الوضع المظلم
الأربعاء ٠١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • إخفاق "النهضة" في تونس أم إعلان فشل الإسلام السياسي بالمنطقة؟

إخفاق
رامي شفق

ثمة حقائق بدت للجميع مع خروج أعداد هائلة من المواطنين التونسيين، وقيامهم بحرق مقرات حركة النهضة (فرع الإخوان في تونس)، في عدد من المدن التونسية، وما تلى ذلك من قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز الفائت، وقد قام بتجميد مجلس النواب وإقالة الحكومة، فضلاً عن تفعيل القانون بحق عدد من الشخصيات التي صدرت ضدها أحكام قضائية، بينما تم تعطيلها بفعل هيمنتها على مؤسسة القضاء ما سمح لها بالتحايل على تنفيذ تلك القرارات.


تلك الحقائق قد أزاحت الغطاء عن الأزمة المحتدمة التي تقع تحت وطأتها حركة النهضة، وهي أزمة تتصل ببنية التنظيم وتتجاوزه إلى الأداء والممارسة السياسية، وتمتد لسنوات ليست بالقليلة. ومن الصعب القراءة الدقيقة لمسار أحداث ليلة 25 يوليو الفائت، دون الوضع في الاعتبار نتيجة ضرورية لاستبداد وديكتاتورية راشد الغنوشي في قيادة الحركة، وقبضته العنيفة على كافة مفاصل التنظيم، الأمر الذي أدى إلى خلافات عميقة حول رؤى الحركة في تطور الأحداث، وكيفية التعاطي معها، وكذا التفاعل مع الأزمات التي تفاقمت مع مؤسسة الرئاسة، طيلة الأشهر الأخيرة.


ويشير ذلك الأمر، بقوة، إلى حالة الفشل التي تلاحق كافة تنظيمات الإسلام السياسي، بينما تخفق في امتلاك برامج سياسية تستطيع التعامل مع قضايا أوطانها ومصالحها الاستراتيجية وحقوق مواطنيها على أسس مدنية ومواطنية بعيداً عن أفكار وقيم التمكين والغلبة والاستحواذ.


ربما، من اللافت أن اللحظة التي قرر فيها التنظيم رسمياً التموضع نحو سدة الحكم في تونس، وإدارة التحول من حركة تتبنى منهج الدعوة والأعمال الإنسانية والخروج الحر من إطار المسجد إلى عالم السياسة بكل ما يتطلبه ذلك من رؤى ومفاهيم وبرامج انتخابية، قد رهن معظم قياداته وقواعده الانتخابية عند الأفكار القديمة والتقليدية، والرؤى الضيقة، والتي استندت عليها الحركة منذ التأسيس، وأضحت الهوة سحيقة بين الرجل الأول وباقي مفاصل التنظيم وقيادات المكتب التنفيذي.


إذاً، نجد أن أعمال المؤتمر العاشر لحركة النهضة كانت بمثابة اللحظة التدشينية الذي انطلق فيها نحو عالم السياسة، وقد تخلى عن الدعوة وطرحها أرضاً، بينما اتخذ قراره بأن يؤدي ذلك دون أن يبدل اسم حركته.


وبغض النظر عن رمزية الإجراء ودلالته، فلم تقم الحركة، طيلة السنوات، التي أعقبت أعمال المؤتمر العاشر، أن تبلور أي إجراء أو قرار أو رؤية، وهي طرف رئيسي في معادلة الحكم، سواء خلال حقبة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، أو حكم الرئيس قيس سعيد، الأمر الذي يعكس قرارهم المركزي في تحول الحركة بالكلية نحو السياسة.


سعت حركة النهضة حثيثاً، طوال السنوات الماضية، أن تمر من عثراتها التنظيمية وأزماتها الهيكلية عبر توظيف فوائض القوة لديها من خلال خطاب إعلامي يهيمن على الداخل، وتحركات الغنوشي إقليمياً، والتي سماها "الدبلوماسية الشعبية" في خطوة تكتيكية منه لاستثمار ذلك في استقبال ودعم تركيا إقليمياً، بيد أن ذلك كله لم يستطع أن يتجاوز ضعف التنظيم وهشاشة الهيكل، والذي ظل يتآكل حتى تهاوى مع أحداث يوليو الماضي.


