الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الأسد ومخلوف.. نزاع في تلميع الإصلاح وتقليم الدوائر المُحيطة

الأسد ومخلوف.. نزاع في تلميع الإصلاح وتقليم الدوائر المُحيطة
أحمد منصور 1

 


من المؤكد بأن تردي الآداء السياسي المعارض وأنزلاقه نحو الهزيمة، شكل حالة ترقب وإنتظار عند الكثيرين من أبناء المجتمع الثائر ، حيث أصبحت الأغلبية منهم تنتظر فعل دولي وأقليمي، يستعيدوا من خلاله أفق جديد من الممكن حينها أن يشكل ممراً للتغيير، فكيف في ظهور حالة خلاف وتفكيك حاصلة ضمن البنية الداخلية للسلطة الأسدية، وتلك احدى تمنياتنا جميعاً، لأنها حقيقة تؤدي لرحيل تلك السلطة النكرة، وهذاً بغض النظر عن ضرورة وجود حالة صحية إجتماعياً وعسكرياً وسليمة أمنياً وسياسياً، قادرة على تعبئة فراغات هذا السقوط حينها.




ولكن وفق الظهور الثنائي والإشكالي، اعتقد مرجحاً أن قيمة ذلك الظهور الكوميدي الذي قدمه "المناضل المكافح معالي الحرامي رامي"، هو صفر مكعب ضمن تصور أن هنا معادلة للحل السياسي أقتربت، وفق ما افترضه البعض أن دمشق قد باشرت في الإصلاح، ضمن ما يسمى عملية بناء الثقة، وتتضمن حزمة من إجراءات إصلاحية وأستباقية، تبدء بمحاربة الفساد ونفاذ قوة القانون إلى مراكز الدولة والحكومة ومجتمع تجار الحرب، تلك ذاتها الإصلاحات التي صرخت لأجلها حناجر المتظاهرين، ولطالما برع الأسد ومسؤوليه في التهرب من تنفيذها طيلة العشر سنوات المنصرمة؛ إذاً ما وجه الإختلاف في ذلك الإخراج الذي قدمه "السيد رامي الحرامي"، الذي تنوعت فيه الإستنتاجات والتحاليل، لدى الكثيرين من المُنشغلين والمهتمين في الشأن العام، والذي على ما يبدو أن أبن مهندس وخازن سلطة الأسد "رجل التضحيات رامي الحرامي"، قد أستطاع أن يحقق الهدف والغاية المرجوة من هذا التلقف.




أن من يفهم عقلية هذا النظام تتكون لديه القدرة على إدراك الغاية المرجوة من هذا الإخراج، أي <"فيديوهات رامي، التعيب، المظلوم، الحرامي">، ومرجعية السلوكيات التي لطالما اعتادت السلطة الأسدية على ممارستها، أمام أبناء المجتمع السوري، بل وحتى العالم، لذا أعتقد أن هذا السلوك كان يؤدي غايته في وقت وتاريخ مضى، وهذا طبيعي سابقاً في مجتمع يعاني اغلبه من شلل نصفي في التفكير، لذا أغفلت السلطة بمفكريها المشلولين ذهنياً، ان هناك حقيقة، مصدرها الأختلاف في زمكانية هذا التصوير، الذي لم يعد ياخذه منع المصداقية، في مجتمع بات يتواجد فيه البعض الكثير ممن امتلكوا البناء المعرفي والخبرات، حتى أصبحوا قادرين على فهم واكتشاف معظم تلك السلوكيات، بل وتفسيرها وتحليلها وفهم ما يخطط من وراء ذلك، وهذا حقاً ايشكل لتعبير الصريح عن وجود إرادة مستمرة تمضي من أجل الوصول إلى التغيير، والتي تنعكس ايقاعاتها وفق ثقافة مغايرة عن ثقافة الأغلبية ممن أختاروا البقاء و الإستمرار في كونهم مجرد قطيع يتغذى على ما يُلقى له، ومتلقف ما يسمعه من ناي ذلك الراعي الفاسد.




