-
الأخوان ملص يفوزان بجائزة “الشاشة لك” البرونزيّة عن فيلمهما الروائي “الحقيبة”
“وطني ليس حقيبة، وأنا لست المُسافر”، أعتذر من الشاعر محمود درويش، لأنّني أرى أنّ الوطن حقيبة، ومغادرة أرض الموت نجاة، هو ما قاله الأخوان أحمد ومحمد ملص، اللذان فازا بجائزة “الشاشة لك”، البرونزية في فيلمهما الروائي “الحقيبة”، والذي لايتجاوز الثلاث دقائق. الأخوان ملص
يبدأ الفيلم بمشهد صعود أحد التوأمين على درج أحد الشوارع في باريس، وهو يحمل الحقيبة ويلهث، فتأتي الكلمة الأولى في الفيلم “اسمي لاجئ”، هذا هو مفتاح الحكاية، يروى في ضوء الشمس بشوارع أخرى، ولغة أخرى، يقول محمد: “أنا هنا إنسان آخر، غير ذاك الذي كان هناك في الشام، أنا هنا لاجئ، أدرك أنّ عالماً بلا أنا، بلا ذات، هو عالم أشياء”.
في الفيلم يخرج الأخوان ملص نحو الشمس، ليقولا هواجسهما هنا في الشارع كمسرح حرية، وتحت سماء غريبة، وبلغة أخرى، إنّها معادلة حياة للبقاء، فهل نعرف معنى أن يصل الواحد فينا إلى درجة يحكي فيها مع نفسه، وهو يمشي، أو يشرب قهوته، وأن يقدّما صورة اللاجئ ببعد داخلي عميق وبسيط، هو ما يعكسه الفيلم، وكأنّه قصيدة نثر، أو لوحة على مفترق الغياب.
لماذا الحقيبة؟
يقول محمد الحقيبة هي الشيء الوحيد الذي حملناه ونحن خارجان من سوريا، عام 2011، إلى لبنان، ثم مصر، وهولندا، واليوم نحن لاجئان في فرنسا، الحقيبة هي أشبه بالمفتاح الذي حمله معه الفلسطيني، قبل سبعين عاماً، ولا زال يحلم بالعودة، نحن مثلهم مطرودون، غادرنا لننجو من الموت والاعتقال، وحرب عبثية، في عالم يزداد توحشاً، ونحن نزداد غربة، الحقيبة تذكرني بما قاله بريخت، “لاتدقّ مسماراً على حائط الغربة”، أو “ارمِ أشياءك على السرير، لاتضعها في الخزانة”، من هنا الحقيبة وطن، غير مستقرّ، وإنسان ضائع.
اللغة البصرية:
استبدلنا بيوتنا وغرفنا في دمشق، بكاميرات بسيطة، وذاكرة وصور وأصوات، كاميرا “كانون”، البسيطة، التي صورنا فيها الفيلم، وهو ماينسجم مع شروط المسابقة التي فزنا بها، لنحكي هواجسنا، نعم أنا الآن لاجئ، أتيت من بلاد دافئة وحميمة، إلى بلاد باردة في العلاقات، لكننا حصلنا فيها على منصّة لنعبّر عن أنفسنا، نشرب القهوة وحيدين، نمشي وحيدين، يمكن أن تجلس يومك وحيداً، تمشي وحيداً، لهذا مضينا إلى اللغة الجديدة، لنتعلم اللغة الفرنسية، وكان الفيلم بهذه اللغة، ليصل صوتنا إلى العالم.
فكرة السيناريو:
الفيلم روائي قصير، وقد استفدنا من فكرة عرض مسرحي للدكتور سامر عمران، اشتغلنا على هذه الفكرة بما يناسب فكرة الفيلم، وكتبنا النصّ من جديد، ذهبنا إلى اللغة الجديدة، نحن هنا غيرنا في دمشق، هناك كنّا مواطنين مجردين من حقوقنا، هنا نحن لاجئون، نتحدّث بالفرنسية، نحكي عن اللغة، وطبيعي أن يظهر أخطاء في الأكسنت، والنحو، وهو ما يظهر أنّنا غريبان. أذكر، حين كنت في مصر، التقيت برجل كان معتقلاً عند النظام أكثر من 12 سنة، سألته، كيف رأيت العالم بعد أن خرجت؟، قال، كنت إنساناً آخر تماماً، يبدو أنّه يستحيل أن نكون انفسنا، وهو ما أردت قوله في الفيلم، أنا لاجئ، والغربة فقدان لكثير من الأشياء، رائحة المكان، دفء البيت، وجه الأب والأم والعلاقات، وصوت الباعة في الأسواق، نحن هنا عيوننا وقلبنا على سوريا، نحاول أن نكمل الطريق، أن نتعلّم لغة المكان، السوري إنسان حضاري، ونحن نصارع لنكون، وتلك هي المسألة، مسألة وجود، نستعيض عن كل شيء بالكاميرا، والتي تعادل لوحة التشكيلي، وقصيدة الشاعر، ورواية الروائي، مهما كانت أدواتنا بسيطة، إنّها محاولة، حتّى ولو كلمة أو جملة، ففي البدء كانت الكلمة.