فرضت الظروف التي كرسها الشعب التونسي، خلال الأحداث الأخيرة، بخروجهم في مظاهرات حاشدة على خلفية الأوضاع المأزومة التي يعيش فيها المواطنون بسبب تعطل دولاب الدولة، وتداعيات فيروس كورونا صحياً واقتصادياً واجتماعياً، وكذا حرق مقرات حركة النهضة داخل الولايات التونسية، أن تطرح خطاباً يتسم بالتناقض في مضمونه والارتباك في أهدافه، استناداً إلى مصدره، الأمر الذي منح كافة البيانات، التي صدرت عن التنظيم ونشرها عبر الوسائط الخاصة، صفة التلويح بالقوة وخروج قواعد النهضة في مظاهرات والترويج بأن قرارات الرئيس وتأويله للمادة 80 من الدستور التونسي هو بمثابة انقلاب عن الشرعية.


ولم ينتبه أي من قادة حركة النهضة أن ذلك التأويل فاسد وانتهازي، وقد سبق لهم أن عطلوا مسار المحكمة الدستورية وأفسدوا عمل الحكومة، حتى بدت البلاد وكأنها أنبوب ضيق سينفجر من كل جانب كل حين. تلك الظروف فرضت على خطاب النهضة أن يتنقل لخطاب التهديد والتلويح بالقوة، وذكر في بيان، صدر نهاية الشهر الماضي، أن المكتب التنفيذي لحركة النهضة قد اعتبر أن الإجراءات الاستثنائية التي لجأ إليها رئيس الجمهورية هي إجراءات خارقة للدستور والقانون وفيها اعتداء صريح على مقتضيات الديمقراطية وعلى الحقوق الفردية والمدنية للشعب التونسي والتحول إلى خطاب آخر تحدثت فيه عن "وجوب الالتزام بمواصلة النضال من أجل الدفاع عن مصالح الشعب التونسي في رزقه وكرامته وحريته، والعودة السريعة للعمل الطبيعي للمؤسسات، واستعدادها لتقديم كل التضحيات والتنازلات اللازمة في سبيل ذلك".


يبرز مضمون خطاب وبيان حركة النهضة عن خلافات جمة داخل المكتب التنفيذي، وقد ألمحت مصادر عديدة إلى ذلك، ويتصل "جوهر الخلاف بنقطتين أساسيتين تم الاتفاق حولهما ولكن لم يقع احترامهما ولا تضمينهما في البيان خلال صياغته، جاءت النقطة الأولى تتعلق بالاتفاق على عدم توصيف ما وقع منذ مساء 25 يوليو بالانقلاب فيما تضمنت النقطة الثانية دعوة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد لتشكيل حكومة لا تكون النهضة طرفا فيها".


ورغم أن الخلافات داخل المكتب التنفيذي، من جهة، والغنوشي، من جهة أخرى، حقيقة لا تحتاج إلى تأكيد أو دعم من مصدر مطلع، بيد أن الحقيقة الأخرى تتمثل في وجود مناورة براغماتية من كافة الأطراف داخل حركة النهضة، تتعلق بضرورة التمسك بالجولة الأخيرة نحو فرصة الجلوس لطاولة المفاوضات مع الرئيس، والتحرك نحو حصد أي فرصة بخصوص معاودة وجودهم وحضورهم داخل المشهد التونسي.


وربما من الأهمية الإشارة إلى أن حدود البراغماتية والمناورة السياسية ستبلغ أقصى مدى لها بحسب تطور الأحداث ومسار أوراق الضغط، وستصل في لحظة ما نحو التخلي عن القائد التاريخي راشد الغنوشي. غير أن ما ينبغي إدراكه أن واقع النهضة والإسلام السياسي أضحى غير مناسب مع الظروف الإقليمية والدولية، وأن ثمة ضرورة لإعادة هيكلة تلك التنظيمات بما يتوافق مع الواقع الجديد.


رامي شفيق


ليفانت - رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!