الوضع المظلم
الأربعاء ٢٦ / مارس / ٢٠٢٥
Logo
  • الإدارة الأمريكية وسياسة المهادنة مع النظام الإيراني

الإدارة الأمريكية وسياسة المهادنة مع النظام الإيراني
محمد الموسوي

ضجيج بلا طحين في الشرق الأوسط؛ ضجيج إعلام وشعارات بناء جوفاء تغلف معاول الهدم في الشرق الأوسط، وأما رعيد الإدارة الأمريكية بشأن الشرق الأوسط فلن يشمل سوى العرب، ويبقى ملالي إيران في إطار السيناريوهات والمناورات التي تحدث عنها الرئيس ترامب سابقاً..


من رحم الهدم والمعاناة يولد مصيراً جديداً للشعوب في تركيا وفلسطين، وسينبلج فجراً جديدا في إيران والعراق وفلسطين ولبنان واليمن كما انبلج في سوريا حتى وإن طال الأمد وتعاظمت مخططات الهدم الاستعمارية؛ ومن ساحات الموت والدمار تولد الحياة من جديد.. هكذا رأينا المشهد بالرشد في قراءة التاريخ، وبالعين والتجربة والمعايشة، ومن لا يرى الشمس من الغربال فهو أعمى وأضل سبيلا... 
نظرة إلى التاريخ وجزءا من الحقائق في الشرق الأوسط
   لم يكن العالم دولاً بل كان مقسما كمناطق نفوذ مترامية الأطراف على أراضيهم لهذه الأمة أو تلك، ويجمعهم عامل الموطن والتاريخ واللغة والتراث، ولم يحكم العرب أنفسهم منذ القدم منذ عهد إمبراطورية كورش الفارسية التي أُعلن شأن اليهود في عهدها وحتى ما قبل العصر الإسلامي حيث تقاسم حكم البلدان والمناطق العربية الفرس والأحباش والرومان؛ ثم جاء الإسلام فأنقذهم من الجاهلية وقبحها وأعزهم وجمع شتاتهم ورفع شأنهم، وأصبحوا أمة كبيرة تحت راية الإسلام أُمةً من العرب والأتراك والفرس والأكراد والأمازيغ والطاجيك وعموم القوقازيين وغيرهم من الأمم التي انضوت تحت لواء الإسلام، وبدأوا معا في صياغة وتكوين أمة الإسلام والتاريخ الإسلامي حتى توسعوا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً على نحوٍ ملفتٍ للنظر يستدعي تفكيرا عميقاً لدى خصومهم وأعدائهم.. تفكيراً قضى على دولة الأندلس، ودولة محمد علي، والدولة العثمانية ونظيرتها القاجارية، وكلتا الدولتين كانتا حاكمتين للعالم الإسلامي وبهدمهما يمكن البدء في رسم خارطة كونية جديدة، وقد حدث فبدأوا بالدولة العثمانية وانتزاع فلسطين منها ثم هدم القاجارية وتفتيت المنطقة كلها من بعد ذلك.
يرى البعض من المتتبعين لمجريات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وأنا منهم أن معاول الهدم في المنطقة قد بدأت منذ أكثر من قرنٍ من الزمان عندما عمد الإنكليز إلى هدم الدولتين العثمانية بنظام سياسي جديد في تركيا بعد السلطان عبدالحميد يقبل باحتلال فلسطين وتقسيم المنطقة إلى دويلات كهدايا توزع بحسب قدرات المقربين، وبالنهاية بات العرب دويلات فرحةٍ بحدودها الجديدة بعد أن كانوا أمة كبيرة تتكون من عدة أقاليم موحدة قوية الروابط حتى وإن كانت تحت حكم غير العرب من العثمانيين والمماليك والألبان كما عمد الإنكليز أيضا إلى هدم الدولة القاجارية في إيران بمساعدة روسيا والمجيء بنظام الشاهنشاهية ووضع جندي من جنود الروس والإنكليز على رأس هذه الشاهنشاهية وتمكينه في الأرض وتوسعة سلطانه، ولا عجب في توالي نشأة النظامين في تركيا وإيران فهو أمر بديهي كي يفي بلفور وحكومة بلاده بوعودهم، وفي الوقت ذاته تعيد بريطانيا العظمى رسم مصير ومستقبل المنطقة بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، والقصد من هدم الدولة العثمانية والإتيان بنمطٍ سياسيٍ جديد في تركيا وإلغاء هويتها التاريخية وتسليم فلسطين للمحتل كان تركيعاً لأمةٍ بأكملها، وأما هدم الدولة القاجارية والإتيان بمنظومتي حكم الشاهنشاهية والملالي فقد كان لإستنزاف العرب، ولم تكن حرب الثمان سنوات الإيرانية العراقية كافية للقضاء على قوة العراق الصاعدة فتم اقتياده نحو حرب أخرى أكثر تدميراً.. حرباً تلاها حصار تلاه احتلال تلاه هدم العراق وتسليمه كهدية لملالي إيران يعيثون به فساداً ويتمددون انطلاقاً من أراضيه إلى سوريا وغيرها، وبأموال العراق أنفق ملالي إيران على مشاريعهم التوسعية وعلى ميليشياتهم في لبنان وصنعاء والعراق.. ومن المُضحِك المبكي أنهم يسلبون أموال العراق ثم يسلمونها كحقوق من أيديهم إلى أيادي مرتزقتهم من العراقيين وغير العراقيين؛ هذا بالإضافة إلى ما يفرضونه من سياسات مالية وأمنية وعسكرية على العراق الذي تتحكم فيه جنودهم.
