الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
أورويل ومزرعة الأسد
ماجد ع محمد

رغم التشابه في العناوين بين كتاب الدكتور عبدالله الدهامشة "سوريا مزرعة الأسد" ورواية جورج أورويل "مزرعة الحيوان" ورغم الجهد الواضح في كتاب مزرعة الأسد من قبل الكاتب، ورغم حاجة المكتبة السورية إلى هكذا كُتبٍ تكشف الغطاء عن المخفي من طغيان سنوات النظام الحاكم وفساد جلاوزته، إلا أننا مع كتاب الدهامشة نشعر وكأننا سنخرج بعد إتمام القراءة بتصور طائفي ما، وأن الكتاب سيقرّب القارئ من منطق الحكم على ملة بأكملها بناءً على تصرفات تلك العائلة التي كانت على مدى عقود محط اقتداء أو تقديس أو تزلف لدى طائفة كبيرة من السنّة، كما هو الحال مع الكثير من أبناء الطائفة العلوية.




وإذ كنا مع رواية الكاتب والصحفي البريطاني أمام صيرورة الحياة في مزرعة يديرها السيد "جونز" فإننا في "سوريا مزرعة الأسد" نقرأ تاريخ عائلة الأسد بأكملها منذ تسلمها مقاليد الحكم في سورية لما يزيد عن 40 سنة، وحيث يبدأ الفصل الأول من الكتاب بسرد تاريخي من الدولة العثمانية إلى الحرب العالمية الأولى، ومن ثم مسيرة الحكومات السورية المتعاقبة بعد جلاء الفرنسيين سنة 1945 ومن ثم سرده بالتفصيل استيلاء حافظ الأسد على السلطة، وسيطرته على حزب البعث برمته، والسيرة الذاتية لجد حافظ الأسد سليمان الوحش، وفصل خاص برفعت الأسد، مجازر النظام، مأساة حماة والتعذيب في السجون، وإشارة الكاتب إلى خيانة حافظ الأسد عندما كان وزيراً للدفاع في حرب الـ: 67 وكيف أن ذلك كان سبب انتصار إسرائيل.




ولا شك أن الكتاب له قيمته في تأريخ مرحلة مهمة من عمر البلد، ويتحدث عن الاستئثار بالسلطة وعن كنه وعقلية النظام الفاسد والمستبد، إلا أنه وللحظة ما يخال إلينا بأن الكتاب سيدفع المرء إلى إطلاق الحكم الشمولي والانحياز والاصطفاف الطائفي، وذلك بخلاف رواية جورج أورويل التي تفيد في حالات الإسقاط كل زمان ومكان، حيث أنها تتحدث عن الطاغية كصاحب فلسفة وفكر ومفهوم ومدرسة وممارسة، بعيداً عن تحميل المجتمع برمته نتائج ما قام به الطاغية أو حاشيته أو ملته، أو حشره في زاوية دينية أو عرقية أو طائفية من أجل الحكم بسببه على كامل محيطه وبيئته الاجتماعية.




وإذا كان جورج أورويل، في روايته التي نشرت عام 1945م، لمح إلى خداع الجماهير الثائرة من قبل قادة الثورة، وبالتالي انتهاء الشعب من الخنزير الكبير (الحاكم البشري) ليقعوا مجدداً تحت سيطرة خنازير صغار ليسوا أفضل حالاً من الخنزير البشري، وإذا علمنا بأن الخنازير خدعت باقي حيوانات المزرعة بعد الإطاحة بحكم صاحب المزرعة ذلك الكائن البشري بخصوص تحقيق العدالة الاجتماعية فور الثورة والتخلص من صاحب المزرعة، والتي سرعان ما قامت بمحاكاة كل ممارسات صاحب المزرعة عقب تسلم القيادة بعد الإنقلاب عليه، وحين المقارنة ألسنا مع ممارسات بعد قادة وعناصر الفرق المسلحة في سورية أمام صورة طبق الأصل عما كانت عليه كائنات مزرعة الحيوان لدى جورج أورويل؟ خصوصاً إذا أيقننا بأن الثورة قامت أساساً من أجل الحرية والكرامة وإحقاق العدل والإنصاف والقضاء على التمايزات التي كان معمول بها في عموم البلد من قبل رهط الأسد والمستفيدين من حكمه، إذ وبعد مرور ثماني سنوات على انطلاق الاحتجاجات السلمية في سورية، ما يزال يتبادر إلى أذهان الكثير من أهل البلد السؤال التالي: يا ترى هل بمقدور أحد من السوريين أن يذكر بقعة جغرافية واحدة ـ سواء في الشمال السوري المحرر أو في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش أو جبهة النصرة أو قسد ـ تحققت فيها شروط الحرية والكرامة وإحقاق العدل والإنصاف؟ وأليس مثلما كان الفساد رائجاً لدى الثائرين على سلطة جونز في مزرعة أورويل وبين كائنات مزرعته، هو عينه في الطرف الآخر أي في سورية، وحيث تعشعش الفساد وتموضع وتمدد في أجسام الجهات المسلحة التي ما تزال تكرر في خطاباتها وتقول بأنها إنما خرجت من أجل استعادة الكرامة والتخلص من جور وفساد النظام؟ إذ حيال ذلك الأمر فلسان حال الكثير من المدنيين في عموم سورية يقول: كنا بمزرعة خاصة بالأسد وحده، صرنا بمزرعة يتجول فيها عشرات الصنوف من البهائم التي تحاول محاكاته في معظم التصرفات، وبأن الشعب السوري رغم التضحيات الجسام التي قدمها طوال السنوات الماضية إلا أن اللاحق لا يبدو عليه بأنه سيتخلص من الإرث السابق.




على كل حال فمن بعض الدلائل على اشتراك أغلب حملة السلاح بالمثالب في معظم الأراضي السورية، هو ما كتبه أحد الأخوة الغوطانيين ممن تهجروا إلى إدلب ـ بعد سيطرة قوات الأسد على معرة النعمان وتهجير كل أهلها ـ والذي دوّن باسمه المستعار سميريوس سميروس قائلاً: "عند دخول الفصائل المتأسلمة إلى معرة النعمان قطعوا رأس تمثال أبو العلاء المعري، وعند دخول قوات نظام الأسد إليها حرقوا قبر أبو العلاء المعري .. وجهان لعملة واحدة".


 


ماجد ع محمد - كاتب سوري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!