-
اقتصاد الجنوب السوري .. يد عاملة بـ "الدولار" وتسويات غير معلنة
على جمر نار "التسويات" يتعايش اقتصاد جنوبي سورية، فلا تتضح معالمه وهويته ولا هو قادر على طي صفحة الماضي، ولا استشراف صفحة الحاضر، فالتسويات التي أوقفت القصف فقط تتبدل على وقع المعطيات والمتغيرات المتسارعة وليس وضع الاقتصاد بأفضل من وضع العاملين به، فلا الزراعة انتعشت ولا بوابات التصدير فتحت، ولا الحواجز رفعت، ولا القوة العاملة استقرت، وعرفت خياراتها، فحال الجنوب يبدو مرتبطا ًبوضع الشمال السوري.
تضاعفت مشاكل الجنوب الاقتصادية مرات عديدة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يرى به البعض رغبة من النظام "لتركيع الجنوب" في إشارة لنوعية المشاكل التي لم يئن لها أن ترى الحلول حتى بعد انتهاء المواجهات في الجنوب السوري عموماً، إذ ما تزال محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة تئن تحت وضع اقتصادي يقترب من لحظة الانفجار، وبرزت ظواهر ما بعد الحرب أشد مرارة على الناس، بدءاً من عمليات الخطف المتكررة ومطالب الفدية المستعصية في السويداء، وصولاً لوجوب التحاق الشباب - القوة عاملة – بجبهات الشمال السوري، مروراً بالقنيطرة والتي ما تزال تئن تحت المتغيرات ويصيبها ما يعانيه جوارها من الامتداد الجغرافي والبشري.
وبرزت مشكلة اليد العاملة المرتفعة كنتيجة حتمية للتسويات "القاصرة" في درعا والقنيطرة,،وانحسار حركة الشباب في محيط بلداتهم ومدنهم، فلا يغادروها خوفاً من الزج بهم في جبهة الشمال، كما قسمت المحافظة الواحدة بالحواجز العسكرية غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، وهو ما بدا معيقاً أمام تنقل اليد العاملة وارتفاع أجورها المقتربة من حدود الدولار، فالمغامرة بالتوجه لسوق العمل تعني في أحد أوجهها نهاية "رجل شجاع"، وهو ما انعكس أيضا على السويداء والتي تحتاج أراضها - لخصوصيتها البركانية – ليد عاملة، وجرت العادة التزود بها من جاراتها الغربية درعا، والتي كانت دوما مصدّرة لليد العالمة الرخيصة، فيما مسلسل الحرائق يلتهم مزيداً من محاصيل الجبل كباقي أخواتها السوريات، مرجحة بعض المصادر أن تكون مفتعلة.
وشكّل غياب الاستثمارات عن المحافظات "شبه المستقرة" كأحد روافع النمو معضلة إضافية، فالنظام يسير باتجاه الحرب بدل الاستثمار ولا مكان لمثل هذا "الترف" وهو ما تلاقى مع رجال المال والأعمال الذين اختاروا مناطق العاصمة حيث الاستقرار الأعلى، إضافة لانقسام شباب المحافظات بين خيارات "الدفاع الوطني" والدفاع عن المحافظة كما في السويداء والفيلق الخامس بدرعا والقنيطرة، أو الهجرة القسرية التي تنامت بواباتها متسارعة فزادت نسب الفقر والعوز الاقتصادي كسمات عامة للمحافظات الجنوبية، سيما بعد توقف المنظمات الدولية عن مد يد العون وتولي النظام السورية مسؤولياته بهذا الجانب.
"كنا نعوّل على نهاية الحرب لخلق بيئة جديدة وتحريك واقع الحياة والمجتمع والناس كانت متعطشة، وقد أنهكتها سنوات الحرب وإذلال الجهات المانحة، مجتمعاتنا أساساً قوة عاملة، الأب يعمل، الأم تعمل، الشباب الجامعي يعمل، ربما كانت آمالنا مرة أخرى "خائبة" حلمنا أن ننتصر بالسلام والاقتصاد وأن يتحول الجنوب السوري لمركز اقتصادي ومحوري, فهو بوابة سورية على الخليج المتعطش للبضائع السورية، نعم خاب رجائنا وعلينا الترقب". يقول أحمد المقداد أحد تجار ابناء الجنوب السوري.
