الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الاقتصاد التركي ما بين مطرقة كورونا وسندان أردوغان

الاقتصاد التركي ما بين مطرقة كورونا وسندان أردوغان
الاقتصاد التركي ما بين مطرقة كورونا وسندان أردوغان

إعداد وتحرير: أحمد قطمة


في ظلّ تفشّي فيروس كورونا حول العالم، وتأثيراته الكبرى على الاقتصاد في مختلف البلدان، ترتفع المخاوف من عجز الحكومات التي لم تولي اهتماماً كافياً لمشاكلها الداخلية وانتجهت سياسة الهروب إلى الأمام، عبر شنّ عمليّات عسكرية باطلة قانونياً، كونها لم تسلك درب المؤسسات الدولية، واكتفت بالاستناد على مزاعمها لفرض أمر واقع مغاير للحقيقة في بلدان تجاورها، كما هو الحال مع تركيا في سوريا.


وفي السياق، أكّد محلّل اقتصادي أنّ تركيا لن تكون قادرة على تلبية الالتزامات المالية الخارجية المستحقّة عليها في الفترة المقبلة، حتّى لو اتّفقت مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على المقايضة، حيث تحتاج أنقرة إلى عشرات المليارات من الدولارات لتمويل ديونها المستحقّة، ولكن ليس من الواضح من أين ستعثر الحكومة على المال الكافي، حيث قالت صحيفة "دنيا" التركية المختصّة في الشؤون الاقتصادية عن محلّل قوله إن تركيا يجب عليها أن تدرس إبرام عقود مبادلة مع عدّة دول أو توقيع اتّفاق مع صندوق النقد الدولي، وذلك بالنظر لكون أي اتّفاق محتمل مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لن يكون كافياً لتلبية الاحتياجات المالية للبلاد.


ووفق الإعلام التركي، تحتاج أنقرة تمويلاً خارجيّاً يساعدها في الوفاء بحوالي 170 مليار دولار من مدفوعات السداد المستحقة هذا العام، إلا أنّ تقريراً الصحيفة يقول إنّ الحكومة التركية تُعارض السعي للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، لذا فإن خيارها الوحيد المتبقّي هو الحصول على زيادة السيولة من دول مثل الصين، حيث يصل إجمالي ديون تركيا الخارجية إلى 1.4 تريليون ليرة تركية ( 225.8 مليار دولار) حتى نهاية فبراير/شباط الماضي، حيث تستدين الحكومة التركية من الداخل عبر طرح سندات حكومية لدعم الليرة التركية المتراجعة بقوة أمام العملات الأجنبية.


ارتفاع قياسي في معدّلات الديون المتعثّرة


ورغم الأرقام الهائلة للدين التركي، يبدو أنّها منطقيّة مقارنة مع النشاط العسكري التركي في الخارج، سواء في سوريا أو ليبيا أو عبر تمويل وتسليح الجماعات المتطرفة في دول عديدة أخرى، كما كان الحال في مصر والسودان والصومال وأثيوبيا، إضافة إلى تمويل التنظيمات الدينية في بعض البلدان الأوروبية كألمانيا وفرنسا وغيرها، ليأتي انتشار وباء كورونا ويزيد طين أردوغان بلة، خاصة فيما لو استمرّت أشهر أخرى، وهو ما سيدفع ربما بالكثير من الدول إلى الإعلان عن نفاذ احتياطاتها القومية، ومن بينها تركيا أردوغان، وهو ما ذهب إليه في الخامس من يناير الماضي، خبير الاستثمار في مؤسسة أوراسيا Avrasya للدراسات، أفران دفريم زليوت، الذي قال موجّهاً حديثه للمستثمرين في القطاع الصناعي: "انتظروا الإفلاس والحجز يدقّ أبوابكم".


اقرأ أيضاً: انقلابات حزب العدالة والتنمية على نفسه داخلياً وخارجياً


حيث أكّد زليوت استناداً إلى تحليل البيانات والمعطيات التي نشرتها غرفة الصناعة في إسطنبول، أن القطاع الصناعي لا يشهد أي تحسن للأوضاع، على عكس مزاعم الحكومة، قائلاً: "وهذا أيضاً يكشف أنّ البطالة ستستمر، وأنّ الدخل لن يشهد زيادة، وسيخلف وراءه تعرّض الكثير من المواطنين والشركات للإفلاس والحجز قريباً".


أما عن وضع الشركات المكتوية بالاقتصاد المتدهور، فخلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2019، وصل إجمالي الشركات التي طلبت تسوية إفلاس من المحاكم التجارية 2880 شركة، وذلك بعد أن كان عدد الشركات التي طلبت تسوية إفلاس العام 2018، 846 شركة، لتؤكّد معطيات غرفة الصناعة في إسطنبول إلى تباطؤ الطلب على الصادرات الجديدة، وأضاف: "المؤشرات حول وجود أزمة داخلياً وخارجياً ليست مؤشرات جيدة".