الضجيج المُثار في منطقة الشرق الأوسط ليس جديداً، ولم تنتهي مخططات الإستعمار، ومعاول الهدم عريقة متجذرة بدأتها الحملات الصليبية من قبل واستمرت من بعدهم الحملات الفرنسية والبريطانية حتى ظهرت سياسة استعمارية جديدة يتم استنزاف ثروات الشعوب من خلالها دون الحاجة إلى حشد الجيوش والمزيد من الإنفاق عليها.. لم تعد هناك حروباً تتحملها دولة بمفردها في ظل وجود مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن؛ فما على القوة العظمى صاحبة المخطط سوى خلق أعذار ومبررات وتحويلها إلى حقائق يجتمع عليها أترابها من الحلفاء والأصدقاء والتابعين لتتحرك الدمى السوء وتفتك بالفريسة ويأكلونها لحماً ثم يتركون عظامها لصنائعهم كي يقيمون عليها حرية وديمقراطية.. وهذا هو حال الشرق الأوسط.
تحت مسمى الديمقراطية تم هدم العراق وإبادة مفهوم الدولة فيه، ونشر حكم العصابات فيه بدستور مريض وقد رفضوا دستوراً وطنياً عصرياً ليفرضوا دستورهم ولتباركه المرجعية التابعة لهم، ثم بعد ذلك تمكين ملالي إيران من العراق كضيعة لهم، ومن ثم تمكينهم من المنطقة برمتها حتى هدموا سوريا واليمن ولبنان وغزة، واليوم حتى بعد انتصار الثورة السورية لم تسلم سوريا من تواصل مشاريع هدمها وتفتيتها، وفي المقابل تعالت قدرات ملالي إيران التسليحية والنووية بما يجعلهم قوة قادرة على ابتزاز هذا وذاك لتستمر عملية إدارة الصراعات بنجاح لصالح الغرب.. 
في العراق الثري عندما أراد بعض العراقيين التغيير داخلياً دون تدخل عسكري من أي قوة خارجية تسارع الغرب إلى تهميش أي قوة وطنية عراقية حقيقية، وأفسحوا المجال لقوى الظلام الموالي للغرب والملالي، واليوم وتحت نفس المسمى مسمى الحرية والديمقراطية تتفشى الفاشية الدينية ويسود الإرهاب منطقاً وممارسة وفكراً فلا تجدن حرية ولا ديمقراطية ولا عدالة ولا حياة.. والفقر والعوز سيدا الموقف.
 في إيران اليوم التي يعيش شعبها أكبر مآسيها ونكبته إذا تحرك الشعب من أجل حريته قمعته القوى القمعية التابعة للفاشية الدينية الحاكم.. وإذا طُلِب من الغرب وضع كيانات الملالي القمعية على الإرهاب رفضوا وتغاضوا عما يحدث في إيران من كوارث وانتهاكات لحقوق الإنسان، وفي الماضي القريب قام الغرب بالصلاة جماعة خلف محمد خاتمي الرئيس الإيراني الأسبق واضطهاد القوى المنادية بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ووضعها على قوائم الإرهاب حتى جاء القضاء وقام بتبرئتهم في أمريكا وأوروبا، واليوم يؤتمن جانب الغرب نفسه لو قام الشعب الإيراني بمواجهة نظام الملالي بالسلاح حيث يتوق الشعب الإيراني إلى هذه المواجهة للخلاص مما هو فيه من سوء حال؛ فالغرب الذي سمح للثوار في سوريا بحمل السلاح لن يسمح لأقرانهم في إيران بحمله ذلك لأن المطلوب الهدم في الجانب العربي وتقوية شوكة الملالي في خاصرة العرب.. والسرد يطول..
من يقرأ الأحداث جيدا يجد أن حالة الهدم والدمار في الشرق الأوسط بلغت ما يفوق الخيال؛ لكن ما يبعث على الأمل هو أنه قد تم تعرية كافة أوراق اللعب لدى الغرب وبات اللعب على المكشوف ولم يعد هناك خافياً على شعوبهم التي لم تكن تعلم حقيقة ما يجري في الشرق الأوسط من احتلال وحروب وجرائم ضد الإنسانية.. ولم تعد القوى صنيعة الغرب قادرة على حماية مصالحه ولا حماية وجودها أمام تنامي الوعي الثوري لدى الشعوب.
ما حدث في سوريا ستمتد ايجابياته إلى العراق وإيران، وستنتصر الشعوب في العراق واليمن وإيران وفلسطين مهما طال الأمد ومهما بلغ حجم القيود والمؤامرات؛ فرائحة فضائحهم تملأ الآفاق، وما حاكوه من سوء بالأمس سيكون اليوم ركائز لنهضة هذه الشعوب المنكوبة، ونسائم النصر تلوح في الأفق.. نصر من الله وفتحٌ قريب..


د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!