من يتحمل المسؤولية فيما يعيشه الناس من "خيبات" وفقر وحصار؟ أسأل المقداد.
"السياسة والاقتصاد معاً، لا يلام رجل المال في بحثه عن البيئة المستقرة هذه خاصية في كل المجتمعات ولن تكون سورية استثناءاً, والناس متعطشة للعمل والحياة والبيئة مناسبة، في درعا لوحدها ما يقارب مئة معمل كونسروة تنتظر الشروط الطبيعية للعمل ومحيطها أراض تنتج سنويا 350 ألف طن من البندورة لوحدها، فاحتلت المرتبة الأولى على مستوى القطر، وفي السويداء مزارع العنب الطبيعية والرمان والقمح القاسي المخصص للتصدير".
يتنهد المتحدث صامتاً ومضيفاً على ذات السؤال: "القهر.. هل يعرف العالم معنى القهر الذي نعيشه؟ هذا النظام لم يقهر الناس المؤمنة بالحياة والاقتصاد والغد، قهر حتى الأرض فتحولت الى "يباب" قاحلة، لو نجح في تحويل السلام لواقع ينعكس اقتصاداً لهرعت إدلب شمالاً ودير الزور شرقاً والحسكة شمالا".
المعبر التجاري يتحول لسياسي
طال انتظار عودته, ليكون معبراً لحركة تجارية، تساهم في رفع اقتصاد الجنوب خاصة، وسورية ومحيطها العربي عموماً، فمعبر نصيب الحدودي بين سورية والمملكة الأردنية، اعتبر لسنواتٍ أهم ّشريانٍ اقتصادي, وانعكس على ابناء الجنوب السوري، في الاهتمام بالتصدير والاستيراد, والعمل على الناقلات التجارية, بين البلدان العربية, كما أنعش قبل الثورة السورية حركة العمل بمحيطه، من مطاعم وفنادق ومنشآتٍ سياحية، وصولاً للمنطقة الحرّة المشتركة الأردنية*- السورية، والتي استحوذ ابناء الجنوب على نسبة منها في المنشآت والجمارك والتصدير والتوظيف.
كلّ ما سبق لم يشفع للمعبر أن يعود لسابق عهده، رغم حاجة الدول لعودته، فسارع نظام الأسد لاستثماره سياسياً، وتحوّل إعلامه بشكل يومي لراصدٍ ومضخّم ومستثمر، للحديث -فقط - عن عودة المقهورين من مخيمات الأردن، بما يثبت لمتابعيه نظرية " المؤامرة الكونية "، وصولاً للاستثمار في مرور أيّ وفدٍ زائرٍ للبحث في قضايا اقتصادية بين البلدين. ليصدر مؤخراً خلال الأشهر الماضية قراراتٍ توقف التبادل التجاري بين الأردن وسورية، وأعلنت الحكومة الأردنية على لسان وزير التجارة والصناعة "طارق الحموري" أنّ قرار إيقاف استيراد البضائع السورية يأتي من مبدأ المعاملة بالمثل في مواجهة قرار سوري، موضحاً أن بلاده حاولت مع دمشق كي تسمح باستيراد الصناعات الأردنية، غير أنها لم تلق استجابة بهذا الشأن. وتحدّثت وسائل إعلام أردنية أن الشاحنات الأردنية لنقل البضائع تواجه إجراءاتٍ تفتيشية مشدّدةٍ غير مسبوقة، إذ تمكث هذه الحافلات أياماً حتى تتمكّن من دخول الأراضي السورية، ,وهو ما انعكس أيضا على الجانب اللبناني الذي أمل بعيد افتتاح المعبر ان يعود لسابق حركته في التصدير الزراعي عبر المعبر باعتباره المنفذ البري الوحيد، والذي كان يمرّ عبره 70% من الصادرات الزراعية و32% من الصناعات الغذائية، و22% من صادرات الصناعة بشكل ٍعام، بحسب ما تنقل وسائل إعلام لبنانية عن رئيس مجلس إدارة ومدير عام المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات "نبيل عيتاني". اقتصاد الجنوب السوري .. يد عاملة بـ "الدولار" وتسويات غير معلنة