وأوضح زليوت أنّ هناك ارتفاعاً قياسيّاً في معدلات الديون المتعثّرة وصلت لأرقام قياسية غير مسبوقة، قائلاً: "هناك شيء آخر يجعلني أرى الأمور تتشح بالأسود، المعطيات تظهر حدوث المزيد من التراجع في الطلبات الخارجيّة، فتوقف الأعمال في أوروبا التي تعتبر السوق الأكبر لصادرات تركيا، يعني صفعة قوية للغاية للاقتصاد التركي الذي يواجه أزمة داخليًا".


الأوضاع في سوريا تصفع الليرة التركية


وإلى جانب الديون المتعثّرة، كان للتدخل التركي في ملفات الإقليم أثر عكسي على الاقتصاد، ففي نهاية فبراير الماضي، انخفضت الليرة التركية لأدنى مستوى خلال 17 شهراً، بعد مقتل 36 جندي تركي خلال قصف لقوات النظام وروسيا على محافظة إدلب السورية، التي يسعى الجانب التركي للاستحواذ عليها بذريعة حماية الشعب السوري من النظام.


وأعاد الهبوط الحادّ لليرة التركية والذي اعتبر الثاني، الذاكرة إلى الخلاف السياسي بين أنقرة وواشنطن في الصيف الماضي، بسبب إصرار تركيا على دخول مناطق "قوات سوريا الديمقراطية" شمال البلاد، في الوقت حذّر فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنقرة من مخاطر تلك المغامرة، حيث هدّد ترامب حينها بتدمير الاقتصاد التركي إذا اتّخذت تركيا أيّ خطوة يعتبرها البيت الأبيض تجاوزاً للحدود.


اقرأ أيضاً: عندما تتحوّل مليشيا “الجيش الوطني” للارتزاق، تضحى اللصوصيّة تحصيل حاصل!


وفي السياق، قال الكاتب الاقتصادي سلام سرحان، لصحيفة العرب: "إن مغامرات أردوغان الخارجيّة التي دمّرت علاقات تركيا مع أكبر شركائها التجاريين الغربيين وأغلقت عليها الكثير من أسواق المنطقة كانت مجرد شرارة لانحدار الثقة بالليرة والاقتصاد التركي"، مضيفاً: "الأسباب الأعمق تكمن في السياسات الاقتصادية الارتجالية وتدخل أردوغان في السياسات المالية، وفرض قرارات تتعارض مع القواعد الاقتصادية الراسخة"، مشيراً إلى اتّساع هروب الشركات ورؤوس الأموال بسبب عدم الثقة بالإجراءات الاقتصادية، وتراجع سيادة القانون في التعاملات المالية والتجارية.


معدلات قياسية للبطالة


وبالتوازي مع السياسات الارتجاليّة لأردوغان في المجال الاقتصادي، أظهرت بيانات رسمية تركية، في العاشر من مارس الماضي، أنّ معدّل البطالة في تركيا قفز إلى 13.7% خلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني إلى يناير/كانون الثاني من 13.3%، فيما أدّت الأزمة التي يمرّ به الاقتصاد التركي إلى زيادة معدّلات البطالة إلى أعلى مستوى في عشر سنوات عند 14.7% في الربع الأول من العام 2019.


فخلال العام 2019، وصل إجمالي عدد العاطلين عن العمل 4.4 مليون تركي، وسط تصاعد الأزمات الاقتصادية التي تواجهها السوق المحلية، بينما شهد الاقتصاد التركي خلال 2019 مجموعة من الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية، تمثّلت في استمرار ضعف الليرة، وظهور أزمة عقارات، وتراجع في البورصة المحلية، وتخارج استثمارات نحو أسواق أكثر استقراراً، بجانب انخفاض عدد العمالة الزراعية بمقدار 225 ألف شخص خلال ديسمبر/كانون الأول 2019، مقارنة مع الفترة المقابلة من 2018، فيما انخفضت عمالة البناء بواقع 119 ألف شخص، ما يظهر حجم أزمة قطاع العقارات في السوق التركية.


اقرأ أيضاً: إدلب كجائزة ترضية لتركيا، بانتظار من يقدمها!


وبلغت نسبة البطالة للفئة العمرية 15-64 نحو 14.0% مع زيادة 0.3 نقطة مئوية على أساس سنوي، فيما بلغت نسبة بطالة الشباب ضمن الفئة العمرية 15-24 عاماً 25.0% بزيادة قدرها 0.5 نقطة مئوية على أساس سنوي.


ورغم أنّ تلك الأرقام قد تبدو صادمة للمتابعين، خاصة في ظلّ تعمّد الإعلام التركي والموالي لأنقرة إبراز تركيا الصناعية التي تقوم بتصنيع طائرات الدرون بذاتها، إلى جانب مختلف أدوات القتل الحديثة، فإنّ الأرقام التي قد يتمّ الكشف عنها لاحقاً، مع استشراء فيروس كرونا في البلاد، والذي أصاب حتى آخر الاحصاءات قرابة 47 ألف شخص، ستنذر غالباً بتدهور خطير في الاقتصاد التركي، وربما قد يوجّه لها "الضربة القاضية".

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!