الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الأزمة اللبنانية.. بين غياب الحلول وسلب القرار السياسي

الأزمة اللبنانية..  بين غياب الحلول وسلب القرار السياسي
الأزمة اللبنانية

في ظل معاناة لبنان من أوضاع كارثية إنسانية سببها الانهيار المالي والتفكك السياسي والتحزب الطائفي، كارثة وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أسوأ الأزمات المالية منذ عقود. تستمر النخب اللبنانية، وبهدف الفوز بانتخابات تشريعية مقبلة، بتعميق جراح الشعب اللبناني، وسط مصادرة مليشيا حزب الله وأحلافه للقرار السيادي اللبناني.

أدى الاقتصاد اللبناني المتهاوي إلى إغراق ثلاثة أرباع اللبنانيين في براثن الفقر حيث فقدت عملتهم المحلية حوالي 93 في المئة من قيمتها. هناك نقص في الأدوية والكهرباء، في حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير بسبب التضخم. ويقول مراقبون إن الانهيار الاقتصادي، الذي تزامن مع تفشي فيروس كورونا، شكّل أسوأ تهديد لاستقرار لبنان منذ الحرب الأهلية 1975-1990.

في خضم هذه المعمعة، خرج رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري، الاثنين الفائت، وأعلن تعليق عمله في الحياة السياسية وعدم الترشح للانتخابات النيابية المقبلة، داعياً تياره "المستقبل" إلى أن يفعل الشيء ذاته.

بعد ذلك، جاءت تصريحات شقيقه بهاء الحريري دخوله معترك السياسية اللبنانية، قائلاً إنه سيخوض معركة "استرداد الوطن" ويواصل مسيرة والده الراحل.

تأتي هذه التصريحات، في سياق متصل مع وصول وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب إلى  الكويت للاجتماع مع نظرائه في دول الخليج، لإنهاء الأزمة الدبلوماسية. الزيارة التي وصفها الوزير اللبناني بأنها ستكون في إطار الحوار وليس من أجل "إنهاء وجود حزب الله".

وطرحت المبادرة التي حملها وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، خلال زيارته إلى بيروت أخيراً، بنود أبرزها: "تنفيذ إصلاحات، وحصر السلاح بالمؤسسات الشرعية، والالتزام بسياسة النأي بالنفس، ووقف التهجّم على الدول العربية والخليجية".

لبنان.. مسيرة الانهيار

لبنان الذي كان يطلق كان وجهة للمودعين والمستثمرين في التسعينات، حيث كان يطلق عليه سويسرا الشرق. تحول وبشكل دراماتيكي إلى بلد متهالك وعلى حافة الانهيار. فبعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً في التسعينيات، قررت الدولة ربط عملتها بالدولار الأمريكي. ووعد مصرف لبنان المركزي بأن تكون قيمة 1507 ليرات لبنانية تعادل الدولار.

اقرأ أيضاً: لبنان.. القطاع الصحي يتداعى و70% من المواطنين يطلبون المساعدة

جلبت هذه السياسة الاستقرار للبلاد اقتصادياً، لكنها فرضت أيضاً على البنوك اللبنانية الاحتفاظ بمخزون كبير من الدولارات الأمريكية، حتى تتمكن البنوك من الوفاء بوعدها بمبادلة 1507 ليرات مقابل دولار واحد في أي وقت. إضافة لما تحتاجه الشركات اللبنانية للدولارات لدفع ثمن البضائع المستوردة، وهو جزء كبير من الاقتصاد في بلد ينتج القليل مما يستهلكه.

لم يكن لدى لبنان مشكلة في جذب الدولارات، لكن بعد عام 2011، تغير كل شيء. فالحرب في سوريا والتوترات السياسية الأخرى في الشرق الأوسط أضرت بالاقتصاد اللبناني. كما أن القوة المتزايدة لجماعة حزب الله  ردعت المستثمرين الأجانب.

للحفاظ على تدفق الدولارات، وضع رئيس البنك المركزي اللبناني خطة، بحيث تقدم البنوك شروطاً سخية، بما في ذلك فائدة سنوية بنسبة 15 في المئة أو حتى 20 في المئة، لأي شخص يودع دولارات. لكن الطريقة الوحيدة أمام البنوك للوفاء بهذه الشروط كانت عن طريق سداد أموال المودعين الأوائل بأموال المودعين الجدد.

لكن بمجرد أن أدرك الناس ذلك، انهار كل شيء. كان عام 2019 هو الوقت الذي توقف فيه الناس عن إخراج أموالهم من البنوك. رسمياً، سعر الصرف لم يتغير، لكن في المعاملات اليومية، تراجعت قيمة الليرة بأكثر من 90 بالمئة منذ 2019. وتجاوز المعدل السنوي للتضخم 100 بالمئة هذا العام.

