسير سبب هذا الضغط على الطائفة المرشدية، أو ما أسموه التمييز في المعاملة، فيشيرون إلى أن سببها الأهم هو عدم الانخراط الكلّي لشباب الطائفة في مجازر النظام وانتهاكاته، لا سيما بحق المدنيين خلال الحرب السورية.

وروى أحدهم موقف الطائفة مما جرى في سوريا، خلال السنوات العشر الماضية، وقال إنه مرّ بأكثر من مرحلة، "ففي بداية التحرك الشعبي ضد النظام، وقفت الطائفة على الحياد، ومع دخول الجيش والبدء بقتل المتظاهرين، اتفقنا على ضرورة عدم مشاركة المرشديين العاملين في الجيش والمخابرات في القتل، مع التزامهم بالأوامر ما دون ذلك".

وأضاف: "لكن مع بداية عام 2013 ومع هجوم فصائل المعارضة على أكثر من قرية مرشدية في سهل الغاب وريف اللاذقية، وجدنا أنفسنا في حالة دفاع عن النفس، وانضمّ بعض شبابنا للمليشيات التي شكلها النظام، وعقب توقّف المعارك قبل عامين، غادر شبابنا تلك الميليشيات، لأنها تحوّلت للسرقة والتهريب وقطع الطرقات، ولم يرضَ النظام عن موقفنا هذا، وأظن أنه ينتقم منا لأجل ذلك".

الجدير بالذكر هنا، أنّ القيادة الروحية للطائفة المرشدية أوعزت لأتباعها باستمرار عمل كل منهم في موقعه كالمعتاد، ودعتهم لعدم تبنّي موقف معلن مما يجري، وهذا ما راج بداية الثورة السورية، وما أكدته مصادرنا تلميحاً. 

اقرأ المزيد: بوادر انفراج في العلاقات الروسية الأمريكية والروسية وحلف "الناتو"

اقرأ المزيد: مقتل 8 من عناصر داعش بقصف روسي على البادية السورية

"نحن من يجب أن نغضب على النظام، لقد تركنا في ريف اللاذقية والغاب دون حماية، وسحب قواته ومفارزه الأمنية، وكنا نطلب منه الدعم لمعرفتنا بنيّة فصائل إسلامية بالهجوم على قرانا، إلا أنه قدّمنا لقمة سائغة لهم"، هذا ما قاله أحد المصادر، وأضاف عليه آخر "لقد وضع النظام شبابنا من العسكريين في الصفوف الأمامية خلال مواجهاته مع فصائل المعارضة، لا سيما في الغوطة الشرقية، وتسبب بمقتل الكثيرين منهم".

وأرجع أحد مصادرنا حقد النظام على الطائفة إلى إصرار أتباعها على رفض التشيّع الذي حاولت إيران إغراءهم به من خلال تقديم هبات مالية كبيرة ورواتب شهرية لمن يقبل دخول الطائفة الشيعية.

ما العمل؟

سألنا مصادرنا عما يمكن أن يفعله أبناء الطائفة لتجاوز هذا الوضع، وكانت أجوبتهم متفقة على أن النظام لن يرضى عنهم، "لقد توطّن الحقد صدور أنصاره، لا سيما الشبيحة منهم، متناسين ما قدمناه نصرة لهم"، وتأكد أتباع الطائفة من استمرار اضطهاد النظام لهم بعد محاولات عديدة بذلوها مع القيادة السياسية في محافظتي اللاذقية والغاب لتحسين واقعهم الخدمي والمعيشي، لم تثمر سوى المزيد من الضغط.

"يبدو أن توجيهات صدرت لهم من رأس النظام في دمشق، لا يستطيعون مخالفتها، لم يتبقَّ خيار أمامنا سوى الاعتماد على مواردنا الذاتية في القرى مما تنتجه أراضينا الزراعية، والعناية بالواقع الخدمي عبر تطوّع الشباب، ويبقى خيار أشد مرارة وخطورة يتمثل بركوب البحر والهرب باتجاه قبرص تركيا"، حسب قول أحد مصادرنا، وأيّده الآخرون.

واستنتجت مصادرنا أن تعليمات صدرت لوسائل الإعلام المحلية والمركزية بعدم الاهتمام بما يجري في مناطق توزّع أتباع الطائفة المرشدية، "لقد رفضت مراراً نشر شكاوينا الخدمية، كما رفضت نشر مقالات كتبها صحفيون من بيننا عن معاناتنا".

هكذا تتقطّع السبل بالطائفة المرشدية في غرب سوريا، بعد أن شملها غضب النظام أسوة بمن قاموا معترضين عليه، والفرق هنا أن أبناء الطائفة لم يثوروا ضده، وهذا ما يجعل فرضية الحقد الطائفي المزمن عليها ترتفع إلى حدّ القناعة بذلك، أو لإصرار أتباعها على رفض التشيّع.

ليفانت -عبد السلام حاج بكري

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!