الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
إيران الملالي ودرعا
غسان المفلح

لم يعد ممكناً الحديث عن العراق وسوريا ولبنان واليمن والأردن، دون الحديث عن العلاقة المركبة بين إسرائيل وإيران وأمريكا. هذه العلاقة التي ساهمت وتساهم أمريكا في تأسيسها كاستراتيجية طويلة الأمد. إيران 


ما الذي تريده إيران من درعا؟ ما الذي تريده من سوريا؟ اقتصادياً تريد أن تصبح شريكة للأسد في نهب البلد وتعفيشها. هل من طريق آخر مقابل حمايتها له؟ تشاركه السيادة على الشعب السوري، والتي كانت حكراً عليه فقط قبل الثورة، متشاركة مع الروس أيضاً.


المعضلة أن سوريا الآن لا تستطيع أن تقدم أرباحاً اقتصادية لإيران، لقاء ما قدمته إيران من أموال لدعم الأسد. الأمر متروك لمستقبل لا يعرف أحد أين يمكن أن يصل. إيران الآن في سوريا جلّ ما تقوم به هو محاولة جمع أوراق السيطرة على قدر ما تستطيع، وعلى قدر ما يستطيع تواجدها العسكري بالدرجة الأولى. هذا التواجد العسكري الذي تم بحشد أكثر من 60 ألفاً من الميليشيات العراقية والأفغانية واللبنانية لقتل السوريين والتمدّد في مساحات محددة من كل سوريا.


لم يعد أحد يختلف على أن تدخل إيران في سوريا، كان بموافقة أمريكية إسرائيلية لمنع الأسد من السقوط. كذلك الأمر، تدخل بوتين العسكري المباشر. بمناسبة الانسحاب من أفغانستان، أمريكا هي من أهدت المقاتلين الأفغان لإيران لتقتل بهم الشعب السوري. كما أهدت المقاتلين العراقيين أيضاً، لأنها كانت تحكم العراق. حتى الآن لم تسعَ أمريكا لإخراج إيران من سوريا. بل العكس تماماً هذا ما تم الاتفاق عليه في فضاء الاتفاق النووي الذي أجراه أوباما مع إيران، على ألا يأتي على ذكر التواجد الإيراني في سوريا ولبنان والعراق. هذا أيضاً ما تطبقه الآن إدارة بايدن. لا يوجد طرف دولي أقله في مجلس الفيتو الدولي، يطرح خروج إيران من سوريا. إنه اتفاق دولي، سواء كان مباشراً أم غير مباشر. اتفاق دولي بزعامة أوباما على أن تدخل إيران سوريا، عسكرياً، وتنقذ الأسد، وعندما فشلت تدخلت روسيا. الميليشيات الإيرانية هذه كانت وحتى الآن بحماية الطيران الروسي أيضاً منذ تدخله المباشر، بحماية قاعدة حميميم.


تستثنى من هذه الحماية الطائرات الأمريكية والإسرائيلية. حيث لا يستطيع بوتين حماية الميليشيات الإيرانية ولا قوات الأسد من الطائرات الإسرائيلية. هذا اتفاق مبدئي سمحت إسرائيل بموجبه لبوتين بالتدخل لحماية الأسد ومشاركته في قتل الشعب السوري. كذلك الأمر ينطبق على إيران أمريكياً. ألم تكن أمريكا شريكة الملالي في حكم العراق منذ احتلاله؟ نحن أمام غطاء أمريكي إسرائيلي متين للاحتلال الإيراني لسوريا، ولبنان أيضاً. الفارق بين أمريكا وإسرائيل أن الأخيرة تريد احتواء كاملاً لهذا الاحتلال على حدودها. بينما أمريكا ترى أنه لا يشكل خطراً على أحد سوى أنه ساهم بقتل السوريين دفاعاً عن الأسد. من جهة أخرى حاول الأردن إبعاد شبح الميليشيات الإيرانية عن حدوده، لكن أمريكا وروسيا أعادوا فرض الصمت عليه وعلى هذا الملف.