ويعتقد محللون اقتصاديون بأن ثلاثة تطورات منذ عام 2019 أدت إلى تفاقم الوضع، أولها عندما حاولت الحكومة جمع الأموال من خلال فرض ضريبة على جميع مكالمات WhatsApp، أثارت الضريبة غضب الناس، ورأى كثير منهم أنها مثال آخر على عدم المساواة التي تفرضها الحكومة، وأثارت احتجاجات كبيرة وأحياناً عنيفة.

ثانياً، أضر انتشار فيروس كورونا وسياسات الإغلاق باقتصاد لبنان الضعيف أساساً. فقد تضررت السياحة التي تشكل 18 في المئة من اقتصاد لبنان بخسائر كبيرة. أمّا ثالثاً، أدى انفجار ضخم في مرفأ بيروت، في آب / أغسطس 2020، إلى مقتل أكثر من 200 شخص وتدمير العديد من الأحياء.

النخب السياسية وأزمة اقتصاد لبنان

أصدر البنك الدولي تقريراً اتهم فيه النخبة اللبنانية بالمساهمة في كساد اقتصادي يهدد استقرار البلاد والسلام الاجتماعي. وقال التقرير الذي يحمل عنوان "الإنكار الكبير" إن "الكساد المتعمد في لبنان هو من تدبير النخبة في البلاد" التي طالما سيطرت على لبنان.

واتهم البنك الدولي الطبقة السياسية في لبنان بتدبير الانهيار الاقتصادي للبلاد، محذراً من أن الانهيار يمثل تهديداً طويل الأجل للدولة الصغيرة في الشرق الأوسط. في التقرير، تظهر البيانات أن ارتفاع التضخم في لبنان يحتل الآن المرتبة الثالثة عالميًا بنسبة 145٪ ، بعد فنزويلا والسودان.

يؤدي حجم ونطاق الكساد المتعمد في لبنان إلى تفكك الركائز الأساسية للاقتصاد السياسي في لبنان بعد الحرب الأهلية. ويشير التقرير بأن الكساد مفروض على عامة السكان من قبل النخبة التي حكمت البلاد منذ فترة طويلة واستولت على الدولة والمصالح الاقتصادية المرتبطة بها.

حيث عدّ البنك الدولي بأن استمرار هذا الاستيلاء سيولد أزمة يُقدر أنها من المحتمل أن تكون من بين أكبر ثلاثة انهيارات اقتصادية في جميع أنحاء العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر.

اقرأ أيضاً: البنك الدولي يعلن انخفاض إيرادات حكومة لبنان إلى النصف في 2021

أظهر مرصد الاقتصاد اللبناني التابع للبنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انخفض من نحو 52 مليار دولار في عام 2019 إلى 21.8 مليار دولار في عام 2021، وهو ما يمثل انكماشاً بنسبة تزيد عن 58 بالمئة، هذا هو أكبر انكماش من بين 193 دولة مدرجة في التقرير.

وتعتبر الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان أهم أسباب الفساد وسوء الإدارة التي أدت إلى الأزمة، وهي لم تفعل شيئا تقريباً لمساعدة لبنان على الخروج من الأزمة.

الانتخابات النيابية

ستكون الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان هي الأولى منذ الانتفاضة الشعبية في أواخر عام 2019، عندما خرج مئات الآلاف إلى الشوارع مطالبين بإنهاء نظام المحسوبية السياسي والاقتصادي الراسخ، والذي يُلقى باللوم عليه في العديد من الأزمات الرهيبة التي اجتاحت لبنان.

ويسعى العديد من اللبنانيين المستقلين لإحراز فوز في الانتخابات النيابية المقبلة، بهدف إنشاء كتل نيابية مستقلة، قادرة على مواجهة المليشيات والنخب السياسية الحاكمة. فيما يشكك العديد من إمكانية إجراء الانتخابات النيابية في وقتها.

لبنان.. اشتباكات بيروت/ النهار

​فبعد أيام من إنهاء سعد الحريري لدوره في الحياة السياسية، وعزا قراره إلى عوامل من بينها نفوذ إيران الذي قال إنه يمنع أي تغيير إيجابي في لبنان. أعلن شقيقه بهاء الحريري يوم الجمعة دخوله معترك السياسية اللبنانية قائلا إنه سيخوض معركة "استرداد الوطن" ويواصل مسيرة والده الراحل.

