الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
إعلان الوطنية وإعلان الاستقلال وما بينهما
 ثائر الزعزوع

تبدو الساحة السورية الآن في أكثر مراحلها اضطراباً وفوضوية، الجميع ينتظر حدثاً، لكن لا أحد يستطيع أن يضع تصوراً لشكله أو ماهيته. حدث ما، استثنائي ربما، قد يغير معادلة «المجزرة» المستمرة، منذ تسع سنوات ونيّف، وينقلنا وينقل سوريا بأسرها معنا إلى مرحلة أخرى، يقول المختصّون إنّها ستكون سياسية بامتياز، ولذا فلم يكن مستغرباً أن تنشط بعض الدعوات السياسية المشتّتة هنا وهناك، والتي قد لا يجمعها جامع مشترك، سوى أنّها تريد أن تظهر على السطح في هذه الفوضى، وأن يكون لها «دور» أيّاً يكن حجمه، في مرحلة ترتيب الأوراق لاحقاً.


لن أستغرق وقتاً طويلاً، فيما أطلق عليه «إعلان الوحدة الكردي» والذي نجح، أخيراً، في جمع المتخاصمين الكرد على طاولة حوار، أفضت إلى بيان، ينبذ الخلافات جانباً، ويطوي سنوات من الخصومة السياسية، ليفتح صفحة جديدة، كما قيل، برعاية أو بإشراف أمريكي، قلت إني لن أستغرق طويلاً، لسببين: أولهما، أنّ الموضوع أشبع تحليلاً وتفنيداً، وكتب العشرات مقالات مستفيضة مدحاً وذماً، والسبب الثاني، أنّي حقيقة لست مطلعاً كفاية على أسباب خلافات الأحزاب الكردية.


لكن لعلي أرصد أكثر ما وصلني من بيانات أو مشاريع على بريدي الشخصي، وطلب مني أن أشارك فيها، بداية وصلني «بيان إلى الرأي العام» مصاغ بطريقة رديئة، وهو رد فعل على بيان الوحدة الكردية، وقد وقّع عليه العشرات وربما المئات، تملّص عدد من الموقعين، وأعلن أنّ اسمه قد زجّ به دون استشارته، وأنا أصدق المتبرئين، ولست في وارد تكذيبهم، كما فعل بعض المعلقين، لكن الملاحظة الأولى التي ذكرتها، والتي تتعلق بالصياغة الرديئة، تنسحب حقيقية على ما فيه من أفكار، لن أقول إنّها رديئة، لأنّ من حق أيّ كان أن يفكر بالطريقة التي يرى أنّها مناسبة، حتى وإن لم تعجبنا، لكن الموقّعين على البيان، ربما، لم يلاحظوا أنّهم يعترضون على شيء، قد يكون إيجابياً، وقد يفتح الطريق أمامهم ليفعلوا مثله، أقصد أن يبدؤوا بترتيب أوراقهم، والبحث عما يوحدهم، وأن ينبذوا خلافاتهم السياسية، ويشرعوا حقيقة في تأسيس كيان سياسي، له قيمة ثم يطرحوا أنفسهم على الملأ، كواحد من القوى السورية الفاعلة على الساحة، أما توقيع البيانات، فهو لا يقي من برد، و لا يشبع من جوع، وهو عمل استعراضي، إن صح القول، ولا يليق ببعض الأسماء التي لها وزن وقيمة، سياسياً وأكاديمياً.


االبيان الثاني، حمل عنواناً مختلفاً، وأكثر رومانسية، إذ أطلق عليه واضعوه تسمية «إعلان الوطنية السورية» ويتضمن، كما تتضمن البيانات والإعلانات عادة، مقدمة تشرح الأسباب التي أوجبت إعلان الوطنية السورية في هذا الوقت، متلاطم الأمواج، وما إلى هنالك من شروح عامة، عما آلت إليه الأوضاع السورية، ثم يأخذ «الإعلان» شكل النظام الداخلي لأحد الأحزاب، فهو يتدخل في شكل الدولة والسياسة العامة، ويفصل فيما يجب أن يكون وما يجب ألا يكون، مبتعداً كثيراً عن عنوانه الأصلي «إعلان الوطنية السورية»، وقد طلب من الناس التوقيع على «الإعلان» إن كانوا موافقين على ما يتضمنه.


والحقيقة أنّ أيّاً كان، لن يكون لديه اعتراض على الكلام العام، الإنشائي المذكور في البيان، فهو رومانسي جداً، ويأمل بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وكأنّ رمي سنوات الصراع والدمار من الذاكرة يجعلنا ننتقل، وبمجرد تبني ما ورد في الإعلان إلى دولة حديثة متطورة، ثم، وهذا مهم جداً، كما أرى، لم يعد الشارع السوري منساقاً إلى القوالب الجاهزة، وهو لن يقبل بالصيغ التقليدية، وهو الذي عاش ما عاشه من اندحار لمفاهيم الوطنية والمقاومة والصمود، وحتى مفهوم الوطن نفسه، صار بحاجة إلى إعادة تعريف، وإعادة قراءة. 


المشروع الثالث الذي وصلني، والذي قد يبدو، للبعض، وللوهلة الأولى، فانتازياً، وقد يعتبره البعض الآخر، مزحة ثقيلة الظل، تطرح في هذا الوقت لتشتيت الرأي العام، هو بكل بساطة «إعلان استقلال الجزيرة»، وهو مشروع يضرب بعرض الحائط كل شعارات الوحدة الوطنية، ووحدة التراب السوري، التي ما انفك الجميع يرددها، وحتى أشدّ أعداء سوريا الذين أوصلوها إلى حافة الهاوية، فهم يعلنون في كل بياناتهم الصحفية، وخطاباتهم، أنّهم حريصون أشدّ الحرص على وحدة التراب السوري، لكنهم يعملون بكل ما أوتوا من قوة لزيادة تمزيق ذلك التراب، وتشريد من تبقى من ساكنيه.


إذاً، فإنّ إعلان استقلال الجزيرة يبدو كصدمة لمن سوف يطلع عليه، فأصحاب الإعلان، يعتبرون أنّ سكان الجزيرة لا يمكن أن يستمروا تابعين لسوريا، وهي التي استغلتهم واستغلت ثرواتهم على مدى عقود، ويحمل أصحاب البيان اتفاقيّة سايكس بيكو المسؤولية عن وضع سكان الجزيرة في حيّز جغرافي واحد مع سوريا، دون أن يستشاروا في مصيرهم. ورغم الصدمة التي قد يحدثها مثل هذا البيان، إلا أنّي أعتبره تفكيراً خارج الصندوق، وهو مغامرة سياسية، ربما لن يكتب لها النجاح، لكنها تقودنا إلى نمط مختلف من التفكير يبتعد عن نمطية الشعارات التي تربينا عليها. وقد نتمكن حقاً من توسيع آفاق تفكيرنا قليلاً، ورمي ما تعلمناه من شعارات إلى سلة مهملات التاريخ، فالشعارات لا تبني دولاً.


ختاماً، منذ سنوات التقيت كاتباً فرنسياً مشاكساً، قال لي وهو يضحك، أنتم تأتون إلى فرنسا، وأنا أكره هذا البلد كثيراً، لم تعد الحياة في فرنسا تناسبني، هذا بلد بليد و لم يعد يتطور.


 ثائر الزعزوع

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!