وما يشهده الجميع تتيح التناول له وفق عقلية سوريون اليوم، وليس على نمط ذهنية الأمس القريب، من حيث طبيعة هذا الظهور الذي لم يستخدم فيه النظام موظف أو مستخدم، كما لم تسبقه أيَّ إشاعة تؤكد أو تنفي صحة ما جاء في هذا الخروج الأعوج، مما يوصلنا إلى رأي مُختلف نوعاً ما عن معظم تلك الآراء والتحاليل والتوقعات التي عقبت هذا التكتيك، الغير مبرر للرأس الثاني في النظام والأول في السلطة نفوذاً، مالاً، ملفات متشابكة ومعقدة، وهنا أُشير إلى وجود إعادة تموضع جديد لأفراد السُلطة في السُلطة ذاتها، وأعتقد أنه يمكننا قراءة ذلك من خلال عدة حقائق توضح الأهداف المُختبأة خلف هذا الإخراج.

وأزعم بأن الحوار في ذلك الفيديو وما تبعه يؤكد أن زعامات السلطة المقتة، باتت تدرك أن هناك بركان من غضب قادم إليهم لا محال، وهذا يستدعي خطوات مُسبقة تحميهم من لهيب الجياع الذي بدأت شرارته تنطلق في أحاديث الشارع العلنية، توضح ملامحه طبيعة ذلك الإنفجار، الناتج عن الجوع والفقر المفقع الذي أصاب حاضنته الرئيسية، إضافة إلى بقية المُجتمع المُختطف والمتواجد ضمن مناطقه.




(( وهنا لا بد من الإشارة بأنه لا بد من توضيح فكرة هذا الظهور الثنائي《"لرامي الحرامي"》، والذي عقبه ظهور مُباشر "لهرم _السلطة الفاسدة بشار الهبول"، وهنا يوجد أقتباس من شخصية سورية أعتدُ بفكرها ((<< أن هذه التمثيلية تقى ضمن إطار تقليم الأظافر للدوائر المحيطة بالسُلطة وولاءاتها، إضافة إلى تلميع صورة الإصلاح، في محاولة تبدو على أنها أكثر من لعبة وأقل من خلاف >>)).




إذاً لا بد أن التصور والفهم البسيط لتلك العقلية المُتذاكية، يشكل وجهة نظر موضوعية، أزعم أنها تحتاج إلى الإلتقاط من أبناء الحراك الوطني السوري، المُتجلية حول ضرورة تفويت الفرصة على النظام الديكتاتوري في محاولته لإحتواء هذا الإنفجار المجتمعي، وكذلك حرمانه من فرصة إعادة توجيه هذا الغضب نحو عدد من موظفي الحكومة وبعض مدراء المؤسسات العامة وتجار السوق المحلي، على أعتبار أن هؤلاء وحدهم من كانوا السبب في زيادة المعاناة اليومية للسوريون خلال فترات الحرب، كما تحديد مسؤوليتهم في أحتكار الموارد الرئيسية والمواد الغذائية والإستهلاكية والتحكم في تسعير كامل البضائع، بالإضافة إلى الإعلان عن محاسبة كل من منح الغطاء والحماية لهم، سواء من موظفي النظام أو الأمن والجيش والشرطة، وكشفه النوايا الموجودة لدى هؤلاء بحسب زعمه، والسبب الكامن وراء تكديسهم للثروات، على أعتبار أن الهدف هو تمكين أنفسهم أي التجار ومن يحميهم بأنهم قوة نفوذ خارجة عن سلطة وسياسة دولة الأسد.