ثمّة نشاطٌ محفوف بالمخاطر في المعبر القديم بين سورية والأردن، معبر البلد – الرمثا- إذ توجّهت بعض الفعاليات التجارية لافتتاح بعض الأنشطة التجارية في المحافظة الجنوبية درعا، لكن إشكالية درعا البلد ما تزال هاجساً امنياً لنظام الأسد، فالجميع تحت خط المراقبة ومجهرها. وتشير بعض الأوساط أن الفعاليات – محلات تجارية- التي أقيمت مؤخرا ًتمت برعاية روسية، سمحت للعديد بالاستفادة من مطارح اقتصادية، يعوّل عليها في بقائهم بعيداً عن الفقر المدقع. لكن كلا المعبرين يخضعان لسيطرة المخابرات الجوية، وما تحمله هذه القوّة من مخاوف عاصرها السوريون طيلة السنوات الماضية.
بقاء الأسباب وتشابه النتائج
لن يكون جنوب سورية, مختلفاً عن غيره جذرياً، لكن ظروف السنوات القاسية، وما خلفته، وبقاءه في "عين العاصفة" يفتح صورة عما يعيشه الجنوب وأهله "من تحت الدلف لتحت المزراب"، فمن شحّ الوقود وأسعاره، وصولا للبطاقة الذكية ومعاناتها، مروراً بأسعار المواد الغذائية المتقلبة على " وهج" الدولار، تزداد معاناة الناس، وتتدهور ظروفهم الاقتصادية، فقد وصل سعر كيس الطحين إلى 11 ألف ليرة سورية في مناطق تعتبر زراعية، وتعتمد غالبا على مواردها الذاتية، وليس أقرب من تقرير الأمم المتحدة الأخير، الذي يشيراإلى أنّ "هناك حالياً أكثر من مليوني طفل سوري خارج المدارس، مؤكّدة أن أكثر من 80 في المائة من السوريين، يعيشون تحت خط الفقر".
وجنوباً تزداد مساحة الفقر والبؤس، سيما لشرائح اجتماعية كانت إلى ما قبل التسوية، محسوبةً على المعارضة، وهو ما يبقى مخاوفها مشروعة، واحتياجاتها متزايدة، لغياب أية دعائم اقتصادية واجتماعية تساندها، وغياب الجهات المانحة التي كانت حاضرة الى الأمس القريب، إضافة ًلخشيتها أن تكون موضوعةً تحت أعين النظام وحرّاسه، ولن يكون آخرها آلاف الشباب والموظفين، الذين قدّموا التسويات للعودة لوظائفهم، وما زال الانتظار والبطالة تأكل أيامهم وشهورهم، وسط ارتفاع وتقلبات بأسعار المواد الغذائية الأساسية. فلائحة أسعار البندورة المنتجة في أرض المحافظات الجنوبية، يتجاوز 200 ل .س، فيما تشهد أسعار الحليب ومشتقاته في ذات البيئة الريفية، ارتفاعاً بمعدل 50 ليرة سورية للّبن الرائب، ليصبح بـ 300 ليرة سورية للكغ، ومثلها للبن المصفى ليصبح بـ 900 ليرة سورية للكغ الواحد، اما حديث اللحوم فذلك "ترف الحياة " فبلغت أسعار الفروج 950 ليرة سورية للكغ الواحد ,لحم ماعز وغنم وبقر 3750 – 4000 ليرة سورية للكغ.
اقتصاد الجنوب السوري .. يد عاملة بـ "الدولار" وتسويات غير معلنة
اقتصاد الجنوب السوري .. يد عاملة بـ "الدولار" وتسويات غير معلنة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!