الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الاعتقال في الزمن الأسدي
غسان المفلح

تُجمع كافة المصادر على تعريف الاعتقال السياسي: "كـل إنسان يسجن بسبب معارضته للسلطة القائمة فـي الرأي أو المعتقد أو الانتماء السياسـي أو تعاطفه مع معارضي هذه السلطة أو مساعدته لهم". هناك فرق بين معتقل الرأي والمعتقل السياسي. ذلك أنّ معتقل الرأي هو كل من يعتقل بسبب تعبيره عن رأيه في أي موضوع سواء تعلّق الأمر بالمجال السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي أو الديني وغيره من المجالات. الأمثلة كثيرة ولا تحصى في سورية. الزمن الأسدي


للتمييز مثلاً، الكاتب السوري الكردي حسين عيسو، الذي مصيره مجهول منذ أكثر من ثمان سنوات، معتقل بسبب كتاباته ومثله لا يحصون في سورية. أما فائق المير وعبد العزيز الخير مثلاً، معتقلان بسبب نشاطهما السياسي الحزبي السلمي. فقط للتمييز في حالتنا السورية.


مما يدعونا إلى القول، إنّ المعتقل السياسي هو جزء من معتقل الرأي لكون اعتقاله يكون بسبب انتمائه السياسي وآرائه السياسية ومنطلقات الفكر التي يعبّر عنها معتقلي الأحزاب السورية، والتنسيقيات التي كانت تقود التظاهرات ضدّ نظام الأسد خلال العام الأول للثورة.


ما تريده هذه المادة هو إظهار خصوصية تعامل السلطة الأسدية مع الاعتقال السياسي منذ خمسين عاماً، ولم يتغير فيها شيء.

بدأ الأسد الأب حكمه 1970 على إثر انقلابه العسكري على السلطة، التي كان يحتلّ فيها منصب وزير الدفاع منذ عام 1966 تاريخ انقلاب هذه السلطة نفسها على من سبقها، باعتقال جميع رفاقه في الحزب والدولة، وبقوا في السجن لعقود ولم يخرج بعضهم إلا ميتاً. مثل نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وغيرهم، دون محاكمة ودون أي إجراء من أي نوع كان، سوى الاحتجاز في السجن بقرار شخصي من الديكتاتور. هذه الفاتحة لنظام الأسد، كانت بداية السيرة الأسدية برمّتها مع ملّف الاعتقال السياسي في سورية خلال ثلاثين عاماً من حكمه، واستمرت منذ عشرين عاماً تاريخ حكم الوريث. نفس الطريقة ونفس النهج ونفس التعامل. 


ملّف الاعتقال السياسي بقي حصرياً بيد الأسد الأب ثم انتقل ليد الاسد الابن. كل الإجراءات الأخرى لمحاولة تلميع هذا الملف وتمويهه، باءت بالفشل. السبب، إنّ القرار شخصي، لا يخضع لأي قانون إلا ما ندر.


من تعرّضوا لمحاكم عسكرية غالبيتهم لم يخرجوا رغم انقضاء مدة حكمهم. لايزال يوجد معتقلين في سجون الأسدية منذ السبعينيات. وهم بالمئات إن لم نقل بالآلاف، منهم من يكون قد توفي في السجن، لكن لا أحد يعرف مصيرهم.


في النظم الديكتاتورية عامة قرار الاعتقال السياسي هو قرار يخصّ الديكتاتور تحديداً. ما يستوعب هذه الشخصنة في الاعتقال، هو قوانين الطوارئ أو الأحكام العرفية أو قوانين مكافحة الإرهاب. الأخيرة هذه خطوة متطورة لقوانين الطوارئ والأحكام العرفية، والتي هي أيضا صناعة غربية من أجل تجديد عدة الحكم الديكتاتورية. لاستخدامها فقط في بلداننا لحماية هذه الديكتاتوريات، ليس غايتها محاربة الإرهاب بأي حال. الزمن الأسدي


إذاً الشخصنة في قرار الاعتقال في سورية، ومصير المعتقل بشكل كامل هو في يد بشار الأسد بصفته الشخصية قبل أي شيء آخر، منذ توليه الحكم. باقي الطواقم الأمنية والعسكرية والتعذيبية هي خوادم للشخصية وليس للقانون.


اعتقال صاحب الرأي أو المعتقد أو الفكر أو التوجه السياسي في سورية، يتمّ بقرار من الأسد شخصياً. فيما بعد ذلك تأتي خطوات شكلية من قبيل محكمة أمن الدولة او محكمة الارهاب أو المحاكم العسكرية. لمجرد صدور قرار شفهي باعتقال هذا الشخص أو ذاك، من قبل الأسد. يصير دور القضاء تبرير الاعتقال فقط. دون أن يطال ذلك ما يمكنه من تبرئة المعتقل من التهمة التي اتّخذ الأسد قراره بناء عليها.


الاعتقال شخصي والموت تحت التعذيب أيضاً قرار شخصي. لهذا نجد إن حالة التكتم وإبقاء مسافة بين المعتقل والمجتمع أو بينه وبين ذويه، لدرجة إما نسيانه أو تسليم أمرهم لقضاء الله. تأتي بعدها المكرمات، من مثل فتح الزيارات أو الإفراج المفاجئ بدون العودة للقضاء أيضاً.


هنالك تنضيدات أيضاً في وضع المعتقلين، هذا لايرى الشمس وذاك يتمّ تصفيته وآخر يرى الشمس بعد سنوات.. الخ. هنالك من غير المسموح مطلقاً أن يزاروا أو يعرف مكان احتجازهم. منهم يموتون في هذه الأمكنة، أحيانا يبلّغ ذويهم وأحيانا لا.


أحيانا يصدر الأسد قراره بالتخفيف من السريّة على بعض المعتقلين. تبدأ سلسلة الرتب الخادمة في تلقي الرشاوي من أجل زيارات الأهل، أو غير ذلك من أخبار أو رشاوي من أجل معرفة مصير المعتقل فقط.


الأسد صاحب القرار يعرف ذلك جيداً، يعرف ما يتمّ من رشاوي وفساد في هذا الملف الذي تركه لهم.

الاعتقال السياسي في سورية منذ عام 1970 وحتى هذا التاريخ يصدره الأسد بشكل شخصي، لا يرسل لهؤلاء منفذي الاعتقال أي نصّ كتابي. هنالك عرف في النظام الأسدي اسمه توجيهات القائد. الاعتقال السياسي جزء منه، أما الدواوين الأسدية تأتي وظيفتها لاحقاً. الزمن الأسدي


الأسد الأب بدأ هذه المسيرة الاعتقالية منذ توليه منصب وزير الدفاع عام 1966 على إثر انقلاب حركة 23 شباط. حيث اعتقل سليم حاطوم دون العودة لرأي قيادة الشباطيين وتم تصفيته في السجن، رغم إنه أخذ ضمانات من تلك القيادة في حال تسليم نفسه ألا يمسّ.

هذه النقطة أعتقد من المهم التركيز عليها في نشاط المنظمات الحقوقية.


ليفانت - غسان المفلح  ليفانت

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!