منذ تأسسيه على يد الحرس الثوري الإيراني عام 1982، أصبحت مليشيا حزب الله أقوى فصيل في لبنان. مما جعل البلاد تدريجياً واحدة من عدة دول عربية تمارس فيها الحكومة الإيرانية نفوذاً كبيراً وجعل لبنان مسرحًا لصراعها مع دول الخليج العربية.

ويسعى الحزب، الأقوى مالياً من معظم لبنان رغم العقوبات الأمريكية والغربية عليه، والمصنف كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة للاستفادة من انسحاب الحريري. فكعادته سيتطلع إلى تحقيق مكاسب محتملة لحلفائه، وهم عادة سياسيون محليون يفتقرون إلى النفوذ كحزب الحريري.

ويقول بهاء: "بالشراكة والتضامن سوف نخوض معركة استرداد الوطن واسترداد سيادة الوطن من محتليها". وقال بهاء في كلمته "ابن الشهيد رفيق الحريري ما بيترك لبنان، موجودين معكم وقريباً جداً (سأكون) بيناتكم".

اقرأ أيضاً: جنبلاط يعتبر قرار الحريري إطلاقاً ليد إيران بلبنان

بينما قال مستشاره الإعلامي جيري ماهر: إنه لن يرشح نفسه في الانتخابات وإنه، عوضاً عن ذلك، سيساند قوائم انتخابية في أنحاء لبنان تحت شعار "سوا للبنان" وهي حركة أسسها ومولها بهدف الإصلاح.

المبادرة الكويتية.. والرد اللبناني

صرّح وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، السبت، إن زيارته إلى الكويت للاجتماع مع نظرائه في دول الخليج، تسعي لإنهاء الأزمة الدبلوماسية، وستكون في إطار الحوار وليس من أجل "إنهاء وجود حزب الله". 

حيث من المقرر أن يحضر الوزير اللبناني الاجتماع في الكويت، لتقديم رده على المبادرة الكويتية لإعادة بناء الثقة التي قدمها وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، الأسبوع الماضي.

في الوقت الذي تحض فيه دول الخليج بيروت على كبح جماح مليشيا حزب الله المدعومة إيرانياً، مقابل تحسين العلاقات. أوضح وزير الخارجية اللبناني: "لست ذاهباً لإنهاء وجود حزب الله. هذا أمر غير وارد. نحن ذاهبون من أجل الحوار".

ويشدد الوزير على أن: "لبنان يحترم جميع قرارات الشرعية الدولية بما يضمن السلم الأهلي والاستقرار الوطني للبنان، وإن الحكومة ملتزمة قولاً وفعلاً بسياسة النأي بالنفس".

وكان وزير الخارجية الكويتي قد نقل مبادرة إلى الأطراف اللبانية، تتضمن: "تنفيذ الحكومة اللبنانية إصلاحات، والتزامها بتنفيذ اتفاق الطائف، وإصلاح قطاع الطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود، وضمان تنفيذ هذه الإجراءات بالتعاون مع الدول العربية، والحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و1701 و1680 والقرارات الدولية والعربية ذات الصلة".

كذلك تشمل المبادرة "ضمان ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال تزعزع استقرار المنطقة وأمنها ومنطلقاً لتجارة المخدرات وتوزيعها، وتأكيد أهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على الأمن الوطني، ووضع آلية للمساعدات تتسم بالشفافية ووضع الآليات المناسبة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني، وضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، والالتزام بسياسة النأي بالنفس ووقف التهجّم اللفظي والعملي على الدول العربية والخليجية".

وتعتبر زيارة وزير الخارجية الكويتي، هي الأولى لمسؤول خليجي بارز إلى لبنان منذ اندلاع أزمة دبلوماسية بين بيروت والرياض العام الماضي، بعد تصريحات لوزير الإعلام اللبناني سابقاً جورج قرداحي عن الحرب في اليمن، التي دفعته لاحقاً إلى الاستقالة.

تأمل الأطراف الدولية و اللبنانيون  أن يدخل بلدهم بعد هذه المبادرة في حالة الاستقرار السياسي النسبى، بعد عانى فيها لأكثر من عامين أزمة سياسية واقتصادية حادة، فاقمها الانفجار المدمر لمرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020، مع عزوف المانحين الدوليين والإقليميين عن تقديم الدعم للسلطات اللبنانية لتجاوز الأزمة الحالية. والتي في أساسها يعود لسلوك الحكومة اللبنانية، إضافة للعقبات والمشاكل المتعلقة بالانتخابات التشريعية المتوقعة في أيار/ مايو المقبل.

ليفانت نيوز_ خاص

إعداد وتحرير: عبير صارم

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!