ووفق هذا الإطار أجزم بأن تمثيلية مخلوف باتت واضحة المعالم والهدف الرئيسي منها في إعادة توجيه شرارات الغضب المجتمعي والتحكم بإتجاهاته المُغايرة، مما يحقق لسلطة الأسد عدة مُكتسبات، أهمها إعادة تموضع وتمركز أقوى للسلطة، مما يمنحها نفوذ أوسع، وكذلك إكتِساب حماية مٌتجددة مرجعيتها الحاضنة المحلية له؛ كما تُشكل فرصة زمكانية من شأنها إعادة تشديد القبضة الخاطفة للدستور والدولة وعموم المجتمع وخصوصاً الجيش، وإعادة تسخير ذلك الأختطاف وعبر الميليشيات الأمنية إلى خدمته وحمايته هو وعائلة السلطة فقط، وكل الوارد هنا يأتي نتيجة متابعة حثيثة وعميقة لعقلية التذاكي التي يحترفها ذلك النظام، وإدراك اساليبه وطريقة تعاطيه مع النصائح التي يقدمها له حلفائه وكذلك أصدقائه، حول ضرورة البدء في خطوات وإجراءات إصلاحية وعبر قرارات تحدث ضجيج وتعاطي إعلامي شأنه الحديث عن إصلاح حقيقي يقوده هو أي ما يسمى《"رئيس سوريا المدعو بشار الأسد" 》،


والذي يبدء من إنتهاء ادوار لشخصيات ووظائف وتفكيك للمحسوبيات المحسوبة ضمناً على الدوائر الضيقة في السلطة، وهذا تماشياً مع ضرورة مساندة التقدم الذي حققه حلفائه له على الأرض خلال السنوات الأربع الماضية إلى الآن، وهذا يحتاج إلى قرابين والتضحية بمن أستنزفوا أدوارهم الوظيفية وبدأوا في تشكيل عبأ عليه، وبحسب مقولة ( مين يلي بدو يحاسب على الليلة )، وهل هناك من يستطيع أن يدفع ويُحَاسب أكثر من طبقة الاغنياء الجدد من مدنيين وأمنيين، لذا لا بد من طريقة ما تؤدي إلى رفع حصانة أفراد من السلطة عن تلك الدوائر، لتبدء لاحقاً المساومة او التسوية معهم على نسب من المكتسبات التي حققوها في الحرب، ومن المؤكد أن جميع هؤلاء حينها سيدفع وبصمت، إضافة إلى أحتمال أستبعادهم واستبدالهم بأشخاص وأسماء جديدة لزوم مسرحية الإصلاح ودون أي صراخ وضجيج، فظاهرة محاسبة "رامي مخلوف" ورفع الحصانة عنه ماثلة أمام أعينهم في ذلك الظهور التمثيلي، مُتناسين بذلك حقيقة قائمة بأن "سعادة رامي الحرامي" كشخص وعائلة هو عملياً أقوى وأكبر من سٌلطة بشار وعائلته وزوجته.




لذلك أجد انه لا بد أن يكون هناك فهم في سلوك النظام، ومحاولاته الدائمة إلى تسخير كل قضايا المجتمع السوري المختطف لصالح تعزيز سلطته المقتة، التي ما زالت قائمة لطالما أمراء وتجار السلطة والحرب والتدمير متوفرين، وهي فرصة تاريخية تتبح له تحميل كافة ما حصل في سوريا قبل وأثناء الثورة وصولاً للحرب إلى بعض المسؤولين من سياسيين وضباط أستخبارات وجيش وشرطة وتجار.




لذا علينا ان لا نذهب كثيراً بإتجاه كل هذا التهويل، او محاولة البعض السياسي والنخبوي في التعويل على مجرد فيديو، يُظن فيه أنه بداية النهاية لتلك العصابة؛ تاركين خلفنا جوهرة سقوطه في تحميله المسؤولية الاكبر عن كل الإجرام الحاصل والقتل الذي أُرتكب بحق المدنيين والعزل، 《 عزيزي السوري : أنها عائلة وعصابة في الأساس هي بحكم المنتهية، ولكن الظرف الدولي لم ينتهي من إستغلال جشعها في حب السلطة وحقدها على الآخرين، مقابل أجندات امنوجيوستراتيجية في عموم منطقة الشرق الأوسط المُتأخر حالياً والجديد الحداثي مُستقبلاً.


أحمد منصور

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!