حيث الأردن يلتزم الصمت تماماً الآن حول التواجد الإيراني في درعا، الذي تبعد عن حدوده 4 كم فقط. إذا ما تزال الميليشيات الإيرانية تحتل ما تحتله من سوريا، وفقاً لغطاء أمريكي ودولي، سواء من مجلس الفيتو الدولي، أو من بقية دول العالم. حتى دول الخليج لم تعد تذكر هذا الأمر في إعلامها. إذاً ما الذي تريده إيران من درعا؟ ببساطة لأنها منطقة حدودية مع إسرائيل والأردن من جهة، مما يتيح لها موقعاً تفاوضياً أفضل. ومن جهة أخرى هي مساحة تضاف لرصيد تواجدها في سوريا عامة، طالما أنها لا تجد من يمنع ذلك. طبعاً الحديث عن "سورنة" سوريا كأفغنة أفغانستان ولبننة لبنان أمريكياً وأوروبياً، غربياً، أمر خصب ويمكن طرحه على مبدأ أن هذه السورنة تستنزف الجميع. حتى لو قتلت أو هجرت كل الشعب السوري، هذا ليس في الحسبان أمريكياً ودولياً.


هذا العنوان يصلح الآن لتعامل إيران مع درعا. إما التهجير والحصار والقتل أو الركوع. السؤال الآن: درعا البلد عسكرياً ووفقاً للنظام البراميلي وطرائقه الإبادية يمكن أن يسقطها، ما الداعي ليسمح لميليشيات إيران بالتواجد فيها؟ لماذا تسمح روسيا بذلك أيضاً؟ أعتقد أن الجواب عند أمريكا وإسرائيل. ما يحدث في درعا إذا هو أيضاً توافق دولي على التواجد الميليشياوي الإيراني. بغض النظر عما ستؤول إليه الأوضاع التفاوضية الآن في ظل حصار درعا البلد. هذا أيضاً يقودنا لتوضيح جانب من هذه العلاقة الأمريكية الإيرانية الإسرائيلية المركبة. بسؤال: ما الفرق بين علاقة أمريكا بالسعودية أو غيرها من الدول وعلاقتها بإيران؟ المملكة العربية السعودية، الحليف التاريخي لأمريكا، تخلّت عنها في اليمن لصالح إيران وميليشيات الحوثي، واعتبرتها إدارة بايدن طرفاً شرعياً. رغم حديث أمريكا المتكرر إعلامياً عن رفضها للسياسات الإيرانية، مع ذلك لم تستطع السعودية حسم معركة عاصفة الحزم في اليمن ولو بتسوية مشرفة بالحد الأدنى. ببساطة لأن أمريكا تريد تزمين المعركة. كان بإمكان الأمريكان الطلب من السعودية والإمارات بعدم التدخل في اليمن، وأظن أن الدولتين ستستجيبان لطلبها. لكنها لم تطلب ذلك.


هل يمكن القول إن أمريكا تخلّت عن حلفائها التقليديين في الخليج لمصلحة إيران؟ أم إنها فقط أدخلتهم في صراع مجاني على حساب الشعوب الخليجية والإيرانية؟ حيث ما تزال أمريكا حريصة على العلاقة مع دول الخليج، لكن من الواضح أنها حريصة أكثر على إدارة الإبادة الملالية لشعوب المنطقة، وعلى رأسها الشعب الإيراني. يحتاج هذا الموضوع كي نفرد له مادة خاصة. إذاً التواجد الإيراني في درعا محمي أمريكياً قبل روسيا. الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية أبداً ليست من أجل إخراجها من سوريا، بل من أجل إبقائها على الطريقة الإسرائيلية حصراً.


إذا سقطت درعا البلد ستتقاسم إيران فيها النفوذ مع روسيا أيضاً. الموقف الروسي دوماً يحسب حساباً أن إيران في سوريا محمية أمريكياً. وهو المشارك في الاتفاق النووي الأول ويشارك الآن في مباحثات فيينا لإنتاج الاتفاق الثاني أو العودة للأول. درعا البلد تحاصرها الوحوش.


غسان المفلح


ليفانت - غسان المفلح ليفانت 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!