نهاية وصورة:
*انتهى الفيلم بمشهد أشبه بلوحة، ومنصّة تقفون عليها في شارع عام، أشبه بالمسرح، وكأنكما تلعبان اللعبة معاً، مسرح بعيون الكاميرا، وسينما تأخذنا إلى الحقيبة، وأي حقيبة؟
نعم، انتهى الفيلم بمشهد الحقيبة، أخي داخلها، وأنا على الكرسي، وكلانا في مدينة أخرى، بكامل أناقتنا، وقلقنا، اللاجئ مرتب، اللاجئ يهتمّ بتسريحته، يعرف البعد الجمالي للجسد، أشرب القهوة وأحدّث نفسي، وأنت تعرفين معنى أن يحكي الإنسان مع نفسه، هذا الشرخ، الذي يعكس حالنا وهواجسنا، قد يبدو للآخر لحظة شعريّة، لكنّها صورة من صور الغريب، ويدرك أنّه بات رهين هذه الحقيبة الممزّقة، مثل وطننا ومدننا التي باتت ركاماً، ومثل قارب النجاة الممزّق باللاجئين الغارقين في البحر، نحن داخل الحقيبة، لم نخرج ترفاً؛ هربنا من الموت، هذه التراجيديا الأقسى في العالم، لم تمنعنا من تصوير عوالمنا الداخليّة، وكان لظهورنا بأناقة ملفتة، أن جعلنا نستحقّ جائزة أفضل الملابس أيضاً.
تعلّم اللغة البصرية:
وحول تطوير اللغة البصرية، والعلاقة مع الصورة وفن السينما، قال: أخذنا بنصيحة المخرج الإيراني العالمي “محسن مخملباف”، والذي أكّد بما معناه، حين لاتستطيع دراسة السينما، اقرأ 200 كتاب، وشاهد 100 فيلم، عندها تكون قد حصلت على ماستر، وهو ما فعلناه حقاً، وكنا قبلها قد تخرجنا من معهد أورنينا، قسم التمثيل في دمشق، أحد المعاهد المسرحية الخاصة والمستقلًة، واستفدنا جداً من الأستاذة “نائلة الأطرش”، والمخرج المسرحي “باسم قهار”، وكان هذا بسبب عدم قبولنا للدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحيّة.
وخضعنا ورشات عمل مسرحيّة مع عدد من الممثلين والمخرجين، مثل، أمل عمران، ياسر عبد اللطيف، رأفت الزاقوت، وطلعت السماوي. الأخوان ملص
قمنا بعدّة ورشات للسيناريو مع الكاتب موفق مسعود، في عام 2009، أسّسنا مسرح الغرفة، وكان في غرفتنا في حي العدوي بدمشق، والذي ترشّح إلى موسوعة غينيس، بوصفه أصغر خشبة مسرح في العالم.
أهميّة السينما:
وحول جدوى ما يقدّمه الشباب من أفلام، يقول: إذا تحدّثنا عن الأفلام التسجيلية والوثائقيّة، التي ظهرت خلال العشر سنوات الأخيرة، فأهميّتها أنّها طرقت أبواب الشعوب الغربيّة، وتمّ عرضها في أكبر المدن الأوروبية والأميركية ليصل صوت السوري إلى العالم، وكان آخرها “فيلم الكهف”، و”إلى سما”.
أفلام كثيرة قدّمها شباب، تناولت قصص المجازر من قلب الحدث، الحولة والكيماوي والقصير وبابا عمر وإدلب، وغيرها، واليوم نحكي عن قصة اللاجئ، عن معنى أن تجد نفسك في شرط حياتي لم تكن تتخيّله يوماً، نحن المطرودون من الفردوس، المرميون على عتبات هذا العالم.
وأضاف، شاركنا بالكثير من المهرجانات، حصلنا على عدّة جوائز؛ ومنها فيلم “البحث عن عباس كيارستامي”، الذي نال جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان هوليود إنترناشونال أون لاين، وجائزة أفضل سيناريو في مهرجان تهارقا بالسودان، وأفضل فيلم في مهرجان الاسكندرية للأفلام القصيرة في مصر، فيما نال فيلم “أيام الكرز”، وهو فيلم وثائقي، جائزة أفضل فيلم في مهرجان لوس أنجلوس الشهري، وجائزة الجمهور في مهرجان البوسنة، وحصل فيلم “كأس العالم” على جائزة شمال أميركا وجائزة البرونزية في أميركا وكندا، وغير ذلك من الجوائز، الجائزة الأهم، وصول صوتنا وجرحنا إلى العالم.
المسرح بين منصّات مختلفة:
حول العلاقة مع المسرح، ما بين دمشق ومدن اللجوء، يقول: “الثورة غداً تؤجّل إلى البارحة”، وهو العمل الذي قدّمناه عند اندلاع الثورة السورية. تم اعتقلنا في مظاهرة حي الميدان، بتاريخ 13 يوليو 2011، فحاولنا تقديم المسرحية ذاتها في زنازين الأمن الجنائي، هذا العمل قُدّم في لبنان ومصر، وباريس. قدّمنا عدداً من الأعمال المستقلّة على قناة اليوتيوب، منها سلسلة تحت اسم “ثورة ضوء”.
قبلها شاركنا في مسرحية “أرابيا”، التي أخرجها باسم قهار، عام 2004، ومسرحية “غيرة الباربوييه”، من إخراج أمل عمران ورأفت الزاقوت عام 2007، و”الجمعية الأدبية” عام 2008 لـلمخرج رأفت الزاقوت.
نحاول اليوم التركيز على قضايا ومشاكل اللجوء، ففي مسرحية “سفرة بلا سفر”، حديث عن اللاجئين السوريين في الزعتري، واللاجئين العراقيين في مدينة الفحيص، ثمّ في مسرحية “اللاجئان” حديث عن اللجوء في فرنسا.
في هاتين المسرحيتين، لم نحدّد الزمان والمكان بشكل مباشر، لأنّ مأساة اللجوء مأساة عالمية على مدى التاريخ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الفرق بين لجوء فرنسا ولجوء الأردن، كالفرق بين الجنة والجحيم حتماً.
ليفانت – فاتن حمودي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!